إقرار صريح بانتشار أساليب التضليل الإعلامي في المشهد المغربي، واستمرار حملات ممنهجة تستهدف تشويه الحقائق حول نزاع الصحراء المغربية المفتعل، والتنبيه إلى ممارسات تسيء إلى المهنة تستوجب إصلاحا شاملا يعيد الاعتبار لأخلاقيات العمل الصحافي ويحصّن الممارسة من الدعاية المغرضة، مع الدعوة إلى بلورة استراتيجية عربية مشتركة للتصدي للتضليل الرقمي والإعلامي، جرى التعبير عن ذلك من طرف مسؤولين عن هيئات مهنية وتنظيمية خلال ندوة السيادة الإعلامية، المنظمة الاثنين بمدينة العيون، في إطار اللقاء العربي الأول من نوعه حول موضوع “السيادة الإعلامية: دفاعا عن العقل والوعي في مواجهة التضليل”.
يونس مجاهد، رئيس اللجنة الوطنية لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، شدد في كلمته بالمناسبة على أن المنطقة كانت ولا تزال ميدانا مكشوفا لأساليب التضليل الإعلامي، التي ينبغي أن تُدرَس كنموذج لأقسى وأخطر ما حدث من تزوير وتشويه للحق المغربي، مضيفا أن “الدعاية الغربية، وخاصة الإسبانية، لعبت دورا رئيسيا في هذا المسعى، بدافع إضعاف المغرب ومنعه من استكمال وحدته الترابية وتحرير مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية التي مازالت تحت الاحتلال الإسباني”.
وأشار المسؤول المهني إلى أن “من بين ما تروجه أجهزة الدعاية الجزائرية والإسبانية، مزاعم بوجود مواجهات يومية في الصحراء المغربية، وتصوير الأقاليم الجنوبية كمناطق تعيش تحت طوق أمني”، موضحا أن “كل زائر لهذه المدن يكتشف زيف هذه الادعاءات؛ إذ يعيش المواطنون حياة طبيعية، ويمارسون حقوقهم الدستورية كاملة، في إطار تعددية حزبية ونقابية ومدنية واسعة”.
وأبرز مجاهد في هذا السياق أن الصحافيين الأجانب مدعوون لزيارة الأقاليم الجنوبية للمملكة بحرية، ومقارنة ذلك بعدم قدرة أي صحافي على دخول مخيمات تندوف دون تأطير من المخابرات الجزائرية أو ميليشيات البوليساريو، أو التحدث إلى الناس هناك بعيدا عن الرقابة، وهو ما يكشف بحسبه “حجم التعتيم الممارس في تلك المناطق”.
ولفت رئيس اللجنة الوطنية لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر الانتباه إلى أن “مخططات التجزئة والتقسيم لا تزال مستمرة في المشرق والمغرب العربيين، رغم روابط التاريخ المشترك والنضال ضد الاستعمار”، مشيرا إلى أن “التضليل الإعلامي أصبح أداة من أدوات الهيمنة الفكرية والسياسية على الرأي العام العربي والدولي”.
وشدد يونس مجاهد في ختام كلمته على أن “من واجب الصحافيين العرب أن يجعلوا من مواجهة التضليل وكشف الحقائق هدفا مركزيا في عملهم المهني”، داعيا إلى أن “يتبنى الاتحاد العام للصحافيين العرب هذه الأهداف ضمن برامجه المستقبلية، ليظل صوت الضمير الحي للإعلام العربي الحر والمسؤول”.
من جانبه، قال مؤيد اللامي، رئيس الاتحاد العام للصحافيين العرب، إن المرحلة الراهنة تفرض على الإعلام العربي وقفة تأمل ومسؤولية لمراجعة أدواره في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، مؤكدا أن “معركة الوعي أصبحت اليوم أخطر من أي وقت مضى، في ظل ما يواجهه العالم العربي من حملات تضليل وتشويه ممنهجة تسعى إلى اختراق العقل الجمعي العربي وإرباك وعي الأجيال الصاعدة”.
وأوضح اللامي أن الإعلام العربي مطالب اليوم ببناء سيادة إعلامية حقيقية تقوم على المصداقية والاستقلالية، وترتكز على المهنية كقيمة أساسية في الممارسة الصحافية، مبرزا أن “الدفاع عن السيادة الإعلامية لا يعني الانغلاق، بل الوعي بحدود التأثير الخارجي والقدرة على إنتاج خطاب عربي متزن يحافظ على الثوابت، وينفتح في الوقت نفسه على القيم الكونية للحرية والتعدد”.
وأورد رئيس الاتحاد العام للصحافيين العرب أن العالم يعيش ثورة رقمية متقدمة، جعلت المعلومة تتحول إلى قوة موجهة للرأي العام، مضيفا أن “كل إنسان اليوم يتأثر بما يُنشر على المنصات الرقمية، وهو ما يجعل مسؤولية الصحافي مضاعفة في التدقيق والتحري وتقديم الحقيقة بعيدا عن الإثارة أو التوجيه المسبق”.
وشدد اللامي على أن أي تباطؤ في تطوير الإعلام العربي وتحصينه مهنيا وتقنيا سيجعل المنطقة عرضة للاختراق الفكري والإعلامي، معتبرا أن من لا يواكب هذا التطور “سيغرق في دوامة من التأثيرات الخارجية والرسائل الموجّهة”، داعيا إلى الاستثمار في التكوين الإعلامي، وتوحيد الجهود العربية لمواجهة حملات التضليل والاختراق التي تستهدف القيم والوعي الجمعي العربي.
وسجل المسؤول العربي في نهاية كلمته أن الجسم الإعلامي المغربي يتحمّل مسؤوليات جسيمة في حماية الوطن والدفاع عن ثوابته الراسخة، وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية وصون صورة البلاد ومؤسساتها، مؤكدا أن “مدينة العيون أضحت اليوم عنوانا للتنمية المتواصلة ومركزا للإشعاع الدبلوماسي والإعلامي بالأقاليم الجنوبية، الشيء الذي يعكس المكانة التي باتت تحظى بها في مسار ترسيخ الحضور المغربي قاريا ودوليا”.