كشف تقرير حديث صادر عن “مرصد السياسة الصينية”، المعنيّ بدراسة السياسة الخارجية لهذا البلد الآسيوي، أن سلوك بكين تجاه قضية الصحراء أصبح أكثر براغماتية؛ إذ سعت إلى تعزيز علاقاتها مع المغرب عبر اتفاقات استراتيجية عدة، ما يوحي بتقارب دبلوماسي مع الموقف المغربي بشأن هذا الملف، خاصة وأن البلدين يتشاركان مبادئ احترام الوحدة الترابية ورفض الانفصال ضمن حوارهما الاستراتيجي.
وسجل المرصد ذاته أن جمهورية الصين الشعبية تتبع، في المحافل متعددة الأطراف، نهجا حذرا ومتوازنا، فهي تمتنع عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرارات الأساسية التي تهم ملف الصحراء، لكنها في المقابل لا تصدر أي تصريحات داعمة لجبهة “البوليساريو” الانفصالية، مشيرا إلى امتناعها عن التصويت على القرار الأخير لمجلس الأمن الذي أسقط حل الاستفتاء واعتبر خطة الحكم الذاتي المغربية الحلَّ الأكثر واقعية واستدامة.
وذكر المصدر ذاته أن التصريحات الرسمية الصينية تدعو إلى التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات، لكنها تتمسك في الوقت ذاته بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما تطبقه أيضا في ملف النزاع حول الصحراء، لافتا إلى أن “هذا النهج مقصود؛ إذ يتيح لبكين الحفاظ على علاقات جيدة مع كلٍّ من المغرب والدول الداعمة لجبهة البوليساريو، وعلى رأسها الجزائر، مما يزيد من هامش حركتها الدبلوماسية”.
وشدد التقرير على أن “التحليلات الحديثة تؤكد أن الصين تميل، لأسباب اقتصادية وجيو-سياسية، نحو حل يقوم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بدلا من الاستقلال الكامل، رغم أنها لم تعلن ذلك رسميا”، مفسرا هذا الميل بـ”اهتمام الصين بالمغرب باعتباره منصة استراتيجية في إفريقيا والمتوسط، وبموارد الصحراء الغنية بالفوسفاط والمعادن النادرة، ولذلك تفضّل بكين الاستقرار الإقليمي كشرط لضمان استثماراتها”.
وأبرز مرصد السياسة الصينية أن “التصويت الصيني على قرارات مجلس الأمن المتعلقة بقضية الصحراء لم يكن دائما على المنوال نفسه؛ فعلى سبيل المثال، صوتت الصين في أكتوبر من عام 2023 لصالح تجديد ولاية المينورسو، بينما امتنعت في عام 2018 خلال التصويت على القرار 2414 الخاص بالتجديد نفسه”، مؤكدا أن “بكين لا تعارض جميع القرارات المتعلقة بالصحراء بشكل منهجي، بل يتغير تصويتها (بين التأييد والامتناع) وفقا لصيغة النص”.
وفي سياق ذي صلة، أكد المرصد أن “امتناع الصين عن التصويت على القرار الأممي الصادر في 31 أكتوبر 2025 يعني أنها لم تعارض المبادرة الداعمة للخطة المغربية، بل سمحت بمرورها من دون أن تؤيدها بحماس أو بلا تحفظ”.
وأوضح أن “العلاقات بين المغرب والصين شهدت تطورا كبيرا لتصبح استراتيجية وعملية تتجاوز الطابع الدبلوماسي الرمزي؛ فبكين تعتبر المغرب شريكا رئيسيا وبوابة نحو إفريقيا وأوروبا، ومركزا صناعيا ولوجستيا، وحليفا موثوقا”، مشيرا إلى توقيع البلدين اتفاق شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد عام 2016، ما رفع مستوى العلاقة إلى ما هو أعمق من التعاون التجاري فقط.
وتابع بأن “الصين طالما أكدت على القيمة الاستراتيجية الكبيرة للمغرب بفضل موقعه الجغرافي ودوره الإقليمي وجسر التواصل الذي يشكّله نحو إفريقيا. وعلى الصعيد الاقتصادي، تُعدّ الصين أكبر شريك آسيوي للمغرب وأحد أبرز شركائه عالميا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2024 أكثر من 9 مليارات دولار أمريكي”.
وشدد على أن “الصين تهدف إلى تنويع شركائها ومسارات تجارتها، واستغلال موقع المغرب كمركز بديل لتفادي المخاطر الجيو-سياسية، كما تحظى المملكة بثقة الصينيين بفضل تأييدها لمبدأ الصين الواحدة ورفضها الاعتراف بتايوان، وهو موقف تعتبره بكين أساسيا في علاقاتها الدولية”.
وخلص مرصد السياسة الصينية إلى أن “الموقف الصيني من قضية الصحراء يبدو عمليا منحازا لحل يضمن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، أي الاستقرار دون استقلال كامل في المدى القريب”، معتبرا أن “القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن يمثل نقطة تحول واضحة؛ إذ غيّر التوازن الاستراتيجي الذي كانت الصين تحافظ عليه في موقفها من النزاع حول الصحراء، ويمكن تفسير هذا التحول، وإن لم يُعلن رسميا، في سياق مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية الواسعة في المغرب ومنطقة المغرب الكبير”.
المصدر:
هسبريس