آخر الأخبار

الجزائر تبحث عن "مخرج دبلوماسي مشرف" في قضية الصحراء المغربية

شارك

في أحدث تصريحاته حول قضية الصحراء المغربية، أقرّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوجود ضغوط تمارسها دول عظمى على بلاده من أجل الدفع في اتجاه تسوية هذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده، ملوّحا باستعداد الجزائر للقبول بأي حل يقبله الطرف الانفصالي، الذي قال عنه إنه “لا ينبغي أن نكون صحراويين أكثر من الصحراويين”، بتعبيره، قبل أن يعود ليسجّل مجددا أن بلاده لن تتخلى أبدا عن دعم جبهة “البوليساريو”.

وأكد مهتمون بتطورات الوحدة الترابية للمملكة أن تصريحات الرئيس الجزائري، سواء المتعلقة بالضغط الدولي أو بالتمسك التقليدي بالدفاع عن “القضية الصحراوية”، تكشف عن ازدواجية الخطاب الدبلوماسي للجزائر ومحاولة الموازنة بين رسائل المرونة الموجّهة للخارج وخطاب الصلابة الموجّه للداخل، خاصة بعد سلسلة الإخفاقات السياسية والدبلوماسية التي راكمها “قصر المرادية” في السنوات الأخيرة، مقابل استمرار الرباط في تعزيز مواقفها وترسيخ مبادرتها للحكم الذاتي كخيار واقعي وذي مصداقية لهذا النزاع.

رد فعل

قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، في تصريح لهسبريس، إن “تصريحات الرئيس الجزائري ليست مجرد خطاب عابر؛ بل يتعلق الأمر بإقرار علني بتغيّر موازين القوى الدولية، وهو كذلك اعتراف ضمني بأن سياسة الوضع الراهن التي انتهجتها الجزائر لعقود لم تعد ممكنة بعد الآن”.

وأضاف: “الإشارة هنا واضحة، ويُقصد بها بالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا بدرجة ثانية”، لافتا إلى أن “هذه الدول تُعتبر من ضمن الحلفاء الاستراتيجيين للمغرب، حيث انتقلت من المنطقة الرمادية إلى دعم واضح وعلني لمبادرة الحكم الذاتي المغربية”.

وأوضح القسمي أن “الضغوط التي تحدث عنها تبون تمثل إقرارا جزائريا ضمنيا بتأثير التراكم الدبلوماسي الذي جعل موقف الجزائر معزولا، خاصة مع إجماع مجلس الأمن على ضرورة تبنّي حل واقعي وتوافقي لقضية الصحراء. وبالتالي، فإن هذا التصريح يعكس تغيّر السياق الدولي الذي لم يعد يرى مصلحة في استمرار النزاع، ويمثل اعترافا بأن الجزائر انتقلت من موقع الفعل إلى موقع ردّ الفعل تجاه ديناميكية دولية تجاوزتها”.

وأكد أن “الجمع بين العبارتين المتناقضتين هو جوهر “الخطاب الدبلوماسي المزدوج” الذي تتبناه الجزائر في هذه المرحلة، من خلال مقولة “لن نكون صحراويين أكثر من الصحراويين”، إذ تتعمد الجزائر توجيه رسالة مرونة وبراغماتية إلى الخارج، تنقل فيها عبء المسؤولية إلى “البوليساريو”، وتُظهر أن الجزائر ليست هي العقبة، وتفتح بابا أمام أي تسوية سياسية توفّر لها مخرجا دبلوماسيا مشرّفا”.

وزاد شارحا: “في المقابل، تهدف عبارة “لن نتخلى عن القضية أبدا” إلى طمأنة الرأي العام الداخلي والمؤسسة العسكرية والتيار المتشدد، والتأكيد على أن السياسة الخارجية للبلاد لا تزال قائمة على المبادئ نفسها، حماية لشرعية النظام التاريخية. وبهذه الصيغة، تحاول الجزائر إدارة مرحلة انتقالية صعبة عبر الموازنة بين متطلبات الواقعية الدولية وضرورات الاستقرار الداخلي”.

وخلص الباحث ذاته إلى أن “هذا الخطاب يُعد محاولة جزائرية لإعادة التموضع وكسب الوقت بعد الخسارات المتتالية التي تكبدتها لصالح الدبلوماسية المغربية، والانتقال من صورة “الطرف المعرقل” إلى “الطرف الذي يمكن التحاور معه”؛ وهو ما يمثل رسالة واضحة للقوى الكبرى مفادها أن “الجزائر مستعدة للانخراط في تسوية واقعية؛ لكنه انفتاح مشروط يهدف إلى ضمان أن تكون جزءا من أي حل قادم بدلا من أن يُفرض عليها”.

ارتباك ورسالة

أكد محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “تصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة حول قضية الصحراء المغربية تعبّر عن ارتباك واضح في الخطاب السياسي الجزائري، وعن محاولة متأخرة لتكييف الموقف الرسمي مع التحولات العميقة التي يشهدها هذا الملف على المستويين الإقليمي والدولي. فحين يتحدث الرئيس الجزائري عن “ضغوط دول عظمى لتسوية النزاع”، فهو لا يكشف جديدا بقدر ما يُقرّ، ضمنيا، بأن الموقف المغربي بات يحظى بقبول واسع النطاق”.

وسجل الأستاذ الجامعي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الحديث عن هذه “الضغوط” يكشف عن تراجع قدرة الجزائر على المناورة، بعد أن وجدت نفسها معزولة دبلوماسيا في المنتظم الدولي، عقب موجة الدعم المتزايدة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية التي وصفتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بـ”الجدية وذات المصداقية”. لذا، لم تعد الجزائر اليوم قادرة على الدفاع عن أطروحة فقدت داعميها، خاصة بعد أن تحولت “البوليساريو” إلى كيان وهمي بلا أفق، قائم على المظلومية والابتزاز الإنساني”.

وتابع قائلا: “أما تصريح الرئيس بأنه “يجب ألا نكون صحراويين أكثر من الصحراويين”، فهو في جوهره محاولة لتبرير فشل دبلوماسي طويل الأمد وتخفيف وقع الانكسار أمام الرأي العام الجزائري. لكنه تصريح ينطوي على تناقض بنيوي صارخ، حين يضيف في الجملة نفسها أن الجزائر “لن تتخلى عن القضية أبدا”. فكيف يمكن الجمع بين الاعتراف بعدم الأحقية في الوصاية على “الصحراويين”، وبين الإصرار على الدفاع عن قضية لا تملك الجزائر فيها أي سند قانوني أو سيادي؟”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “هذا التناقض يفضح غياب الاتساق الاستراتيجي في السياسة الخارجية الجزائرية، ويؤكد أن الملف يُدار بعقلية عاطفية وشعبوية أكثر مما يُدار بمنطق دولة مسؤولة. فالجزائر تحاول، من خلال خطابها المتذبذب، الإيحاء باستقلالية القرار؛ بينما هي في الواقع تلهث خلف محاولة إنقاذ ماء الوجه أمام تآكل نفوذها الإقليمي وتراجع مصداقيتها في المنظمات القارية والدولية”.

وشدد على أن “الرئيس الجزائري أراد توجيه رسالة مزدوجة؛ واحدة إلى القوى الكبرى مفادها أن الجزائر مستعدة للقبول بالحل الواقعي دون أن تُتَّهم بالتنازل، وأخرى إلى الداخل الجزائري لتجميل فشلها الدبلوماسي وتبريره بلغة “الضغوط الخارجية”. لكن في الحالتين، تظل الحقيقة واحدة؛ المغرب انتصر ميدانيا ودبلوماسيا، بينما تعيش الجزائر أزمة خطاب وموقع”.

ولفت إلى أن “هذه التصريحات لا تعبّر عن صلابة الموقف الجزائري بقدر ما تعكس تعبا دبلوماسيا ووعيا متأخرا بحتمية الحل المغربي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية”، مضيفا: “لقد تجاوز الزمن الخطاب الانفصالي، وبات من الواضح أن المغرب هو الطرف الوحيد القادر على تقديم حل شرعي وواقعي ومستدام، في حين لم تعد للجزائر سوى محاولات لغوية يائسة لتغطية فشلها السياسي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب مصر

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا