مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية الحالية، تزداد تساؤلات الحركة النسائية والحقوقية حول مصير مشروع تعديل مدونة الأسرة الذي دعا إليه الملك محمد السادس منذ أكثر من عام، والذي أثار نقاشا واسعا داخل الأوساط السياسية والحقوقية والاجتماعية.
وبينما كان المنتظر أن تُعرض المسودة الأولية للنقاش داخل البرلمان، لا تزال الهيئات الحقوقية تتساءل عن أسباب التأخر، مطالبة بإخراج نص قانوني عادل ومنصف يواكب التحولات المجتمعية ويكرّس المساواة بين الجنسين.
في هذا السياق، قالت ليلى أميلي، رئيسة جمعية “أياد حرة”، إن “نحن الآن في الثلث الأخير من الولاية التشريعية، وكان من المفروض أن ننتظر نسخة أولية من المدونة خلال دورة أبريل الماضية وأن يكون فيها نقاش حول مدونة الأسرة. نعلم أن هذه المرحلة من الولاية تعرف نوعا من الركود في البرلمان، حيث يبدأ بعض الأعضاء في التفكير في الانتخابات المقبلة”.
وأوضحت أميلي، ضمن تصريح لهسبريس، أن دورة أكتوبر، التي تتزامن عادة مع مناقشة القانون المالي وتمتد من 20 أكتوبر إلى 20 نونبر، يجب ألا تمر دون طرح المسودة للنقاش.
وأبرزت رئيسة جمعية “أياد حرة”: “طموحنا أن تُدرج خلال هذه الدورة مناقشة مسودة مدونة الأسرة، خاصة بعد تشكيل اللجنة ورفعها لتقارير الإنصاف والمقترحات إلى الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية. وبعد ذلك، أحال جلالة الملك بعض النقاط الخلافية إلى المجلس الأعلى، الذي بدوره قدّم مقترحاته”.
بنبرة استغراب، أضافت أميلي أن المسار التشريعي توقف فجأة: “منذ ثلاثة أو أربعة أشهر، لا نعلم أي جديد، وهناك علامة استفهام كبيرة حول هذا التوقف”، مشيرة إلى أن مدونة 2004 أصبحت متجاوزة ولا تنسجم مع روح دستور 2011.
وفي هذا الصدد، أكدت المتحدث عينها أن المغرب اليوم في حاجة إلى إصلاح جذري يشمل قضايا القاصر والحضانة والممتلكات المشتركة وغيرها من المواد التي لم تعد تلائم التحولات الاجتماعية والدستورية.
وسجلت الفاعلة الجمعوية سالفة الذكر أن عرض المسودة خلال دورة أكتوبر أمر ضروري قبل أن تدخل المؤسسة التشريعية في مرحلة “الجمود الانتخابي”، قائلة: “نرى أنه من الضروري أن تُقدم مدونة الأسرة في دورة أكتوبر أمام البرلمان في شكل مسودة، لفتح النقاش حولها قبل نهاية هذه الدورة… أما دورة فبراير، فهناك من يتحدث عن احتمال تنظيم انتخابات سابقة لأوانها؛ مما يجعل دورة أبريل الأخيرة عادة باردة بحكم استعداد المؤسسة التشريعية لنهاية الولاية والانتخابات المقبلة”.
وخلصت أميلي، في ختام تصريحها، أن المدونة المنتظرة يجب أن تكون عادلة ومساواتية، وأن تُصاغ بلغة واضحة لا تحتمل التأويل، مضيفة: “نريد مدونة أسرة واحدة تطبق في أكادير كما في فاس، في وجدة كما في العيون، بشكل موحد يخدم الجميع… هذه ليست مدونة المرأة، بل مدونة الأسرة بكل مكوناتها، لأنها تخص الأب والأم والأطفال والرجال والنساء جميعا”.
من جهتها، قالت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، إن الانتظار طال أكثر مما ينبغي، لافتة إلى الحركة النسائية تطالب اليوم بمدونة جديدة تستجيب لمطالب النساء والمجتمع المغربي ككل.
وأضافت موحيا، ضمن تصريح لهسبريس: “ننتظر قانونا أسريا ومدونة للأسرة تستجيب لطلبات النساء المغربيات وتطلعات المجتمع المغربي ككل. نعم، في ارتباط مع هذا السياق الحالي، حيث يخرج الشباب للمطالبة بحقوقهم، سواء من ناحية تفعيل الحقوق الاجتماعية أو النهوض بالحقوق الاقتصادية، وتفعيل البرنامج الحكومي والنموذج التنموي بجميع الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة ولم تفِ بها إلى الآن”.
وسجلت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء أن الإصلاح المطلوب يتجاوز الإطار القانوني ليشمل معالجة جذور التمييز، قائلة: “نريد مدونة تُكرّس إنسانية النساء وكرامتهن، وتزيل جذور التمييز في كل مناحي الحياة. فبداية التغيير المجتمعي الشامل تنطلق من إصلاح وتجديد هذه الجذور التي تكرّس الظلم والحكرة”.
وشددت الفاعلة الحقوقية على أن هذه المرحلة تمثل محطة تاريخية للحكومة، التي يجب أن تُظهر إرادتها في الإصلاح الفعلي، قائلة: “هذه آخر ولاية برلمانية في عهد هذه الحكومة؛ مما يفرض عليها أن تقدّم مشروعا حقيقيا ومدونة أسرة تستجيب لمطالب الحركة النسائية، وتكون في مستوى هذه المحطة التاريخية والسياسية المهمة”.
وأضافت المتحدثة ذاتها أن المطلوب هو تشريعات واضحة وغير قابلة للتأويل، تُنصف النساء والأطفال، وتعترف بعمل النساء داخل الأسر.
أبرزت موحيا، في ختام تصريحها لهسبريس، أن “المرأة ما زالت في نظر القانون غير منتجة داخل الأسرة، رغم أنها تؤدي ضرائبها وتُعامل كمواطنة كاملة في جميع المجالات؛ إلا أنها داخل الأسرة تُعتبر ناقصة المواطنة. نعم، إنها ناقصة المواطنة في عين القانون؛ وهذا ما يجب تغييره”.