مع صدور القرار الأممي الأخير رقم 2797 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، الذي انتصر للطرح المغربي المتمثل في اعتماد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، يبدأ النقاش حول أبعاد تنزيل هذا المقترح في ظل الترسانة القانونية التي تتوفر عليها المملكة، وعلى رأسها الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
ويتجدد النقاش في ظل هذا المعطى الأممي حول ما إن كان الإطار الدستوري الحالي قادرا على تأطير تنزيل مشروع الحكم الذاتي بالصحراء، أم إن هذا التنزيل يحتاج إلى إجراء تعديل دستوري خاص.
وتدفع آراء باحثين ومهمتين بكون الدستور المغربي لسنة 2011 منح الجهات اختصاصات واسعة في التمثيلية الترابية، إذ أفرد لها بابا خاصا بها، وبالتالي قاعدة مرنة لذلك، بينما يرى آخرون أن الحكم الذاتي يتجاوز الجهوية المتقدمة على اعتبار أنه يمنح الإقليم الذي سيطبق فيه هذا النظام صلاحية إنشاء مؤسسات بصلاحيات سيادية مستقلة نسبيا عن المركز.
بالعودة إلى أسمى قانون في المغرب يتبين أن الدستور في الفقرة الأخيرة من فصله الأول يتحدث عن مبدأ الجهوية المتقدمة، حيث جاء أن “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”؛ فيما لم تنص الوثيقة نفسها على أي إشارة إلى الحكم الذاتي.
كما أفرد الدستور المغربي في بابه التاسع حيزا مهما للحديث والتفصيل في مبدأ الجهوية، من خلال التطرق لكيفية انتخاب الجماعات الترابية وتسييرها، وكذا الإتيان على مبادئ التنظيم الجهوي والترابي.
ومن هنا، وفي ظل غياب أي تنصيص بالوثيقة الدستورية على مبادرة الحكم الذاتي والسبل القانونية لتنزيلها، يبرز بشكل جلي وجود إشكالية قانونية تتمثل في مدى القدرة على تنزيل المبادرة بشكل يراعي الهندسة الدستورية الحالية المرتبطة بالجهوية المتقدمة وبتنظيم ترابي لا مركزي.
ويطرح عدم إجراء تعديل دستوري إشكالية أخرى تتعلق بالأحزاب السياسية التي يمكن تأسيسها في حال تنزيل الحكم الذاتي، على اعتبار أن الوثيقة الدستورية تمنع تأسيسها على أساس جهوي، إذ يقول الدستور في فصله السابع في هذا السياق: “لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان”.
يرى الدكتور رشيد لزرق، المختص في القانون الدستوري، أن الحديث عن تعديل الدستور من أجل تنزيل الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة يبقى سابقا لأوانه، على اعتبار أن هذه المسألة تظل رهينة بنتائج المفاوضات السياسية والدبلوماسية الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وبحسب لزرق، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن الحديث عن إصلاح دستوري رهين بما ستسفر عنه المفاوضات، موردا في هذا الصدد: “إذا أسفرت عن صيغة نهائية متوافق عليها دوليا ووطنيا فقد يُصبح من الضروري إدخال تعديلات دستورية محدودة لضمان انسجام النظام القانوني الداخلي مع الالتزامات الجديدة، خاصة في ما يتعلق بتوزيع الاختصاصات بين الدولة المركزية ومنطقة الحكم الذاتي، أو بترتيبات تمثيل الجهة في المؤسسات الوطنية”.
ويطرح المختص نفسه إمكانيات أخرى لتنزيل الحكم الذاتي دون اللجوء إلى إجراء تعديل على الوثيقة الدستورية، مؤكدا أن ذلك رهين بالصيغة المتفق عليها لتفعيل آليات الحكم الذاتي.
وتابع المتحدث نفسه: “إذا سمحت الصيغة المتفق عليها بتفعيل آليات الحكم الذاتي في إطار مرونة الباب التاسع من دستور 2011 المتعلق بالجهوية المتقدمة فقد يُستعاض عن التعديل الدستوري بقوانين تنظيمية ومراسيم تطبيقية تُفصّل الاختصاصات دون المساس بالبنية الدستورية العامة”.
رغم الإصلاحات الدستورية التي قام بها المغرب سنة 2011 إثر التصويت على دستور جديد يعوض دستور سنة 1996 إلا أن الوثيقة الحديثة لم تشر إلى مصطلح الحكم الذاتي -سواء بشكل واضح وصريح أو بشكل مستبطن- الذي تم تقديمه لأول مرة من طرف المغرب سنة 2007 كمقترح لتجاوز النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.
صلاح الدين حليم، باحث متخصص في العمل البرلماني، أكد أن المقترح “هو وثيقة لإطلاق مبادرة، غير مشروطة بتناول تفاصيل التنزيل والأجرأة، ولذلك كان عنوانها الكبير هو التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي، وارتبطت خطوطها العريضة ببناء هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية في ظل حكم ذاتي لمغاربة الصحراء، لتحتفظ الدولة لنفسها بمقومات السيادة، ولاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، إلى جانب الاختصاصات الدستورية للملك، بصفته رئيس الدولة وأمير المؤمنين، وكذا الحفاظ على منظومة الأمن الوطني والدفاع والعلاقات الخارجية”.
ولفت حليم، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنه “في ظل دستور سنة 2011 نجد أنفسنا أمام الفرضيات التي يطرحها الباب الثالث عشر منه، إذ لم يتناول بالمنع في الفصل 175 سوى ما تعلق بمراجعة الدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية التي نص عليها”، وشدد في هذا الصدد على أن “مجال الحكم الذاتي، باعتباره نموذجا للحكم الجهوي في ظل السيادة المغربية، لا يقع تحت طائلة المنع، ويجوز إدراجه ضمن المواضيع التي يمكن مراجعة الدستور بشأنها”.
وختم الباحث في العمل البرلماني تصريحه بالتأكيد على أن مراجعة الدستور “مسألة حتمية في موضوعنا، والشروط الشكلية والموضوعية سانحة للقيام بها، لكن من الضروري انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات مع الأطراف الثلاثة الأخرى للنزاع”.
ولعل النقاش الذي خلفه القرار الأممي الأخير يفتح الباب أمام جيل ثانٍ من الإصلاحات الدستورية بعدما تجاوزت الوثيقة المعتمدة عشر سنوات على ترسيخها.
المصدر:
هسبريس