صادق المجلس الحكومي، يوم الخميس 9 أكتوبر 2025، على مشروع القانون رقم 71.24 المتعلق بمدونة التجارة، في خطوة جديدة تهدف إلى معالجة إشكالية إصدار الشيكات بدون رصيد، من خلال مقاربة قائمة على تقليص الطابع الزجري للعقوبات وتعزيز الحلول البديلة.
وينتظر أن يدخل المشروع حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية، حاملا مجموعة من المقتضيات القانونية الجديدة التي من شأنها أن تخفف من عدد الاعتقالات المرتبطة بهذه الجريمة، وتفتح المجال أمام تسوية ودّية أكثر مرونة بين الأطراف، مع ما يثيره ذلك من نقاش حول مستقبل الشيك كوسيلة أداء مضمونة.
ومن بين أبرز التعديلات التي جاء بها النص، إلغاء الاعتقال في القضايا التي تتراوح قيمة الشيكات فيها بين 10.000 و20.000 درهم، إلى جانب التنصيص على أن أداء قيمة الشيك يُسقط المتابعة نهائيا، سواء كان صاحبه معتقلا أو مطلوبا بمذكرة بحث، فضلا عن إلغاء تجريم الشيك بدون رصيد بين الأزواج، وهو ما يجعل النزاعات في هذا الإطار ذات طبيعة مدنية خالصة.
كما نص المشروع على منح مهلة شهر لتسوية الوضعية المالية قبل مباشرة الاعتقال، مع إمكانية تزويد المعني بالأمر بسوار إلكتروني لتفادي الفرار، وتمكين المشتكي من تمديد المهلة شهرا إضافيا إن رغب في ذلك.
وفي قراءة قانونية لهذه المستجدات، قال الأستاذ محمد الفرسيوي، المحامي بهيئة سطات، إن “ما يمكن تسجيله بخصوص هذه المقتضيات الجديدة المتعلقة بجنحة إصدار شيك بدون مؤونة هو أن المشرع المغربي، وفي إطار التوجه العام للسياسة الجنائية الرامية إلى تقوية البدائل والتخفيف من درجة الاعتقال وجعله الملاذ الأخير، يسعى إلى توسيع نطاق الحريات سواء بفرض إجراءات جديدة قبل المساطر القضائية أو عبر جعل البديل هو الحل الأنسب، سيما أن عدد المعتقلين أصبح يشكل رقما لا يُستهان به فيما يتعلق بجرائم الشيك بدون مؤونة، كونه الوسيلة الأكثر تداولا في المعاملات التجارية اليوم”.
وأضاف الفرسيوي في تصريح لـ”العمق” أن “تجريم الشيك بدون مؤونة منظم حاليا في مدونة التجارة ضمن المادة 316، بعدما كان منظما في القانون الجنائي، وهذا يعد إشارة قوية على ارتباط الشيك كورقة تجارية صرفية بالنظام العام الاقتصادي، وخضوعه لمبادئ وقواعد التجار أكثر من تلك المنصوص عليها في المواد الجنائية”.
وأوضح الفرسيوي أن “هذه المقتضيات الجديدة يمكن أن تحل مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالشيك، سواء عبر رفع الاعتقال عن الشيكات التي لا تتجاوز قيمتها 20 ألف درهم، أو بجعل الأداء موجبا للتصريح الفوري بسقوط الدعوى العمومية في أي مرحلة كانت، وكذا إلغاء مذكرة البحث”.
واعتبر المحامي نفسه أن هذه المستجدات تعد مشجعة على الأداء، وتجعل من الاعتقال استثناء وجب الإبقاء عليه كملاذ أخير.
وأردف الفرسيوي: “أما بخصوص الشيكات بين الأزواج، فالأمر يتداخل فيه بعد خصوصي قائم على الميثاق المبني على الثقة، مما يجعل التعديل الجديد مشابها للمقتضى المنصوص عليه في القانون الجنائي بخصوص السرقة بين الأزواج، حيث يُدرج النزاع في نطاق مدني صرف”.
وفي تصريح مماثل، يرى الدكتور ياسين عليا، الباحث في الاقتصاد والسياسات العمومية، أن تقليص الطابع الزجري للعقوبات المتعلقة بإصدار الشيكات بدون رصيد أو تقنين هذا المجال لا يعني بالضرورة التراجع عن استعمال الشيكات في المعاملات التجارية، مبرزا أن هناك مواكبة تشريعية مزدوجة لهذا التوجه.
وقال عليا إن “على المستوى الأول، هناك هذا الإصلاح الذي يهم استعمال الشيكات، لكن في المقابل هناك توجه أكبر نحو إدماج القطاع غير المهيكل ضمن دائرة النشاط المهيكل، وبالتالي خضوعه للقوانين الجاري بها العمل”.
وأضاف أن “استعمال الشيك يظل ضروريا جدا في المعاملات التجارية التي تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم، من أجل إدماجها ضمن المصاريف المصرح بها ضريبيا”، مبرزا أن “التوازي بين هذين المسارين سيفتح الباب أمام استعمال أكثر أمانا للشيك كوسيلة أداء مضمونة، إذ لم يعد الاستخلاص يعني بالضرورة الخضوع لمسطرة المتابعة في حالة اعتقال، بل يتم تقليص هذه المدد أو حصرها في الشيكات التي تتجاوز قيمتها عشرين ألف درهم”.
واعتبر المتحدث أن هذا الإصلاح “سيساعد على تجنب الإشكالية الكبرى التي كانت تواجه المتعاملين بالشيكات، والمتمثلة في الخوف من الاعتقال، وسيفتح بالمقابل آفاقا أوسع أمام المقاولات والتجار لتوسيع نشاطهم دون تردد في استعمال الشيك كأداة لتدبير نقص السيولة”.
وختم الدكتور عليا تصريحه بالتأكيد على أن “التوازي بين تشريع الإدماج في الاقتصاد المهيكل وتحسين تقنين استعمال الشيكات سيساهم في ترسيخ الثقة في الأدوات البنكية، لأن التوجه نحو المعاملات غير المادية أصبح خيارا استراتيجيا للسلطات النقدية والحكومة، في إطار تشجيع الأداء البنكي والرقمي وتقليص الاعتماد على النقد”.