بمشاركة أزيد 6800 عارض من أكثر من 180 دولة، ونقاشات حول تنويع الاقتصاد الرقمي وتعزيز السيادة الوطنية للدول في ظل السباق العالمي للذكاء الاصطناعي، استضاف مركز دبي التجاري العالمي، اليوم الإثنين، فعاليات افتتاح “جيتكس غلوبال 2025″، أكبر حدث تكنولوجي في العالم، بمشاركة غير مسبوقة تتجاوز 6800 شركة عارضة و2000 شركة ناشئة من أكثر من 180 دولة، إلى جانب 1200 مستثمر عالمي يديرون أصولاً تفوق 1.1 تريليون دولار، مع 400 جهة حكومية و40 شركة “يونيكورن” من رواد الابتكار العالمي.
واستضافت المنصة الرئيسية (Main Stage) خلال أول أيام المعرض، في دورته الـ45، نقاشات قمة عالمية جديدة “Power Summit”، وهي قمة جديدة تبحث مستقبل الطاقة الذكية والتحول المستدام؛ استهلت بجلسة حوارية حول “السباق إلى ما وراء الابتكار: الذكاء الاصطناعي والجغرافيا السياسية وإعادة ضبط الاقتصاد العالمي”، استضافت عبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن أبرز ما يميز دورة هذه السنة المستمرة فعالياتها إلى 17 أكتوبر الجاري برنامجٌ هو الأوسع في تاريخ المعرض للذكاء الاصطناعي، حيث تلتئم قمم عالمية رفيعة المستوى تبحث في الجغرافيا السياسية للذكاء الاصطناعي وتأثيراته في توازن القوى الدولي، وسبل توجيه الاستثمارات نحو البنى التحتية الذكية، إضافة إلى ملفات الحوسبة الكمّية والأمن السيبراني وحكامة الذكاء الاصطناعي لضمان الاستخدام المسؤول للتقنيات الناشئة.
وزير الاقتصاد الإماراتي، متحدثا خلال الجلسة الحوارية الافتتاحية، قال إن “الذكاء الاصطناعي اليوم أصبح قضية سيادة وطنية، تمامًا مثل ميزانيات الدفاع أو الأمن السيبراني؛ لذلك فالمسألة ليست سباقاً بين الدول بقدر ما هي سباق داخلي”، مردفا بالتساؤل عن بعض الرهانات الحاسمة: “كيف نُجهز بنيتنا التحتية؟ كيف نطوّر مواهبنا؟ كيف نُنسق إستراتيجياتنا ونمكّن الشركات الصغيرة والمتوسطة؟”، وتابع: “هذا هو المعنى الحقيقي للسباق، لأن السيادة في العصر الحديث تعني أيضًا امتلاك القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي”.
واعتبر المري أن “الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يمثل إنفاقا سياديًا يوازي في أهميته قضايا الدفاع والأمن، لأنه يحدد قدرة الدولة على الاستقلال والريادة في الاقتصاد الجديد”، ضاربا مثالا بتطور نسبة إسهام الاقتصاد غير النفطي والاقتصاد الرقمي في الناتج الخام لبلاده، وقال: “الاقتصاد الإماراتي وصل إلى 77.3% غير نفطي، مقابل 69% قبل خمس سنوات، مع هدف واضح هو الوصول إلى 80% خلال السنوات الخمس المقبلة”.
وشدد الوزير في حديثه على أهمية “الانفتاح الدولي وبناء الجسور”، مبرزا أن الإمارات باحتضانها قمما عالمية في التكنولوجيا والمناخ تعزز دورها الجيو اقتصادي لتكون حلقة وصل بين الشرق والغرب، و”مختبرا عالميًا للتكنولوجيا المستقبلية”، بتعبيره، وختم بدعوة المستثمرين إلى “اعتبار الإمارات منصة اختبار وتجريب عالمية للتقنيات الجديدة؛ بفضل بيئتها التشريعية والتنظيمية المرنة”.
كما سلطت الأضواء خلال الجلسة نفسها على “الإمكانيات التحويلية للتقنيات الحديثة”، وأهمية تبني قيادات ذكية ومركزة على الحلول لمواجهة التحديات المستقبلية؛ فيما خلص المتحدثون إلى أن “الـAI يمكن أن يعزز الكفاءة ويتيح حلولاً مبتكرة للمشكلات”، مشددين على “ضرورة تطوير مهارات جديدة لدى العاملين لمواكبة التحولات القادمة”.
في سياق متصل استكشف الحاضرون كيف يمكن للبحوث أن تتحول إلى “قوة اقتصادية” من خلال بناء تقنيات الذكاء الاصطناعي العميقة القادرة على “إعادة تعريف الأسواق وسلاسل الاقتصاد”، خلال جلسة نقاشية معنونة بـ (From research to power: Building deeptech and AI that redefine markets and nations)، شاركت فيها إيكاترينا زاهاريفا، المفوّضة الأوروبية لشؤون الشركات الناشئة والبحث والابتكار.
مؤكدة انفتاح دول التكتل الاقتصادي الأوروبي على “شراكات واعدة”، ضربت المسؤولة الأوروبية مثال “التعاون الوثيق بين الخبرات الأوروبية والإماراتية بوصفه فرصة لتعزيز البحث العلمي، وجذب المواهب، وتسريع تطبيق التكنولوجيا الحديثة في قطاعات متنوعة”.
ووفق إيكاترينا زاهاريفا فأوروبا “تضم نحو ربع الباحثين في العالم، مع مشاريع كبرى مثل إنشاء أكبر مركز بيانات في القارة(..)”،موضحة “جهود الاتحاد الأوروبي في تبسيط القوانين ودعم الشركات الناشئة من خلال ‘قانون الابتكار الأوروبي’ وإستراتيجية ‘Scale-Up’، بهدف تسهيل الوصول إلى المواهب والتمويل والبنية التحتية والأسواق؛ مع التأكيد على “أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية ودور الحكومات والهيئات التنظيمية في ضمان سلاسة تحويل البحث العلمي إلى تطبيقات عمليّة”.
من جانبها استعرضت الدكتورة نجوى عراج، الرئيسة التنفيذية لمعهد الابتكار التكنولوجي (TII) بالإمارات، جهود الأخيرة في “البحث التطبيقي والتجاري للتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك شراكات إستراتيجية مع شركات مثل Nvidia في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات”، وأشارت إلى “الدور المحوري للمعهد في تسريع نقل التكنولوجيا من المختبرات إلى السوق، فضلاً عن مشاريع الطائرات ذاتية القيادة ومسارات توصيل الطائرات بدون طيار، بوصفها تجسد سرعة تبني التقنيات المتقدمة”.
كما أبرزت عراج “إستراتيجيات جذب أفضل المواهب إلى الدولة عبر نشر التكنولوجيا المتقدمة وخلق بيئة حياة عالية الجودة، مدعومة بنموذج الابتكار الدائري الذي يسمح بتنفيذ الاستثمارات التكنولوجية بسرعة، وتشكيل موجة الابتكار القادمة”.
ولم تخلُ الجلسة ذاتها من مناقشة “تحديات بناء نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة وإطلاق الابتكارات في بيئات وطنية متعددة”، مؤكدين على “أهمية وجود إطار تنظيمي موحد يوازن بين الابتكار والحماية القانونية”.
جدير بالذكر أن النقاشات رفيعة المستوى لليوم الأول شارك فيها كل من عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد في دولة الإمارات، وإيفان سولومون، وزير الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي في كندا – أول وزير للذكاء الاصطناعي في البلاد – من خلال جلسة بعنوان “دورة الذكاء الفائقة”؛ في حين استعرض القادة خلال الجلسة كيفية استثمار الدول للذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز مرونتها أمام التقلبات الاقتصادية وترسيخ مكانتها في القيادة الرقمية العالمية.