تأسست بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 690 في 29 أبريل 1991، بهدف مراقبة إطلاق النار بين الاطراف، بالإضافة إلى تنظيم استفتاء لتقرير مصير سكان الإقليم، وهو البند الذي ظل حبرا على ورق بسبب خلافات جوهرية حول من يحق له التصويت.
وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، تحولت مهمة البعثة فعليا إلى الحفاظ على حالة الهدوء على طول الجدار الأمني، مع تجديد ولايتها سنويا من قبل مجلس الأمن. وأصبحت جلسات التجديد في شهر أكتوبر من كل عام موعدا دبلوماسيا بارزا، تتجدد فيه المواقف السياسية وتخضع فيه جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للتقييم، مما يجعلها مقياسا لاتجاهات المجتمع الدولي نحو هذا النزاع الإقليمي طويل الأمد.
ويأتي اجتماع مجلس الأمن هذا العام في سياق متغير، يتسم بزخم دولي متزايد لصالح مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل واقعي وذي مصداقية. وتتجه الأنظار إلى واشنطن، حاملة القلم في صياغة القرار، وسط مؤشرات على أن النقاش لن يقتصر على التمديد الروتيني، بل قد يتجه نحو إعادة تقييم شاملة لدور البعثة وهيكلتها لتواكب المستجدات السياسية والدبلوماسية التي شهدها الملف في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، كشف رئيس منظمة “أفريكا ووتش” ونائب رئيسة تحالف المنظمات الصحراوية غير الحكومية، عبد الوهاب الكاين، أن النقاشات السياسية والدبلوماسية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستشكل في شهر أكتوبر الجاري لحظة فارقة للنظر في مسألة تمديد ولاية بعثة المينورسو، وسط ترجيحات بتغيير جوهري في طبيعة عملها بعد ثلاثة عقود من تواجدها الميداني لمراقبة وقف إطلاق النار. وأوضح الكاين في تصريحه أن هذا التوجه يأتي في ظل مناخ دولي متنام داعم لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة المغربية، والتي تمنح الصحراويين صلاحيات واسعة لتدبير شؤونهم المحلية كحل سلمي ونهائي للنزاع الممتد لخمسة عقود.
وأكد المصدر ذاته أنه من المقرر أن يتخذ مجلس الأمن قراره بشأن تجديد ولاية البعثة في 31 أكتوبر، وذلك في سياق سياسي غير مسبوق يشمل تغيرات في ميزانية حفظ السلام الأممية بدفع أمريكي، وزخم دولي كبير تمثل في الاعترافات المتوالية بمغربية الصحراء والدعم الواسع لمقترح الحكم الذاتي، وقرب الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء. وأشار إلى أن هذه الإشارات مجتمعة تدل على قناعة لدى الإدارة الأمريكية المسؤولة عن الملف بأن الوقت قد حان لتغيير ولاية البعثة بشكل أساسي، للانتقال من السعي لتنفيذ مخطط تسوية أصبح متجاوزا بسبب ما وصفه المصدر بتعنت الجزائر وعدم رغبتها في تنفيذ التزاماتها.
وأضاف رئيس “أفريكا ووتش” في تصريح لجريدة “العمق” أن موعد أكتوبر قد يشكل زخما حاسما للمغرب، مدعوما بتطور مواقف القوى الدولية وفي مقدمتها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن والعديد من الدول الإفريقية والأوروبية منذ عام 2020. وتابع المصدر محذرا من مغبة غياب اليقظة تجاه محاولات خلق مناخ ملتبس عبر احتجاجات مصطنعة ونشر سرديات غامضة بهدف تشويه السمعة الدولية للمملكة وتصوير نضالات الشعب المغربي بشكل سلبي، خاصة مع اقتراب نظر مجلس الأمن في القضية وخوف الجزائر وداعميها مما وصفها المصدر بـ”ساعة الحسم”.
وأشار الكاين إلى أن اعتراف واشنطن ولندن وباريس بمبادرة الحكم الذاتي يعد محرك دفع رئيسي لإنهاء النزاع، في ظل جمود سياسي حول دور البعثة التي تحولت من عنصر مساهم في الحل إلى عائق أمام التقدم، وهو ما جعل الأمور تنحو منحى إيجابيا لصالح المغرب. وأوضح أن هذا الاعتراف الصريح أو اعتبار الحكم الذاتي الأساس الأكثر مصداقية وواقعية للحل، أضعف بقوة رغبة الجزائر والبوليساريو في إقامة كيان مستقل، مما يزيد من احتمال حدوث تغيير كبير خلال التصويت المقبل.
ورجح المصدر أن يقترن النقاش حول تجديد الولاية باقتراح أمريكي يطالب بإصلاح شامل لعمل واختصاصات البعثة الأممية لتتماشى مع المستجدات، وذلك بالنظر إلى الحراك الدبلوماسي الأمريكي الذي رافق زيارات المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا. ولم يستبعد لجوء واشنطن لاستخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاط أي محاولة لتأبيد المشكلة أو فرض أجندات التقسيم التي تقودها الجزائر وجنوب إفريقيا في سياق التنافس الإقليمي مع المغرب على ريادة القارة الإفريقية، وفقا لما أورده المصدر.
يذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة، أطونيو غوتيريش، قد أوصى في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن بتمديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء المغربية لمدة عام إضافي، حتى 31 أكتوبر من عام 2026. وأكد التقرير الأممي أن استمرار حضور البعثة الأممية يمثل التزاما راسخا من المجتمع الدولي بدعم الجهود الرامية للوصول إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول لهذا النزاع الإقليمي، بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأوضح المصدر ذاته أن وجود البعثة على الأرض، وبعد مرور نحو أربعة وثلاثين عاما على تأسيسها، يكتسي أهمية بالغة في تهيئة بيئة مواتية للمسلسل السياسي الذي يقوده المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا. وأشار التقرير إلى أن البعثة تواصل لعب دور محوري في منع أي تصعيد محتمل، وتعتبر المصدر الرئيسي للمعلومات المحايدة التي ترفع إلى مجلس الأمن، مما يعزز الاستقرار في المنطقة على الرغم من التحديات القائمة.