تعقب أكاديميون مغاربة، الأربعاء، ضمن الجلسة العلمية الثالثة للندوة الدولية حول “الصحراء المغربية..التاريخ والتحديات الجيوساسية”، المنظمة من قبل أكاديمية المملكة، حدث “المسيرة الخضراء في ضوء الإثنوغرافيا والتاريخ الاجتماعي”، مبرزين من خلال مداخلاتهم المستندة إلى مشاريع علمية أن “الوطنية الصادقة كانت دافع المغاربة للمشاركة”، وأن “المرأة المغربية بصمت على مساهمة فاعلة”.
عبد الله هرهار، أستاذ ورئيس شعبة الأنتروبولوجيا بكلية علوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، سجّل خلال استعراضه نتائج مقال علمي تدارس “إثنوغرافيا المسيرة الخضراء”، أنه “في 16 أكتوبر 1975 تم تجديد الميثاق الذي قامت عليه الدولة منذ 13 قرنا، بين ملك شاب ويرتدي قناعة الأبدية وشعب تجدد شبابه”.
وأضاف هرهار: “هذه من الإشارات التي التقطناها من المتطوعين، الذين قابلنا منهم 21 مشاركا، تتراوح أعمارهم بين 68 و98 سنة”، وقد تم التوجه إليهم بمجموعة من الأسئلة مبنية وفق “منطق بناء المسيرة نفسه”، من قبيل “ما دافع المشاركة؟ وكيفية التفاعل مع نداء الحسن الثاني، والأجواء داخل المجموعات؛ أوقات الراحة والمدن التي تمّ التوقف بها…”.
وفي مواجهة بعض الكتابات الإسبانية التي شككت في روح المسيرة وأعطتها طابع الخدعة السياسية يتضح أن “الحشود المشاركة لم تكن في انتظارها أي غنائم مادية، كما أن توغلها في الصحراء لم يكن بدعوى الجهاد ضد الكفار”، بل “إرادة المشاركين كانت وطنية صادقة”، وفق الباحث.
وعن منشأ الرغبة في المشاركة أورد المتحدث ذاته: “نجد أن كل الأشخاص المستجوبين عبروا عن رغبتهم في الاستجابة في لنداء الملك، إذ تصارعوا نحو مكاتب التسجيل، حيثما كانوا. كما أن المتطوعين يستخدمون في معرض إجاباتهم أفعالا مثل مشينا، غنينا، صلينا وراجعنا”، معتبرا أن “هذه أفعال تحول الماضي إلى حاضر مستمر؛ ومعها تتحول التجربة الفردية إلى سردية جماعية”.
المحجوبة قاوقاو، أستاذة بالمركز الجهوي للمهن التربية، تطرّقت لبعض نتائج عمل بحثي حول “المسيرة الخضراء والتحرير السياسي عبر فعل البناء الاجتماعي..دراسة في المحتوى الإعلامي الرقمي”، اشتغل على تتبع شهادات رقمية قدمها مجموعة من المتطوعين للحدث عبر قنوات إعلامية رسمية وغير رسمية، تلفزيونية وإلكترونية.
ووقف العمل البحثي، تورد قاوقاو، بعد تحليل 30 شهادة، 6 منها تعود لنساء، “على ثلاثة مستويات: الرؤية الملكية، المستوى الإعلامي، والمستوى الشعبي، أي المسيرة كما عاشها المتطوعون”، وزادت: “هذا منطق بناء المسيرة الخضراء”.
ولدى تتبعها الخطب الملكية للحسن الثاني المتعلّقة بالمسيرة الخضراء وضعت الباحثة لها عدة تسميات حسب مضمونها، مشيرة إلى “خطاب التعبئة في يوليوز 1974، حيث دعا الملك الراحل إلى جعل هذه السنة سنة التعبئة الجماعية من أجل استرجاع الصحراء”، و”خطاب التهيئة في 20 غشت (…) وصولا إلى خطاب الحسم في 16 أكتوبر”، ثم “خطاب العودة في 9 نونبر”.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن “هذه الخطب تكشف عن عدة مداخل، منها الإتيقي، حيث نجد أن الحسن الثاني تحدث عن كيفية تدبير العلاقة مع الفضاء (انطلق، صلي، تيمم..)، ومع العدو (عندما تلتقي مع الجيران)”، كما أشارت إلى مدخل المروفولوجيا الاجتماعية، “وتجسدها مدينة الخيام، التي تسميها الوضعية البحثية بمغرب آخر مصغر، يعكس جميع جهات ومدن وأقاليم وفئات المجتمع المغربي، مع انتفاء أثر الطبقية والتراتبية”.
كوثر لبداوي، أستاذة جامعية لعلم الاجتماع والأنتربولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، عرضت نتائج بحث علمي تعقب حضور “المرأة ضمن حدث المسيرة الخضراء”، من خلال “مقاربة إيقونوغرافية إثنوغرافية تقاطعية”، معتمدة على تحليل إيقونوغرافي لعينة من الصور الأرشيفية، ومقابلات إثنوغرافية.
وقدّمت لبداوي، خلال عرضها الدراسة، نتائج تحليل إحدى القصص المصورة المتعلقة بالاستعداد للمسيرة الخضراء، نشرت سنة 1988، “حيث تدعم الرؤية السياسية للدولة في ما يتعلّق بالمشاركة، (لكنها) تبعث رسالة ضمنية بشأن تردد النساء وبقائهن في المنازل في انتظار أزواجهن، وكذلك اعتبار هذا الانتظار شكلا من أشكال المشاركة”.
وعن توزيع النساء المتطوعات أشارت الباحثة إلى أن عدد المشاركات من المدن الكبرى والمنطقة الجنوبية والمناطق القروية، كالدار البيضاء الكبرى ومكناس ومراكش وورزازات والجديدة، فاق الألف من كل مدينة، ولفتت إلى أن النساء المشاركات ينتمين إلى فئات كثيرة، فمنهن الممرضة والممثلة للقصر، “حيث حلت لالة مليكة بصفتها رئيسة الهلال الأحمر المغربي”، ما “زاد النساء المشاركات تحفيزا، ومثل دلالة على الوطنية”.
متدّخلا ضمن الندوة ذاتها فكك أناس بن الشيخ “سرديات المعيش اليومي..إثنوغرافيات وتجارب المشاركين في المسيرة الخضراء”، حيث أجرى مقابلات خاصة بين وجدة والناظور، همّت على وجه الأساس النبش في طقوس المشاركة والفرجة والاختلاط والتآلف مع ثقافة أخرى متمايزة.
وأشار ابن الشيخ، في مداخلته، إلى “تسجيل غياب التمايزات، والإنصات الجيد، كما يسميه بعض المشاركين، إلى التوجيهات الملكية التي تضمنها خطاب 16 أكتوبر؛ السلمية والتعاون والالتزام”، وزاد: “هي متغيرات ثابتة في الخطاب كانت تقرأ ما قد يحدث في الميدان (تفاعلات مع الجنود الإسبان في ظل الرغبة الجامحة في إنهاء الاحتلال)”.
وأوضح الباحث ذاته، استنادا إلى التفاعل مع المشاركين، أنه “لم يوثق أي من المشاركين ما عاشه (..)، كلها عناصر شفهية مرتبطة بالذاكرة الجماعية”.
كما وقف ابن الشيخ عند التداخل والاختلاف في طريقة عيش التجربة، حسب كل مشارك على حدة، مبرزا أنه “في مرويات المشاركين يعاد بناء الحدث وفق سرديات خاصة، وهنا نستنتج أن استحضاره يظل مرتبطا بتجربة فردية أكثر منه جماعية”، ولعل ما يدل على هذا المعطى، وفقه، “التفاصيل المرتبطة بنوع النقل ومحطات التوقف والموارد المادية، وحتى الطقوس الاحتفالية”.
المصدر:
هسبريس