آخر الأخبار

الحكومة تعيد هيكلة "صندوق التنمية القروية" بتسمية جديدة ومهام موسعة

شارك

تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026 مقتضى جديدا في مادته السادسة عشرة يقضي بتغيير تسمية الحساب المرصد لأمور خصوصية من “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية” إلى “صندوق التنمية الترابية المندمجة”.

جدير بالذكر أن هذا الحساب كان قد عرف أول تغيير في تسميته بموجب قانون المالية لسنة 2012، إذ تم اعتماده باسم “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية”، وفي قانون المالية لسنة 2016 أُسندت مهمة الأمر بالصرف إلى وزير الفلاحة، كما تم الرفع من الاعتمادات المخصصة له تفاعلا مع الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لشهر يوليوز 2015، الذي دعا الحكومة إلى إيلاء عناية خاصة للعالم القروي وتقليص الفوارق المجالية بينه وبين المناطق الحضرية، في أفق تحقيق تنمية شاملة ومنصفة.

ويتولى هذا الصندوق أداء النفقات المتعلقة بتمويل برامج ومشاريع التنمية الترابية المندمجة، ولاسيما تلك المتعلقة بدعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي، وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة التربية والتعليم والرعاية الصحية، والتدبير الاستباقي والمستدام للموارد المائية في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ، والتأهيل الترابي المندمج.

عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، قال إن التطرق لأصل هذا الصندوق يستوجب الرجوع إلى قانون المالية لسنة 1994، الذي تم بموجبه إحداث حسابٍ مرصدٍ لأمور خصوصية تحت مسمى «صندوق التنمية القروية»، وكان الوزير الأول (رئيس الحكومة حالياً) هو الآمر بصرف نفقاته وتحصيل مداخيله.

وأوضح الخبير المتخصص في المالية العمومية أن هذا الصندوق شكّل إحدى الآليات الأساسية لتنزيل برنامج تقليص الفوارق المجالية، من خلال تمويل مشاريع مهيكلة في مجالات الطرق والمسالك القروية، والتعليم، والصحة، والتزوّد بالماء الصالح للشرب، والكهرباء، بميزانية إجمالية تجاوزت 50 مليار درهم، ما جعله رافعة حقيقية لتعزيز التنمية القروية وتحقيق العدالة المجالية.

واستحضر الباحث مودن الجدل الذي رافق الصندوق سنة 2016 بشأن الجهة المخوّل لها تدبير الحساب، وما إذا كانت رئاسة الحكومة أو وزارة الفلاحة أو جهة أخرى هي الأجدر بالإشراف عليه، مشيرا إلى الخلاف الذي برز بين مكونات الأغلبية الحكومية خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2023، حين طالب كلٌّ من حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة بتمكين وزير التجهيز والماء ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان من الإشراف جزئيا على اعتمادات هذا الحساب، نظرا لارتباط مجالات تدخلهما بمشاريعه التنموية.

وشدّد رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية على أن المنطق الدستوري، إلى جانب الطابع المتعدد والمتكامل لتدخلات الصندوق، التي تتقاطع بين عدة قطاعات وزارية وتتطلب تنسيقا محكما للسياسات العمومية، يفرضان أن لا يكون وزير الفلاحة أو أي وزير آخر هو الآمر بصرف نفقاته، بل أن تُسند مهمة تدبير الحساب إلى مؤسسة رئيس الحكومة، باعتبارها الجهة الأقدر على ضمان الانسجام بين مختلف البرامج والمشاريع التنموية.

وأردف المتحدث ذاته: “حتى وإن كانت هناك تخوّفات من أن يتحول الصندوق إلى أداة للدعاية الانتخابية في المرحلة المقبلة، خصوصا بالعالم القروي من خلال مشاريع موجهة، فإن هذه المخاوف تتغذى من كون سنة 2026 سنة انتخابية بامتياز، والجميع يدرك الأهمية الانتخابية الكبرى للعالم القروي باعتباره خزاناً حاسماً قادراً على ترجيح كفة أي حزب نحو الصدارة أو التراجع”.

وأضاف مودن أن هذا المعطى يفسر حدة التنافس الحزبي حول تدبير هذا الحساب منذ سنة 2016، خاصة أن الصندوق رُصدت له اعتمادات مالية تُقدر بـ5 مليارات درهم قابلة للصرف خلال السنة نفسها، إلى جانب 15 مليار درهم إضافية يمكن الالتزام بها مقدما برسم السنة المالية 2026 من الاعتمادات المخصصة لسنة 2027.

وأكد الباحث نفسه أن هامش تحسين مردودية المداخيل الضريبية مازال واسعا، مشيرا إلى إمكانية تحقيق نتائج أفضل عبر مراجعة منظومة الامتيازات والإعفاءات الضريبية، سواء الدائمة أو المؤقتة، التي مازال مشروع قانون المالية لسنة 2026 مستمراً في منحها لبعض الفئات والقطاعات، وهو ما يشكل برأيه أحد المفاتيح الحقيقية لتعزيز العدالة الجبائية والرفع من فعالية السياسات المالية العمومية.

وذكر مودن أنه “في مقابل تمديد آجال تطبيق المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول إلى غاية سنة 2028 لدعم التماسك والتضامن استمرت الحكومة في منح امتيازات للقطاع الرياضي إلى غاية 2030، وهو ما يناقض الأهداف المعلن عنها”، وشدد على أن “الأكتاف القوية ينبغي أن تتحمل الأعباء الثقيلة؛ وبهذه الامتيازات فإن الحكومة تفوت على ميزانية الدولة مداخيل جد مهمة، خصوصا أن كتلة أجور الرياضيين المحترفين بالشركات والجمعيات الرياضية جد مرتفعة”.

وأكد المتحدث أن “الحكومة مطالبة ببذل مجهودات جبارة على عدة مستويات للخروج من وضعية المديونية هاته، من جهة حتى يتوفر لها هامش مناورة ميزانياتي كبير لتنفيذ المشاريع والبرامج الكبرى التي تنظرها المملكة، ومن جهة أخرى ينبغي مقابل ذلك ضمان أن لا يصبح تنفيذ هذه البرامج والمشاريع آلية لارتفاع مهول لمؤشر المديونية”.

واستدرك الخبير في الاقتصاد في ختام تصريحه قائلاً: “في سياق تنزيل المشاريع الملكية الطموحة الهادفة إلى بناء مغربٍ يستفيد فيه جميع المواطنين من ثمار التنمية، وترسيخ عدالة مجالية حقيقية، يتعين على المدبّر الحكومي، أي الفاعل السياسي، أن يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة والمصالح الانتخابية الآنية”، موردا أن “تنفيذ المشاريع الممولة من الصندوق يجب أن يتم في إطار احترام تام لأحكام الدستور وقواعد التدبير المالي العمومي الرشيد، مع ضرورة إرساء آليات رقابة فعّالة تضمن الشفافية والنزاهة، وتكفل عدم تحوّل الصندوق إلى أداة للدعاية الانتخابية أو الاستغلال السياسي الذي من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية ومسار التنمية المتوازنة”.

فادي وكيلي عسراوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، قال إن “المعطيات والتقارير الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، التي أبرزت تمركز التنمية في محور طنجة الدار البيضاء بنسبة تقارب 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام الوطني، تؤكد أن المغرب مازال يفتقر إلى عدالة مجالية حقيقية وتنمية متوازنة بين مختلف جهاته”.

أضاف المتحدث لهسبريس أن “هذا الاختلال يعزى إلى ضعف استثمار مقومات الاقتصاد الوطني، رغم أن الرأسمال البشري وتنوع الفرص المجالية يعدان من الركائز الأساسية للنمو، وهو ما عبّر عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش حين أشار إلى أن ‘المغرب يسير بسرعتين’، في إشارة إلى الفجوة التنموية بين المناطق”.

وأورد عسراوي أنه في هذا السياق تم إدراج “صندوق التنمية الترابية المندمجة” ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026، مع تخصيص غلاف مالي يناهز 20 مليار درهم، بهدف الاستثمار في الجهات الأقل حظاً، وتعبئة الرأسمال البشري كقوة إنتاجية تساهم في التنمية بدل أن تبقى مجرد فئة مستهلكة أو عبئاً على الاقتصاد الوطني.

أما بخصوص سلطة الأمر بالصرف الخاصة بهذا الصندوق فشدد وكيلي على أنه “تم الحسم في إسناد تدبيره إلى وزارة الداخلية، وذلك تفاديا لأي جدل محتمل أو تضارب في الاختصاصات بين مختلف الفاعلين العموميين”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا