آخر الأخبار

خبراء يؤكدون بالداخلة دور الجاليات الإفريقية في دفع عجلة التنمية القارية

شارك

في زمن تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والسياسية داخل القارة الإفريقية، يبرز الذكاء الاقتصادي كأداة استراتيجية لا غنى عنها لتحقيق الإقلاع الإفريقي المشترك، القائم على المعرفة والتكامل بين الطاقات داخل القارة وخارجها. ومن بين هذه الطاقات، تبرز الجاليات الإفريقية المنتشرة في العالم كقوة ناعمة قادرة على إحداث الفارق، إذا ما أُحسن توظيفها ضمن رؤية منسقة تربط بين الاقتصاد والسياسة والثقافة والمعرفة الرقمية.

هذه الفكرة شكلت جوهر النقاش خلال الملتقى الخامس للجامعة المفتوحة للداخلة، الذي التأم بنادي الضباط في المدينة، تحت شعار “الذكاء الاقتصادي والإقلاع الإفريقي المشترك.. أية أدوار لأفارقة العالم؟”، تحت إشراف كل من جمعية الدراسات والأبحاث من أجل التنمية ومنتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي.

فمن الداخلة، المدينة التي تحولت إلى فضاء للتفكير الاستراتيجي الإفريقي، انطلقت أصوات الخبراء والباحثين من مختلف الدول لتؤكد أن رهان إفريقيا المقبل لن يُكسب إلا عبر تعبئة الجاليات الإفريقية كفاعل تنموي وشريك مؤسسي.

لقد بدت مداخلات المشاركين، رغم تنوع خلفياتهم وتجاربهم، متقاطعة حول فكرة واحدة: أن القارة الإفريقية تدخل مرحلة جديدة من الوعي بقدراتها الذاتية، وأن أبناءها في المهجر ليسوا مجرد مهاجرين أو محوّلين للأموال، بل صناع معرفة وخبرة وتأثير.

في هذا الإطار، قال علي محرز، مسؤول بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، إنه وفقا للبنك الدولي، أرسل العمال المهاجرون عالميا 685 مليار دولار أمريكي إلى عائلاتهم في عام 2024، متجاوزين بذلك فئات أخرى من التدفقات المالية الخارجية إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وقال محرز إن “هذا دليل، إن لزم الأمر، على أن المغتربين ركيزة استراتيجية لتنمية بلدانهم الأصلية”، مشددا على أنه “لا يمكن اختزال مساهمة المغتربين في التحويلات المالية وحدها على الرغم من أهميتها وحيويتها للاقتصادات المتلقية”.

وأبرز أن “العمال المهاجرين يعدون وقبل كل شيء ناقلين للتحول وتسريع التنمية، من خلال استثماراتهم المباشرة ونقل المهارات وشبكات المعرفة التي يجلبونها إلى بلدانهم الأصلية”.

من جانبه، دعا نور الدين تابت، رئيس جمعية خريجي المدرسة الفدرالية العليا للوزان بالمغرب، إلى إعادة النظر في مفهوم الجالية والتعامل معها باعتبارها منظومة معقدة ومتعددة الأبعاد، لا مجرد خزان مالي أو بشري.

وأكد تابت، ضمن مداخلته، أن “كل جالية هي كيان حيّ، يضم مستثمرين، وعلماء، وفنانين، ورياضيين، وعمالا يشكلون نسيجا إنسانيا متنوعا ينبغي التعامل معه بمرونة استراتيجية”.

وأشار إلى أن نجاح أي مقاربة تنموية تستند إلى طاقات الجاليات رهين بقدرتنا على بناء ما أسماه بـ “فن التآزر”، أي خلق روابط حقيقية بين عوالم تبدو متباعدة مثل التكنولوجيا وريادة الأعمال، أو الثقافة والاقتصاد؛ فالقيمة الحقيقية، وفقه، تكمن في الربط الذكي بين المجالات وتحويل الجاليات إلى قوة شبكية قادرة على إنتاج المعرفة وإطلاق الإبداع.

ولم يغفل تابت الإشارة إلى التحدي بين الأجيال داخل الجاليات، معتبرا أن الجيلين الثاني والثالث، وخاصة جيل Z، يعيشون في فضاء رقمي عابر للحدود يستوجب مقاربة جديدة تدمجهم في السياسات العامة “لا في إطار شعارات رمزية، بل عبر ممارسات واقعية ومستمرة”. وأورد أمثلة من مبادرات ناجحة تربط الطلبة في المهجر برجال أعمال وخبراء من نفس الجالية، وتخلق جسورا أفقية لتبادل الخبرات والثقافات حول قضايا إنسانية مشتركة، مثل الصداقة المغربية السنغالية أو التغير المناخي في إفريقيا.

من جهته، قدّم ناصر بوعبيد، ممثل الجمعية التونسية للذكاء الاقتصادي، قراءة واقعية لدور الجالية التونسية في دعم اقتصاد البلاد واستقرارها المالي، مؤكدا أن مليونًا و282 ألفا من التونسيين يقيمون بالخارج، معظمهم في أوروبا، يضخّون نحو 3 مليارات دولار سنويا في الاقتصاد الوطني، وهي موارد “لا تقل أهمية عن عائدات السياحة أو الصادرات”.

وأشار بوعبيد إلى أن تونس وضعت، منذ سنة 1988، إطارا مؤسساتيا من خلال الهيئة العامة للتونسيين بالخارج مكلفا بمتابعة قضايا الجالية وتعزيز انتمائها الثقافي؛ في حين أبرمت البلاد، سنة 2024، اتفاقيات جديدة مع دول الإقامة لحماية الحقوق الاجتماعية للعمال المهاجرين.

وشدد المتحدث على أن المعضلة الكبرى تكمن في التعقيد الإداري وغياب التنسيق بين المؤسسات؛ مما يعرقل مساهمة الجالية في التنمية المنتجة.

وأوضح أن “الاستثمارات الحالية تظل محدودة ومركزة على العقار والبناء، بينما نحتاج إلى إصلاحات تشريعية تُبسّط الإجراءات وتفتح المجال أمام استثمارات إنتاجية قادرة على خلق فرص شغل حقيقية”.

أما أديبيسي داودو، الاقتصادي والناشط الجمعوي من البنين، فقد اختار أن يقلب الصورة النمطية رأسا على عقب، معتبرا أن “الجاليات ليست منفى؛ بل اتحاد من أجل الفعل في الفكر والتنمية”.

واعتبر داودو أن الوقت قد حان للتفكير في الجاليات الإفريقية ليس على أساس وطني ضيق، بل في إطار ديناميكية إقليمية تتجاوز الحدود السياسية.

وأوضح أن البنين، رغم عدم امتلاكها بعد لاستراتيجية وطنية متكاملة في مجال الذكاء الاقتصادي، تملك أسسا فكرية وتاريخية يمكن البناء عليها، مستشهدا بفكرة “الدياسبورا الأفرو-منحدرة” التي ظهرت في التسعينيات، وبالدور التاريخي الذي لعبته الجاليات البنينة في ترسيخ الوعي الإفريقي المشترك.

وأكد أن الجاليات الإفريقية لعبت دورا مؤثرا، وإن لم يُعترف به كفاية، في تعزيز الديمقراطية وتحرير الأنظمة السياسية من السلطوية، من خلال الضغط الفكري والإعلامي الذي مارسته من الخارج، مشددا على أن التنمية لا تختزل في الأرقام؛ بل تشمل “تغيير العقليات وبناء وعي جماعي جديد”.

من جانبه، قدم أدوم يوسف، رئيس الجمعية التشادية للذكاء الاقتصادي، قراءة مفصلة لوضع الجالية التشادية ودورها في مرحلة التحول السياسي الأخيرة.

وأوضح أن عدد التشاديين المقيمين بالخارج يناهز 600 ألف شخص، أغلبهم في دول الجوار مثل السودان والكاميرون والنيجر وليبيا، وأنهم أصبحوا اليوم فاعلا سياسيا ومؤسسيا بعد مشاركتهم في “الحوار الوطني الشامل والسيادي” وفي الحكومة الانتقالية، بل وفي البرلمان الوطني من خلال أربعة نواب يمثلون الجالية.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا