مع اقتراب التصويت على مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، وقبيل أيام قليلة من تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، جمع رحاب “مؤسسة علال الفاسي” بالرباط، مساء أمس الثلاثاء، ثلة من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين لتفكيك موضوع: “الحكم الذاتي آلية لتقرير المصير”.
أشغال هذه الندوة التي نظمتها مؤسسة علال الفاسي بشراكة مع لجنة الوحدة الترابية لحزب الاستقلال، سيَّرَ أطوارها حسن عبد الخالق، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال السفير السابق للمملكة المغربية بالجزائر، مبرزا أن الموضوع يكتسب “راهنية وعمقا” في سياق الدفاع عن وحدتنا الترابية وإبراز وجاهة مبادرة الحكم الذاتي كحل ديمقراطي، واقعي ونهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
الموساوي العجلاوي، الأستاذ الجامعي المتخصص في الشؤون الإفريقية وقضايا الصحراء والساحل، غاص تاريخيا في جذور القضية، متحدثا عن “وحدة التراب المغربي منذ استقلال المغرب سنة 1956 ودورها في أجندة الأمم المتحدة”.
وقال: “الآن، ما يهمّنا سياسيّا، مهما كان مضمون القرار الذي سيصادق عليه مجلس الأمن، هو أن النقاش الدولي كلّه يتمحور اليوم حول المبادرة المغربية، وهذا في حدّ ذاته مكسب إيجابي، بغضّ النظر عن الصيغة التي سيعبّر بها القرار الأممي المقبل-سواء كانت الصيغة التي اقترحتها الولايات المتحدة منذ البداية، باعتبار مبادرة الحكم الذاتي الحلّ الوحيد، أو بوصفها الأساس الذي يُبنى عليه الحل السياسي-فإن المغرب قد قطع شوطا كبيرا على درب الانتصار لقضيته الوطنية”.
أمام حضور غفير، تابع العجلاوي شارحا أن وثائق الأمم المتحدة لا تصف المغرب بـ”المحتل”، وتقر بأن له حق اتخاذ إجراءات ضد من يمسّ أمنه ووحدته الترابية، معتبرا أنه “مهْما كانت صيغة قرار مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2025، فإن الأهم أن النقاش الدولي يرتكز الآن على مبادرة الحكم الذاتي وضرورة إشراك الجزائر كطرف رئيسي أساسي، مع أفق حل عبر اتفاق سلام مغربي-جزائري، وفق ما أشار إليه كل من مسعد بولس وستيف ويتكوف مؤخرا في تصريحات علنية”.
الأكاديمي المغربي المتخصص في قضية الصحراء عاد إلى كرونولوجيا تاريخية دالة، قائلا: “يكشفَ أرشيف الأمم المتحدة عن عضوية المغرب في ‘لجنة الست’ التي أنشأتها الجمعية العامة سنة 1959، ومساهمته في بلورة مشروعي قراريْن بشأن تصفية الاستعمار والحكم الذاتي. وفي 1960، وبعد مراسلات الأمين العام للملك محمد الخامس، شُكّلت لجنة مغربية برئاسة المهدي بن عبود للمشاركة في أعمال اللجنة، مع دعوة للاحتفاء برواد الدبلوماسية المغربية؛ حيث قدّم المغرب عبر بعثته الدائمة معايير لتصنيف الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أبرزها: الانفصال الجغرافي والتميّز الإثني/الثقافي (مبدأ 4)، إضافة إلى مبادئ أخرى ضمن قرار 1591”.
وأشار المتدخل إلى أن “المغرب عرَض منذ 1960 ثلاثة مسارات لتصفية الاستعمار: الاستقلال، الاندماج، أو الحكم الذاتي المضمون دستوريا؛ رابطا بذلك اندماج الصحراء بشرعية البيعة التاريخية”، مؤكدا أن “المغرب لم يتنازل عن مطالبه الترابية، وكان أول من طلب النظر في الأقاليم الخاضعة للاستعمار الإسباني سنة 1963، خلافا لرواية البوليساريو”.
وفي تقدير العجلاوي، “تطوّر الموقف الدولي لاحقا لصالح مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها منسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة (…) قبل كل ذلك، قصة وقضية الصحراء هي حق يعلو ولا يُعلى عليه”.
أكد تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، راهنية توقيت هذه الندوة “قُبيل تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار تقوده الولايات المتحدة بشأن قضية الصحراء وفي سياق الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء”.
وقال الحسيني مفككا مفهوم “الحكم الذاتي” إنه “صيغة قانونية لمبدأ مشاركة الشعوب في حكم نفسها، يقوم على ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفق أدبيات الأمم المتحدة”، موردا أن المبادرة المغربية في 2007 “صِيغَتْ بتشاور دولي وتهدف لحكم جهوي ديمقراطي، يُرى كسابقٍ لمسار جهوية متقدمة قد يفضي لنظام فيدرالي مستقبلا”.
أما “الاستراتيجية الدبلوماسية فتجعل الحكم الذاتي الورقة الأساسية للمفاوضات”، يضيف الموساوي، مستحضرا “ثِقْلَ اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية سنة 2020، ودعما فرنسيا واضحا، وتنامي تأييد دولي وافتتاح قنصليات بالأقاليم الجنوبية”.
وقال أستاذ العلاقات الدولية ضمن مداخلة مطولة: “بمجلس الأمن، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تدفع باتجاه القرار. الصين وروسيا لم تستعملا الفيتو سابقا في الملف ومن غير المتوقع أن تفعَلَا مستقبلا أو حاضرا مع تقاطعات لمصالحهما في قضايا الوحدة الترابية”، مستدلا بـ”تعزيز روابط المغرب مع الصين وروسيا (اتفاقية شراكة استراتيجية 2016 والتعاون الاقتصادي)، ما يدعم الموقف المغربي دوليا”.
وأثار المتحدث ما وصفها “تحديات التنفيذ” بالنسبة للحكم الذاتي في حال إقراره كأرضية حل سياسي، قائلا إنها “أسئلة تتمحور حول الجهة المشرفة (أممية أم وطنية)، تشكيل المجلس الانتقالي، تنظيم عودة اللاجئين، فرز المستفيدين، نزع السلاح، والإيواء والخدمات الأساسية…”، فضلا عن “إشكاليات ومخاطر أمنية”.
وختم حديثه عن “مسار التفاوض والمخاطر”، مؤكدا “صعوبة التفاوض مع البوليساريو تحت إشراف دولي، رفض أي تقاسم للسيادة، حساسية خيار الاستفتاء وإمكان انزلاقه لتقرير المصير، والحاجة لتعبئة وطنية شاملة وبُعد مغاربي استراتيجي بحكم أن قضية الصحراء المغربية أساسُ اتحاد مغاربي قوي ومستقر”.
لحسن حداد، أستاذ جامعي برلماني عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال، ركّز على أن “ملف الصحراء المغربية لم يعد مجرد مسألة جغرافية، بل أصبح مختبرا سياسيا وقانونيا يعكس تطور القانون الدولي إلى منطق الاستقلال الداخلي من أجل الاستقرار والتنمية”.
بحسب حداد، “تحولت قضية الصحراء المغربية من مجرد مسألة جغرافية إلى مختبر سياسي وقانوني يعيد تعريف مفهوم السيادة ومفهوم تقرير المصير بمنطق جديد يقوم على الوحدة في التنوع”. وزاد شارحا: “شكلت مبادرة الحكم الذاتي لعام 2007 لحظة مفصلية في مسار هذا النزاع المفتعل؛ إذ وضعت تصورا عمليا ومتقدّما لحل سياسي يقوم على المشاركة الديمقراطية في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية”.
وشدد على أن “الإطارين التاريخي والقانوني يؤكدان الارتباط العضوي للإقليم بالمملكة من خلال روابط البيعة التي شدّت القبائل الصحراوية إلى العرش، ما أكّدته محكمة العدل الدولية سنة 1975 حين أقرت بوجود روابط قانونية وسياسية بين الطرفين. وقد كانت المسيرة الخضراء ترجمة سلمية لهذا الارتباط، فيما شكّل انتقال الأمم المتحدة من خيار الاستفتاء إلى خيار التفاوض اعترافا بواقعية المقاربة المغربية”.
وأجمل المتحدث بأن “المبادرة المغربية تبسُط نموذجا متكاملا للحكم الذاتي، يقوم على برلمان إقليمي وحكومة محلية منتخبة بصلاحيات تشريعية وتنفيذية ومالية واسعة، مع ضمانات قضائية وتمثيل وطني. وقد اعتبر مجلس الأمن هذا المقترح جديا وذا مصداقية، لما يوفره من توازن بين مبدأ السيادة ومقتضيات تقرير المصير”.
أما على المستوى الجيو-سياسي، فرصد الخبير ذاته أن “استمرار النزاع يفاقم هشاشة منطقة الساحل، ويغذي الإرهاب والتهريب والهجرة غير النظامية، بينما يقدّم الحكم الذاتي رؤية إدماجية تربط الأمن بالتنمية، من خلال مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطاقة المتجددة، والمناطق الصناعية”.
من جهة أخرى، فصّل لحسن حداد في كون “الطرح المغربي مستندا إلى شرعية قانونية ودبلوماسية متينة؛ فميثاق الأمم المتحدة يحمي وحدة الدول، وقرارات مجلس الأمن منذ 2007 تدعو إلى حل واقعي وعملي ودائم ومتوافق عليه، من دون أي إشارة إلى خيار الاستفتاء. وقد انخرطت دول وازنة كالولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة في تأييد متزايد للمبادرة المغربية”.
وختَم مؤكدا: “اليوم تبلوَر إجماع دولي براغماتي يعتبر الحكم الذاتي الخيار الواقعي الوحيد القابل للتطبيق والمستدام على المدى الطويل. وهو ليس فقط حلا سياسيا، بل أيضا تحرير إنساني ينهي معاناة المحتجزين في مخيمات تندوف ويمنحهم حق المشاركة في مؤسسات ديمقراطية وطنية تضمن كرامتهم وحمايتهم القانونية”.
المصدر:
هسبريس