آخر الأخبار

مستجدات أثرية وعلمية تقلب فهم موقع المرأة بمغرب ما قبل التاريخ

شارك

تغذّي مستجدات علمية فهم حقبة ما قبل التاريخ بالمغرب ودور المرأة فيها، وتسهم في إعادة فهم العالم الغابر، عبر اللقى الأثرية وما تفصح عنه الفحوص العلمية لها.

وبعد انتهاء الحفريات الأثرية بمغارة الحمام بتافوغالت، وبناء على نتائج دراسة أجنبية حول فترة ما قبل التاريخ بسوريا نشرتها مجلتها “نايتشر” العلمية المكرّسة، يقول لهسبريس عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار إن مستجدات التحليل الجيني للنتائج الأثرية بسوريا “تظهر فعلا دور النساء في ما قبل التاريخ، بطرق أخرى”.

وأضاف مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث: “أثارني مقالٌ نشر حول سوريا حلّل 71 هيكلا عظميا لنساء تبين جينيا أنهن قد عرفن تحركات بين المجموعات، مما ساهم في نشر ابتكارات؛ وهذه قراءة جديدة لدور المرأة، عبر عدد معتبر إحصائيا من الهياكل العظمية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، مما يعني فعلا أن دورا للنساء يظهر بطرق أخرى في المختبر، من بينها التحليل الجيني”.

ثم استرسل عالم الآثار قائلا: “يدفعنا هذا إلى قراءة أخرى لنتائج حفريات مغارة الحمام بتافوغالت، التي كانت في فترة من الفترات، تتراوح على الأقل بين 15 ألف سنة إلى حدود 11 ألف سنة، مقبرة؛ لأن جزءا كبيرا منها خصص للدفن، ولهذا يوجد عدد كبير من الهياكل العظمية من مختلف الأعمار والأنواع، وهو ما يجعل هذا الموقع من أقدم مدافن العصور الحجرية القديمة في إفريقيا بأكثر من مائتي هيكل عظمي، وزدنا عشرين هيكلا آخر، مما يعطينا أريحية في القيام بعمليات إحصائية ودراسات بهامش خطأ ضعيف جدا”.

هذه الحفريات أظهرت معطيين، حسَب عالم الآثار، أولهما أنه “في الحفريات القديمة ظهر هيكل عظمي، نعرف انطلاقا من حوضه أنه يعود لامرأة، تبين بعد التحليل أنها قد بلغت عمرا بين العشرين والثلاثين سنة، لكن مع مشاكل في الحركة، جعلتها مقعدة تقريبا، علما أنها دفنت في المستويات التي تعود إلى 15 ألف سنة”، وهنا يبرز المهم الذي يغيّر أحد فهوم تاريخ ما قبل التاريخ: “حتى تصل بهذا الوضع الخاص إلى هذا السن المتقدم في ما قبل التاريخ، يظهر أنها كانت مساعدَة من المجموعة البشرية آنذاك، وهو ما يكشف إلى جانب البعد التضامني والرعاية البشرية، التعاون ومركزية المرأة في تلك المجتمعات؛ لأنهم لم يتخلوا عنها”.

وتابع: “أن تكون المرأة مقعدة تقريبا ويُعتنى بها لتصل سنا متقدما، رعاية يومية ودائمة تتطلبها حالتها، يعني أن هؤلاء الناس قد مارسوا الاستقرار، وهو ما يعارض تفسيرات أن الاستقرار قد جاء مع العصر الحجري الحديث، وهو ما يجعل المجموعات البشرية في مغارة الحمام بتافوغالت من أقدم مجموعات العالم التي مارست الاستقرار”.

ثاني المعطيين اللَّذين تكشفهما الحفريات، يظهر مع هيكل وجدته الحفريات الجديدة للمغارة، وهو “هيكل خضع للدفن بعناية، وعمره صغير يتراوح بين 16 و17 عاما، لكن طريقة دفنه مختلفة تماما عن باقي الهياكل، حيث وضعت قرون حيوان من البقريات على جانبيه، بشكل لا يجعل دفنه ممدا بل في وضعية جلوس، والحصول على مثل هذه العناية، يعني أن مركزه كان مهما في المجموعة، وبعد الفحص تبين أنها امرأة دفنت بعناية واهتمام، مما يعني أن مركزها كان مهما داخل مجموعتها”.

وعاد بوزوكار إلى مثال من سبعينات القرن العشرين، حيث وجد فريق أثري جمجمة في منطقة سلا، “للأسف جهتها الأمامية مندثرة، لكن ثبت أنها تعود لامرأة بلغت سنا متقدما، وفي أسفل الجمجمة أثر مشكل في العمود الفقري جعلها بالتأكيد غير قادرة على الحركة، لكنها قد بلغت سنا متقدما، يعني أن هناك من اعتنى بها، وفي تقديرات عمر الجمجمة 200 ألف سنة على الأقل، مما يعني أن الأمر قديم”.

هذه الاكتشافات الأثرية بالمغرب في فترات تاريخية متعددة، وقراءتها في ضوء المستجدات العلمية، تدل، وفق عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار، على “مركزية المرأة في المجتمعات القديمة، بخلاف ما يمكن أن يكون شائعا حول المجموعات القديمة بأنه لم يكن لها اهتمام بهذا الجانب. فعلى العكس، كان هناك توزيع للأدوار داخل المجموعة، وكان للمرأة دور كبير جدا داخل المجموعات البشرية، ولا أدل على ذلك مما وجدناه في مغارة تافوغالت: استقرار بشري قبل 8000 سنة بكثير يعود على الأقل إلى ما قبل العصر الحجري الحديث الذي عرف الاستقرار وتدجين الحيوانات، وعناية يومية بالمرأة، حتى ولو كانت مقعدة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا