تبين المقاطع والصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن عددًا كبيرًا من الأطفال والقاصرين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة التي دعت إليها مجموعة “جيل Z”، وهو ما أكدته وزارة الداخلية التي أفادت بأن نسبتهم تجاوزت 70 في المائة من مجموع المشاركين، وبلغت في بعض الحالات 100 في المائة، ما يكشف عن انخراط مقلق لفئة عمرية يفترض أن تكون داخل الفصول الدراسية لا في الشوارع.
تُظهر بعض المشاهد أن عددًا من الأطفال المشاركين في الاحتجاجات يحملون محافظهم المدرسية، ما يعني أنهم انتقلوا مباشرة من المؤسسة التعليمية إلى ساحات الاحتجاج، في دلالة رمزية على خلل تربوي يستدعي وقفة تأمل حول الدور المنوط بالمؤسسة التعليمية في التحصين القيمي والوقاية السلوكية للتلاميذ.
ويؤشر هذا الواقع على ضرورة استحضار الوظيفة التربوية للمدرسة باعتبارها الفضاء الأساس لبناء الشخصية المتوازنة وتنمية الوعي المدني لدى المتعلمين، من خلال التربية على الحوار واحترام القانون ونبذ العنف، حتى تظل المدرسة حصنًا للتنشئة الإيجابية لا منفذًا إلى الانجرار نحو سلوكيات منحرفة تهدد استقرار المجتمع.
وفي هذا الإطار يتداول عدد من رجال ونساء التعليم دعوات إلى تخصيص حيز مؤقت من الزمن المدرسي لتوعية التلاميذ بخطورة الانزلاق نحو العنف والتخريب، والتنبيه إلى العواقب التي قد تترتب على مشاركة الأطفال والقاصرين في تجمعات قد تتحول إلى مواجهات تنتهي بإصابات واعتقالات ومتابعات قضائية.
جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، قال إن “المدرسة، إلى جانب العديد من المتدخلين، يمكن أن تساهم بدور فعّال في تأطير التلاميذ وتحصينهم من الانزلاقات نحو العنف والتخريب، من خلال العديد من المبادرات التربوية التي يأتي في مقدمتها غرس قيم المواطنة والمسؤولية والتسامح في نفوس المتعلمين”.
وأوضح مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “توفير مناخ تربوي يسوده الاحترام والحوار يشكل مدخلاً أساسياً لبناء شخصية متوازنة لدى التلاميذ”، مشيرًا إلى “أهمية المواد الدراسية التي تُعنى بهذه القيم، مثل التربية على المواطنة، لما تتيحه من فرص لتعميق الوعي بالمسؤولية الفردية والجماعية”.
وأضاف الباحث في الشأن التربوي أنه “من الضروري إدماج التربية على السلوك المدني وحقوق الإنسان ضمن الأنشطة الصفية والموازية، حتى تصبح جزءًا من الممارسة اليومية داخل المؤسسة التعليمية، بما يسهم في ترسيخ ثقافة الحوار ونبذ العنف في صفوف المتعلمين”.
وختم جبير مجاهد تصريحه بالتأكيد على “أهمية تشجيع التلاميذ على الانخراط في الأندية التربوية والثقافية والرياضية التي تُنمّي لديهم روح التعاون والانتماء الإيجابي للمجتمع، ما يجعل المدرسة فضاءً للتربية المتوازنة والحماية من السلوكيات المنحرفة”.
يرى مصطفى صائن، رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، أن “دور المدرسة لا يقتصر على نقل المعرفة أو تمليك الكفايات من أجل الإشهاد بها، وإنتاج الأطر اللازمة لتدوير الاقتصاد الوطني والحياة العامة وضمان استمرارها وتطورها”.
وأوضح صائن أن “المدرسة باعتبارها المؤسسة الثانية في التنشئة الاجتماعية وبناء شخصية الطفل بعد الأسرة، وبتعاون معها، فهي مكلفة بأدوار ومهام تأطير وتحـصين المتعلمين ضد العنف والتطرف والانزلاق وراء الأجندات التخريبية، وقد خَصّها المشرّع بنصوص قانونية وتنظيمية تؤطر هذه المهام والأدوار التي يمكن تصنيفها عموماً إلى ما هو تربوي-اجتماعي، وقانوني-وقائي، وتشاركي-عملي”.
وأكد المتحدث لهسبريس أن “الأدوار التربوية-الاجتماعية تهدف إلى تنمية المهارات السلوكية والاجتماعية من خلال إدماج برامج تعلم القيم والمبادئ الأساسية مثل التسامح، واحترام الآخرين، والانضباط، وتدريس مهارات التواصل وحل النزاعات بطرق سلمية”، موردًا أن “الأدوار القانونية-الوقائية تهدف إلى تطبيق النظام الداخلي للمؤسسة بما يضمن الانضباط وعدم التحريض على العنف، وإحالة الحالات الخطيرة على الجهات المختصة، واحترام كينونة وكرامة المتعلم وحقه في التعبير والمشاركة”.
أما الأدوار التشاركية-العملية، يضيف مصطفى صائن، “فتروم الانفتاح على أسر التلاميذ والمجتمع المدني من أجل تسطير برامج موازية للأنشطة الصفية قصد ترصيد معارف وكفايات المتعلمين وتعزيزها وبناء شخصيتهم”، مشيرا إلى أنه “في هذا الباب يمكن الإشارة إلى المادتين 31 و32 من القانون الإطار 57.17 اللتين تحثان على ترسيخ قيم المواطنة وإدماج التربية على حقوق الإنسان والسلوك المدني والعيش المشترك في الأنشطة الصفية والموازية”.
وختم رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ تصريحه بالقول إن “المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية يبقى لها الدور الكبير في تحصين الناشئة من الانزلاق نحو العنف والتخريب عبر التربية على القيم، وترسيخ ثقافة الحوار، وتفعيل القوانين في إطار تربوي وإنساني”.