تتجه أنظار المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية، غدا الجمعة، صوب الخطاب المرتقب للملك محمد السادس في افتتاح السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة بمقر البرلمان، وسط ترقب شديد للطريقة التي سيتفاعل بها عاهل البلاد مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في سياق الدينامية التي أطلقتها حركة “جيل زد” الشبابية.
وتسلط الأضواء، غدا، على ما يمكن أن يتضمنه الخطاب الملكي في إشارات أو توجيهات تخص تدبير قطاعي الصحة والتعليم، اللذين تصدر مطلب إصلاحهما لائحة المطالب التي رفعها “جيل زد” في الاحتجاجات العارمة التي عرفتها مجموعة من المدن، فضلا عن محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين فيه.
وتتباين الآراء والتوقعات بشأن موضوع الخطاب الملكي، والكيفية التي سيتعاطى بها عاهل البلاد مع الاحتجاجات في أول خطاب يتصادف مع انطلاقتها، خصوصا أن الشباب المحتجين لم يترددوا في التوجه رأسا إلى الملك بمطالبهم، معلنين فقدان الثقة في الحكومة والأحزاب السياسية.
ولعل الظرفية التي جاءت فيها الاحتجاجات في السنة الأخيرة من عمر الحكومة وبدء الاستعداد لسنة انتخابية انخرطت أحزاب التحالف بشكل مبكر في السباق على تصدرها وقيادة حكومة 2026 المنتظرة، الأمر الذي يمثل بالنسبة للبعض عنصرا يمكن أن يدفع العاهل المغربي إلى عدم التطرق للموضوع في خطابه وتأجيل الأمر إلى مناسبة مقبلة.
محمد يحيا، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، قال إن الخطاب الملكي المرتقب غدا الجمعة ينتظر أن يتفاعل بطريقة “مباشرة أو غير مباشرة مع مطالب واحتجاجات “جيل زد” بالبلاد”.
وسجل يحيا، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المستجدات التي تعيشها الساحة الوطنية والإشارة إليها “مسألة جد واردة”، مبرزا أن قانون المالية برسم سنة 2026 كان رئيس الحكومة قدم فيه ورقة توجيهية. ربما، الآن، تتم إعادة النظر في قانون المالية بسبب الأولويات المطروحة.
وشدد الأستاذ الجامعي ذاته على أن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية يحدد الخطوط العريضة للسياسات العامة للبلاد، مبرزا أنه “سيكون هناك تفاعل من طرف قيادة البلاد مع هذه المطالب انطلاقا من هذه المداخل. ولا أعتقد أن تكون هناك قرارات كبرى في أفق التناسب بين ما هو مطلوب وما ينبغي القيام به في هذه المرحلة والمحطة بالأساس”.
وأفاد المتحدث عينه بأن الخطاب الملكي يمكن أن يصل إلى إعادة تنبيه الحكومة إلى التحديات التي تواجهها، على مستوى قطاعي التعليم والصحة، والعمل على ترتيب الأثر وربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري؛ الأمر الذي يبين أن هناك اختلالات ينبغي الوقوف عليها ويجب ألا تتكرر.
ولم يستبعد يحيا المجيء بوجوه جديدة في القطاعين اللذين خرجت الاحتجاجات ضدهما، رغم أن التعديل الحكومي لا يكون في السنة الأخيرة من عمر الحكومة، لافتا إلى أن الوضع الراهن قد يستوجب أن يتم وضع وزارتي الصحة والتعليم ضمن ما يعرف بوزارات السيادة، معتبرا أن المطالب المرفوعة في أفق إيجاد الحلول المناسبة لما تبقى عادية ومشروعة.
من جهته، قال محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي، إن السياق الذي يأتي فيه الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان هذا العام “حساس نوعا ما”، مؤكدا أن السنة المقبلة سنة انتخابية يتطلب التعامل معها بـ”كثير من الحيطة والحذر”.
وسجل العمراني بوخبزة، ضمن تصريح لهسبريس، أن خطاب الملك في افتتاح السنة التشريعية له خصوصيته وهو من الخطابات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، ويشكل مضمونه عادة خارطة الطريق وبرنامج عمل الدورة التشريعية.
وذهب المحلل السياسي في قراءته إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المعطى الذي يبين أن الأمر يتعلق بخطاب دستوري، مبرزا أن التدخل أو التطرق لما يقع في الساحة الوطنية عقب احتجاجات “جيل زد” قد تكون له “قراءات متعددة؛ وإذا كان فيه لوم من قبل جلالة الملك فهذا اللوم قد يشكل ضربة قاضية للحكومة الحالية في الانتخابات المقبلة، وهذا أمر سيكون من الصعب أن نتصوره”.
وزاد المتحدث عينه موضحا أن الملك يبقى “فوق الأحزاب وفوق هاته الصراعات، وبالتالي اللوم والتأنيب أو التقييم، ربما يقرأ وكأن هناك توجيها ما للكتلة الناخبة؛ وهذا أمر ربما أنه سيكون من الصعب في هذه المرحلة، لأن أي قراءة الآن يجب أن نقرأها في سياق السنة الانتخابية”.
وردا على سؤال حول أن ما شهدته البلاد من احتجاجات وعنف أدى إلى سقوط ضحايا تفرض نفسها، يرى البعض أنه سيكون من الصعب تجاوزها أو التغاضي عنها من طرف الملك في خطابه المرتقب، قال العمراني بوخبزة: “لا نتحدث في المغرب بمنطق التغاضي، لأن لاحظنا أننا أصبحنا نتحدث عن جيل جديد من الخطب الملكية التي تعكس ما يقع داخل المجتمع، وغالباً أن ما يرد في الخطاب الملكي وكأننا نتحدث مع بعضنا البعض، وكل ما نقوله قد نجده فيها، والملك قد يتحدث عن الفساد وانتظارات المغاربة وأولوياتهم”.
واستدرك المحلل ذاته موضحا “لكن في الوقت نفسه الحكومة هي مسؤولة عن تصرفاتها.. وبالتالي لحظة مساءلتها هي صناديق الاقتراع أو مساءلتها داخل البرلمان من خلال ملتمس الرقابة وسحب الثقة. وهذا الأمر يجب أن نستوعبه جيدا، لأن الملكية ما بعد دستور 2011 ليست هي ملكية ما قبل دستور 2011، فلكل مجاله، وما يقع الآن هو تقييم للسياسات العمومية والسياسات العمومية مسؤولية حكومية وليست مسؤولية الملك، فبالتالي ربما قد يكون هناك مناسبة أخرى غير هاته للحديث عنها”.
ولفت العمراني بوخبزة إلى أن الخطاب الملكي موجه إلى البرلمان في سياق سنة انتخابية، معتبرا أنه سيكون من الصعب صراحة أن يكون هناك حديث عن مطالب “جيل زد” في سنة “انتخابية حساسة جداً قد ترجح كفة طرف من الأطراف على طرف آخر”، وفق تعبيره.