ركّز النقاش العمومي حول علاقة الشباب بالسياسة بالمغرب، خلال الأسابيع الأخيرة، على المؤسسة البرلمانية بشكل كبير، إلى درجة أنه أغفل معطًى رئيسيًا يتعلق بحضور هذه الفئة على مستوى الجماعات الترابية، التي يتجاوز عددها 1500 جماعةً.
يأتي ذلك في ظل واقع تعيش على وقعه عدد من مجالس الجماعات الواقعة تحت سلطة عدد من “المعمّرين” الذين يتولّون تدبيرها شؤونها لولايات متتالية، يمكن أن تمتد في بعض الأحيان إلى حوالي ثلاثة عقود.
وفي انتظار الانتخابات المقبلة، يطرح تشبيب هذه المجالس، بلا إفراط وباستحضار الكفاءة، تساؤلات مركزية حول الهوامش المتوفرة في هذا الجانب، وذلك عند استحضار الأهمية التي تحظى بها “القاعدة” في بناء النماذج الديمقراطية عبر العالم، وفي تقوية الديمقراطية المحلية.
ولا تجد قراءات متطابقة أي حرج في الإشارة إلى أن “تشبيب النخب السياسية المغربية يجب أن ينطلق من القاعدة (الجماعات)، بما يمكّن الفئات الشابة من خوض تجربة في التسيير المحلي، تؤهلها فيما بعد للمساهمة في إدارة الشأن العام الوطني”.
حفيظ الزهري، الباحث في الدراسات السياسية والدستورية، قال إن “دينامية التشبيب يجب، مبدئيًا، أن تنطلق من القاعدة تجاه المؤسسات العليا والمركزية بالبلاد، وعبر بوابة الأحزاب المدعوة إلى لعب دورها في الاستقطاب”.
وأكد الزهري، في تصريح لهسبريس، أن “الكفاءات الشابة، من ذكور وإناث، يجب أن تجد لنفسها موطئ قدم في السياسة المحلية، من خلال التنافس على قيادة الشأن العام المحلي”.
وسجل الباحث في الدراسات السياسية والدستورية أن “النقاش حول التشبيب يجب ألا ينصب فقط على المؤسسة التشريعية؛ بل يجب أن يتناول مختلف المؤسسات الوطنية، المركزية منها والمحلية، بما مثل الجماعات”.
وبيّن الزهري أن “الهدف هو إيجاد الوسائل الناجعة التي تضمن للفئات الشابة الولوج إلى المؤسسات المنتخبة من بوابة الانتخابات، ومن ثمَّ المشاركة في صناعة القرار المحلي، في ظل ما هو متعارف عليه في الوقت الراهن”.
أما عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فأكد رفضه المبدئي لـ”التشبيب العنيف أو القسري أو المفروض بالقوة، ولو كان الأمر عبر كوطا”، موضحًا أن “هذا المنطق يصوّر الفئة غير الشابة على أنها منتهية الصلاحية أو ما شابه ذلك”.
وفي المقابل، أكد العلام لهسبريس أن “المطلوب نظريًا هو دعم ترشيح هؤلاء الشباب في الانتخابات، وإزالة أي عوائق يمكن أن تواجههم، مع استحضار عنصر الكفاءة المطلوب”.
واتفق الأكاديمي ذاته مع الفكرة القائلة بـ”تشجيع الشباب على الانخراط في الانتخابات الجماعية، والدخول إلى مربع القرار المحلي، على اعتبار أن الديمقراطية تُبنى من الأسفل، وأن أفضل الديمقراطيات هي تلك التي تنطلق من القاعدة، بما فيها الأمريكية والسويسرية”.
وزاد العلام شارحًا: “الدفع بالشباب مباشرة إلى المؤسسة البرلمانية دون تجربةٍ كافية لا يستقيم، لأن افتقادهم للتجربة المحلية سيكون عاملًا مؤثرًا في مسارهم”، مبرزًا أن “التشبيب يجب أن يبدأ من الجماعات ويتجه صوب ما هو وطني ومركزي”.
المصدر:
هسبريس