شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، تقدم بها الباحث عز الدين سر، تحت إشراف الدكتور محمد الزهراوي، بعنوان: المغرب و”السيادة الطاقية”: أبعاد وتأثير التحول الطاقي على التموقع الإقليمي والاستقرار الداخلي – دراسة جيوسياسية.
وتألفت اللجنة العلمية المشرفة على المناقشة من: الدكتورة لطيفة القاضي رئيسة، والدكتور عبد الرحيم منار السليمي مقررا وعضوا، والدكتور سعيد خمري مقررا وعضوا، والدكتور عبد العزيز قراقي عضوا، والدكتور عبد الرزاق بياز مقررا وعضوا، والدكتور عبد الرحيم أضاوي عضوا.
وسعت هذه الأطروحة، من خلال مقاربة جيوسياسية تحليلية، إلى دراسة التحول الطاقي بالمغرب واستجلاء أبعاده الداخلية والخارجية، في ظل الظرفية العالمية التي تشهدها مصادر الطاقة والأزمات التي ولدتها الحرب الروسية-الأوكرانية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في ما يخص التزود بالطاقة على المستوى العالمي، والصراع الإقليمي مع الجزائر، انطلاقا من فرضية مفادها أن التحول الطاقي بالمغرب يشكل خيارًا إستراتيجيًا مزدوج الأبعاد: داخليًا عبر تقوية “السيادة الطاقية” وتحقيق الاستقرار على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وخارجيًا عبر تعزيز النفوذ الجيوسياسي للمملكة في فضاءاتها الإقليمية والدولية.
كما أبرزت الأطروحة أن المغرب، رغم محدودية موارده الهيدروكربونية، يسعى إلى بلورة نموذج إستراتيجي للتحول الطاقي يقوم على تنويع مصادر الطاقة، بتوسيع الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتطوير مشاريع الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر، والمعادن الحرجة التي تدخل في صناعة التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الربط الإقليمي، مع استغلال موقعه الجغرافي والجيو-استراتيجي وكذلك الذكاء الاصطناعي، وهي محددات من شأنها أن تمكِّنه من التموقع كفاعل مؤثر على خارطة الدول الطامحة إلى قيادة التحول الطاقي في الجنوب العالمي.
وأشار الباحث ذاته إلى أن هذا التموقع يجب ألا يقتصر فقط على أن يبقى المغرب مجرد ممر طاقي يربط الدول المنتجة بالدول المستهلكة، أو أن يتحول إلى مصدر للطاقة الخضراء دون أن ينعكس ذلك على المستوى الداخلي، بل يجب الانتقال إلى وضع الفاعل المنتج والمتحكم في الأسواق، من خلال تكامل جهوي وإقليمي مبني على مبدأ رابح رابح، مع إعطاء الأولوية للشأن الداخلي بالرفع من مستوى الإشباع الطاقي للبلد، وإشراك المجتمعات المحلية في المشاريع الطاقية، لضمان العدالة الاجتماعية، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2025؛ فالعالم دخل في صراع آخر نحو “تحول الطاقة” الذي أشعل صراعا من نوع آخر للوصول إلى التمويل والتكنولوجيا والسيطرة على المعادن الحرجة، وهو ما سيخلق تحولات جيوسياسية كبيرة على المستوى الدولي والإقليمي، وسيؤدي إلى تموقع جيوسياسي جديد.
كما تمت الإشارة في هذه الأطروحة إلى أهم سيناريوهات التحول الطاقي، انطلاقا من المعطيات التي تم التوصل إليها، باعتباره موضوعا متحولا ومرتبطا بالمتغيرات الدولية والإقليمية، مع دراسة بعض النماذج الدولية التي استطاعت تحقيق “السيادة الطاقية” أو تلك التي اقتربت من تحقيقها.
وأشادت اللجنة العلمية بموضوع الأطروحة، الذي يعد من أهم الرهانات التي يسعى المغرب إلى تحقيقها، معتبرة هذا البحث إضافة نوعية ليس فقط للمكتبة الأكاديمية المغربية في حقل الجيوبوليتيك والعلاقات الدولية، بل للمؤسسات الطاقية والسياسية؛ كما أثنت على المجهود البحثي والتحليلي العميق الذي بذله الباحث في توظيف المقاربة الجيوسياسية لفهم كيف يمكن للتحول الطاقي أن يسهم في التموقع الجيوسياسي للمغرب على المستوى الإقليمي والاستقرار الداخلي، وأن يشكل خارطة طريق نحو تحقيق “السيادة الطاقية” في ظل الأوضاع الجيوسياسية التي أفرزها الواقع الجديد.
وفي ختام هذه المناقشة قررت اللجنة منح الباحث شهادة الدكتوراه بميزة “مشرف جدا”، مع التوصية بالنشر، تقديرا للمستوى العلمي المتميز الذي اتسمت به الأطروحة من حيث دقة التحليل وغنى المعطيات والمراجع الأكاديمية.
المصدر:
هسبريس