تقوم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بعدد من الإجراءات لتقليص نسبة الهدر المدرسي، من بينها جعل المدرسة جذابة ومحفزة، وذلك من خلال السعي إلى خلق بيئة تعليمية تواكب تطلعات المتعلمين، وتمنحهم فرصا أوسع للاندماج والمثابرة، بما يسهم في تعزيز جاذبية المؤسسة التربوية والحد من الانقطاع المبكر.
ومن هذا المنطلق، يقدم تربويون مجموعة من المقترحات الرامية إلى جعل المدرسة فضاء محفزا على التعلم وجاذبا للمتعلمين، في أفق تحويلها إلى مجال للتكوين الشامل، وتعزيز قدرتها على الحد من الهدر المدرسي، وترسيخ مكانتها كفاعل أساسي في مسار التنمية المجتمعية.
محمد فناني، أستاذ التعليم الابتدائي، قال إن “من بين الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق تحقيق الإلزامية وتقليص نسبة الهدر المدرسي إلى الثلث، ولن يتأتى ذلك إلا بالاشتغال على المحاور الثلاثة: التلميذ، الأستاذ والمؤسسة التعليمية، وهو ما تسعى إليه الوزارة من خلال إيصال أثر الإصلاح إلى داخل الأقسام”.
وأشار فناني، في تصريح لهسبريس، إلى أن جهود الوزارة تسعى إلى ضمان “تلميذ متفتح ومنفتح ومتحكم في التعلمات الأساسية تمكنه من استكمال مسار تعليمه”، و”أستاذ متمكن وملتزم وحريص على بلوغ تلامذته مستوى النجاح الفعلي”، و”مؤسسة تعليمية على شكل فضاء آمن وجاذب، متوفرة على كل ظروف الاستقبال اللازمة من وسائل رقمية ومرافق لممارسة الأنشطة الموازية والرياضية، تمكن المتعلم من تحقيق ذاته”.
وأكد المتحدث ذاته أن “هذه الأهداف بدأت تتحقق نسبيا، حيث عملت الوزارة على تأهيل العديد من المؤسسات التعليمية ومدها بما يلزم لتأهيل فضاءاتها وجعلها أكثر جاذبية”، مستدركا بأنه “رغم ذلك، لا يمكن للمدرسة أن تستعيد وهجها وإشعاعها إلا إذا أضحت همّا مجتمعيا ينخرط فيه الجميع، لا سيما الوزارة والأطقم التربوية والإدارية، والأسر، والمحيط الاقتصادي والسوسيو-ثقافي، باعتبار المدرسة أهم رافعة للارتقاء الفردي والمجتمعي”.
إدريس الشقم، مدير مؤسسة تعليمية ابتدائية، قال إن “تحديث المناهج الدراسية يشكل مدخلا أساسيا لجعل المدرسة محفزة وجذابة، من خلال ربطها بالحياة اليومية وإدماج مواضيع حديثة تراعي تطلعات المتعلمين”، مؤكدا أن “هذا التوجه يسهم في تحسين جودة التعلمات ويقوي صلة المتعلم بمحيطه”.
وأضاف الشقم، في تصريح لهسبريس، أن “تحسين بيئة التعلم شرط أساسي عبر تجهيز الفصول الدراسية والاعتناء بنظافة وجمالية الفضاء المدرسي”، موضحا أن “هذه الخطوة تخلق مناخا مريحا يشجع التلاميذ على الارتباط بمؤسستهم”، مبرزا في الوقت ذاته أن “تنويع طرق التدريس باعتماد التعليم النشيط والتفاعلي، واستثمار التكنولوجيا والوسائط الحديثة، يجعل العملية التعليمية أكثر تشويقا وفعالية”.
وشدد على أن “الاهتمام بالجوانب النفسية محور أساسي للتحفيز، من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي، ومحاربة كل أشكال العنف والتنمر داخل الوسط المدرسي”، معتبرا أن “المناخ الإيجابي يساعد المتعلمين على الاندماج، وتشجيع الأنشطة الموازية مثل النوادي المدرسية والمسابقات والخرجات الثقافية والترفيهية يساهم في تنمية شخصية التلاميذ وصقل مهاراتهم”.
وختم مدير المدرسة تصريحه بالتأكيد أن “تحفيز الأساتذة والأطر رهين بتحسين ظروف العمل وضمان التكوين المستمر والتحفيز المادي والمعنوي”، مضيفا أن “ربط المدرسة بالحياة المهنية يمر عبر إدماج التكوين المهني المبكر وإرساء شراكات مع المقاولات، في تفاعل مع الأسرة والمجتمع من خلال تفعيل دور جمعيات الآباء وإخضاع رؤسائها لتكوينات، إلى جانب انفتاح المدرسة على محيطها المحلي”.
أنشطة مدرسية مبتكرة
من جانبه، أكّد جبير مجاهد، باحث في الشأن التربوي، أن “تحقيق أعلى درجات التحفيز والجذب للتلاميذ يتطلب تهيئة فضاءات مدرسية ملائمة ومريحة، تتوسطها حدائق صغيرة تعزز الشعور بالانفتاح والراحة داخل المؤسسة”.
وأشار مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “تجهيز الأقسام بوسائل رقمية والابتعاد عن الطرق التقليدية في التدريس يسهم بشكل كبير في إشراك التلاميذ في التعلم ويجعلهم أكثر حماسا لمتابعة حصصهم الدراسية”.
وأضاف الباحث في الشأن التربوي أن “إنشاء أندية مدرسية سينمائية وموسيقية ومسرحية يجعل المدرسة مكانا للمتعة والإبداع وليس مجرد الحفظ، كما أن تنظيم ورشات أسبوعية متنوعة يسهم في تطوير مهارات التلاميذ وتحفيزهم على التفاعل”.
وختم جبير مجاهد توضيحه بالتأكيد أن “تنظيم رحلات وزيارات ميدانية إلى متاحف ومواقع تاريخية ومصانع ومؤسسات جامعية، إلى جانب مسابقات ثقافية ورياضية، يخلق روح التحدي الإيجابي بين التلاميذ ويعزز انتماءهم للمؤسسة التعليمية”.