شهدت دورة أكتوبر العادية لمجلس جهة الدار البيضاء – سطات حالة من الجدل والنقاش الحاد بين أعضاء المجلس، بعدما تبين أن عددا من المشاريع المعروضة تمت المصادقة عليها في دورات سابقة، قبل أن تعاد من جديد إلى جدول الأعمال قصد تعديلها أو إلغائها.
وقد أظهرت أشغال الدورة التي ترأسها عبد اللطيف معزوز عن حزب الاستقلال، أن المجلس لا يزال يعاني من غياب رؤية تنموية واضحة ومنسقة، خصوصا في ما يتعلق بتحديد الأولويات والمشاريع ذات البعد الاسترات
فبدل التركيز على إطلاق مبادرات جديدة تستجيب لحاجيات الساكنة في مختلف الأقاليم التابعة للجهة، عادت المؤسسة المنتخبة إلى مناقشة مشاريع سابقة لم تحقق بعد الأثر المطلوب، ما يعكس حالة من الارتباك الإداري والسياسي.
كما طغى الطابع الشكلي على مناقشة عدد من النقاط المدرجة في جدول الأعمال، إذ تم التصويت على بعض الملفات دون نقاش مستفيض أو تقييم دقيق لمدى نجاعتها، وهو ما يطرح إشكالية ضعف التفاعل داخل المؤسسة الجهوية وغياب دينامية الحوار بين مكوناتها.
وتشير معطيات متطابقة إلى أن عددا من المشاريع المهيكلة بالجهة ما تزال تراوح مكانها، في وقت تتزايد فيه الاختلالات المرتبطة بقطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والنقل، وهي ملفات تشكل صلب انتظارات المواطنين من المجالس المنتخبة.
ويرى متتبعون للشأن الجهوي أن معالجة هذه الوضعية تتطلب تقييما شاملا لطريقة تدبير المشاريع الجهوية، مع ضرورة إرساء آليات تنسيق فعالة بين المجلس وباقي المؤسسات الحكومية والمنتخبة، لضمان انسجام السياسات العمومية وتحقيق تنمية متوازنة تشمل مختلف مناطق جهة الدار البيضاء – سطات.
وقال محمد شيكر، رئيس لجنة إعداد التراب والبيئة والماء بجهة الدار البيضاء – سطات، إن دورة أكتوبر العادية لمجلس الجهة كشفت عن وجود خلل بنيوي واضح في طريقة تدبير الشأن الجهوي، موضحا أن إعادة طرح مشاريع سبق للمجلس أن صادق عليها في دورات سابقة وتعديلها من جديد خلال هذه الدورة، يعكس حالة من الارتباك في الرؤية وضعف في التخطيط الاستراتيجي.
وأوضح شيكر، في تصريح لجريدة العمق المغربي، أن “هذا التوجه نحو تعديل أو إلغاء الاتفاقيات بشكل متكرر من طرف أعضاء المجلس، يكشف عن غياب النضج السياسي والتنموي لدى بعض مكونات الأغلبية المسيرة، التي يبدو أنها تفتقد إلى تصور شمولي واضح لتطوير الجهة والارتقاء ببرامجها ومشاريعها”.
وأضاف أن استمرار هذا النهج “يجعل المجلس يدور في حلقة مفرغة، بدل التركيز على تنزيل مشاريع جديدة ذات أثر مباشر على ساكنة الجهة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن ما حصل خلال دورة أكتوبر يؤكد أن المجلس لم ينجح بعد في ترسيخ ثقافة النقاش والتقييم قبل التصويت على المشاريع، إذ “يتم تمرير النقاط بشكل سريع دون دراسة معمقة أو مشاورات كافية بين الأعضاء”، مبرزا أن الدورة الأخيرة “كانت مناسبة للاستماع إلى مداخلات رؤساء الفرق فقط، دون فتح نقاش حقيقي يلامس جوهر القضايا المطروحة”.
ولم يخف شيكر امتعاضه من غياب منهجية واضحة لتحديد الأولويات داخل مجلس الجهة، قائلا إن “الجهة تواجه تحديات كبيرة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، وهي ملفات لا يمكن معالجتها إلا من خلال رؤية تنموية متكاملة وتنسيق فعلي مع القطاعات الحكومية المعنية”.
وشدد رئيس لجنة إعداد التراب والبيئة والماء على أن “التنمية الجهوية لا يمكن أن تتحقق من خلال قرارات متسرعة أو تعديلات متكررة لاتفاقيات سابقة، بل تحتاج إلى تخطيط استراتيجي بعيد المدى، ومواكبة حقيقية لمشاريع ذات مردودية اقتصادية واجتماعية”، داعيا في الوقت ذاته إلى “إعادة ترتيب الأولويات، واعتماد منهجية تشاركية تجعل من المواطن محور السياسات العمومية الجهوية”.