خلصت ورقة علمية إلى أن المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة “تعيش مفارقة قانونية وتنظيمية؛ فمن جهة هي مؤسسات ولدت من رحم إصلاح طموح يهدف إلى الارتقاء بها إلى مصاف مؤسسات التعليم العالي ومنحها الأدوات اللازمة لضمان الجودة الأكاديمية والبحث العلمي”، ومن جهة أخرى “لا تزال ترزح تحت وطأة وصاية قطاعية قوية تحد من استقلاليتها وتوجه عملها بما يخدم الحاجيات الآنية للقطاع الصحي”.
وسجّلت الورقة، المنشورة ضمن أحدث عدد من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث العلمية” تحت عنوان “المركز القانوني للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بين متطلبات الحكامة الجامعية وخصوصية الإشراف القطاعي”، أن “هذا التجاذب” بين العنصرين أفرز “وضعا قانونيا هجينا”.
وأضاف الإسهام العلمي، لمريم ازايا، دكتورة في العلوم السياسية والقانون الدستوري، “رغم أنه (الوضع القانوني) يمثل خطوة متقدمة مقارنة بالوضع السابق، فإنه أصبح اليوم يشكل عائقاً أمام تطور هذه المعاهد وتحقيقها لكامل إمكاناتها”.
وأظهر التقييم أن “دور المعاهد في تحقيق أهداف المنظومة الصحية يظل دورا مهما وحيويا، خاصة على مستوى توفير الكفاءات اللازمة لسد الخصاص؛ لكن هذا الدور يبقى منقوصا ما لم يتم تفعيل مهامها الأخرى في البحث العلمي وإنتاج المعرفة وتقديم الخبرة المستقلة”.
وفي هذا الصدد، عدّت الباحثة أن “الاقتصار على مهمة “التكوين” فقط دون تمكين المعاهد من أن تصبح مراكز حقيقية للبحث والابتكار يعني الحكم عليها بأن تظل مؤسسات مستهلكة للمعرفة بدلاً من أن تكون منتجة لها، وهو ما يتعارض مع طموحات المغرب في بناء اقتصاد ومجتمع قائمين على المعرفة”.
ولقد وجدت الورقة العلمية أنه من منظور القانون رقم 00.01، فإن المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة “ليست مجرد مدارس إدارية؛ بل هي مؤسسات للتعليم العالي يجب أن تتمتع، من حيث المبدأ، بالشخصية المعنوية والاستقلالية الذاتية، وأن تخضع للمعايير الأكاديمية الوطنية، هذه هي المرجعية المعيارية التي تمثل قطب ” الحكامة الجامعية”.
وأكد المصدر نفسه أن “المرسوم رقم 2،13،658 الصادر في 7 يوليو 2016 بشأن إحداث وتنظيم المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة هو النص الخاص الذي جاء لتنزيل هذا الإطار (العام) وتكييفه مع خصوصيات قطاع الصحة”، مستدركا بأن “قراءة متأنية لمقتضيات هذا المرسوم تكشف أنه وإن كان يستلهم بعض مبادئ الحكامة الجامعية، إلا أنه يميل بشكل واضح نحو تكريس وصاية قوية ومباشرة وزارة الصحة؛ مما يفرغ مبدأ الاستقلالية من الكثير من محتواه الفعلي”.
وفيما يتعلّق بمهمة التكوين وتأهيل الممرضين وتقنيي الصحة، “حيث يتطلب التوازن بين الجودة الأكاديمية والحاجيات المهنية إطارا تنظيمياً يضمن الاستقلالية مع المحافظة على الارتباط بالقطاع الصحي التي تعتبر المهمة الرئيسية للمعاهد، تتجلى الازدواجية بوضوح”، وفق المصدر ذاته.
وتابع موضحا: “فمن جهة تسعى المعاهد انسجاماً مع انتمائها إلى منظومة التعليم العالي إلى تقديم تكوين ذي مستوى أكاديمي رفيع يركز على تنمية التفكير النقدي والكفاءات المنهجية، والقدرة على التعلم الذاتي، وهي متطلبات أساسية في الحكامة الجامعية”.
واستدرك بأنه، “من جهة أخرى، تفرض عليها وصاية وزارة الصحة التركيز بشكل كبير على الجانب المهني التطبيقي وضمان اكتساب الطلبة للمهارات التقنية اللازمة للاندماج الفوري والفعال في سوق الشغل الصحي هذا التوازن بين الأكاديمي والمهني هو في حد ذاته هدف إيجابي، لكن الإشكالية تكمن في غلبة المنطق القطاعي أحياناً على حساب المنطق الأكاديمي”.
وأوضحت الورقة العلمية أن “التحكم شبه الكامل للوزارة في تحديد أعداد المقاعد، وفي المصادقة على دفاتر الضوابط البيداغوجية، وفي توفير أراضي التدريب (المستشفيات)، يجعل من الصعب على المعاهد تطوير مسالك تكوينية مبتكرة أو تخصصات دقيقة قد لا تكون ضمن الأولويات الآنية للوزارة؛ ولكنها قد تكون ضرورية للتطور المستقبلي للمهنة”.
ولتوضيح قواعد الحكامة المشتركة، اقترحت الدراسة “إصدار مرسوم مشترك بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، يهدف إلى توضيح وتفصيل آليات التنسيق والشراكة بين الوزارتين في الإشراف على المعاهد”.
واشترطت التوصية أن “يحدد هذا المرسوم بدقة صلاحيات كل طرف، خاصة فيما يتعلق بالمصادقة على البرامج البيداغوجية واعتماد المسالك، وتنظيم دراسات الدكتوراه وتحديد الوضعية القانونية للأساتذة الباحثين”.
وأوصى المصدر، كذلك، بـ”تعديل المرسوم رقم 2.13.658، لينص صراحة على تمتع المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بـ”الشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي”، وتحويلها إلى مؤسسات عمومية بالمعنى الكامل للمصطلح”، مشددا على أن “هذا التعديل سيمنحها الأهلية القانونية اللازمة لتنويع مواردها، وإبرام الشراكات، وتدبير ممتلكاتها بشكل مستقل”.
المصدر:
هسبريس