آخر الأخبار

الهشومي: زيادة عدد النواب ليست حلا ومصداقية الإصلاح تكمن في عدالة التمثيل - العمق المغربي

شارك

قال كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حوار مع جريدة “العمق المغربي”، إن التمثيل النيابي يقوم على مبدأ المساواة في صوت الناخب، أي أن يكون لكل نائب تقريبا نفس حجم الساكنة التي يمثلها، ومع تزايد عدد السكان أو تغير توزيعه الجغرافي، يصبح منطقيا التفكير في إعادة النظر في الخريطة التمثيلية، حتى لا يحدث اختلال في مبدأ التناسب.

وأوضح الهشومي أيضا أن هذا التعديل لا يتم بشكل ميكانيكي مع كل زيادة سكانية، بل يحتاج إلى ضبط قانوني ومؤسساتي يوازن بين التغيرات الديمغرافية وبين الاستقرار المؤسساتي.

ونبه إلى أن هناك نماذج برلمانية تبين أن معالجة التمثيلية لا تقتصر على رفع عدد المقاعد، وقدم مثال السويد التي اعتمدت نظام المقاعد التعديلية لضبط التناسب (349 مقعدا ثابتا)، مع مناصفة طوعية في القوائم.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

كيف تفسرون العلاقة بين النمو السكاني وضرورة تعديل الخريطة التمثيلية داخل المؤسسة التشريعية؟

سؤالكم يطرح إشكالا جوهريا في فلسفة التمثيل داخل المؤسسة التشريعية، ويستدعي التمييز بين مستويين مترابطين: العلاقة بين النمو السكاني والتمثيل البرلماني، ثم التقطيع الانتخابي بين منطق العدالة العددية ومنطق العدالة المجالية.

في الجانب الاول، من الناحية النظرية، يقوم التمثيل النيابي على مبدأ المساواة في صوت الناخب، أي أن يكون لكل نائب تقريبا نفس حجم الساكنة التي يمثلها. ومع تزايد عدد السكان أو تغير توزيعه الجغرافي، يصبح منطقيا التفكير في إعادة النظر في الخريطة التمثيلية، حتى لا يحدث اختلال في مبدأ التناسب (حيث يمكن أن يمثل نائب عددا قليلا جدا في منطقة معينة مقابل مئات الآلاف في منطقة أخرى).

غير أن هذا التعديل لا يتم بشكل ميكانيكي مع كل زيادة سكانية، بل يحتاج إلى ضبط قانوني ومؤسساتي يوازن بين التغيرات الديمغرافية وبين الاستقرار المؤسساتي.

أما فيما يتعلق بالجانب الثاني، فالأهم في السياق المغربي، كما تلمحون، ليس فقط حجم الساكنة، وإنما أيضا الاتساع الجغرافي. بعض الدوائر مترامية الأطراف وتحتاج إلى تمثيل يتجاوز البعد العددي. ثم الحاجيات التنموية، إذ توجد مناطق تعاني من هشاشة أو عجز في البنيات الأساسية، ما يفرض تعزيز حضورها التمثيلي حتى يُسمع صوتها داخل البرلمان. وأخيرا، التوازن السياسي والجهوي، أي ألا يكون التقطيع الانتخابي مجرد أداة تقنية، بل وسيلة لترسيخ الإنصاف المجالي.

في هذا الإطار، يُستند عادة إلى خلاصات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، ليس كمعطى عددي فقط، بل كأداة للتشخيص الشامل تجمع بين البعد الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي.

العلاقة بين النمو السكاني وتعديل الخريطة التمثيلية ليست آلية أو ضرورية في كل مرة، بل تُدرس في ضوء معايير مركبة: عدد السكان، الاتساع الترابي، ومستويات التنمية.

الأولوية إذن ليست مجرد إعادة توزيع المقاعد، بل إعداد تقطيع انتخابي عادل ومرن يضمن عدالة في تمثيل السكان، وإنصافا في تمثيل المجالات، واستحضارا لضرورات التنمية الملحة.

وهل تبدو مبررات الأحزاب واقعية وذات جدوى بشأن رفع عدد أعضاء مجلس النواب؟

عند التدقيق في هذا المطلب، تظهر عدة إشكاليات، أولها: هل الأولوية للكم أم للكيف؟ فرفع العدد لا يعني بالضرورة تحسين جودة التمثيل أو الفعالية التشريعية. بل قد يؤدي إلى زيادة العبء المالي ويضعف صورة المؤسسة، إذا لم يترافق مع رفع الأداء والنجاعة.

وهنا يُطرح البديل الممكن، فالإصلاح الأجدى قد يكون في إعادة هيكلة التقطيع الانتخابي وضمان عدالة مجالية وتمثيلية، بدل الاكتفاء برفع الأعداد.

ومن جهة أخرى، فإن سؤال المصداقية السياسية يظل مطروحا بإلحاح، في ظل تنامي المطالب الاجتماعية (التعليم، الصحة، التشغيل)، حيث قد يُنظر إلى رفع المقاعد كخيار لا يحظى بأولوية شعبية، مما يضعف وجاهة المبررات الحزبية أمام الرأي العام.

أما في الإطار الدستوري والمالي، فإن لهذا المطلب انعكاسات على ميزانية الدولة ومبدأ ترشيد النفقات العمومية، ما يجعله موضع مساءلة حقيقية من حيث الجدوى.

وعليه، فإن مبررات الأحزاب ليست بلا أساس، لكنها تظل نسبية وغير حاسمة، إذا لم تندمج ضمن رؤية شاملة لإصلاح المنظومة التمثيلية. فالرهان اليوم ليس في تكثير المقاعد، بل في جعل المقاعد القائمة أكثر فعالية وتعبيرا، من خلال تقطيع انتخابي عادل، وآليات لإدماج الكفاءات من الشباب والنساء، ثم وضع أدوات لقياس أداء النواب وربط المسؤولية بالمحاسبة.

ما هي النماذج البرلمانية الدولية التي يمكن الاستناد إليها للدفع بزيادة المقاعد أو تعزيز التمثيلية النوعية داخل البرلمان؟

في الواقع، هناك نماذج برلمانية تبين أن معالجة التمثيلية لا تقتصر على رفع عدد المقاعد.

فمثلا، السويد اعتمدت نظام المقاعد التعديلية لضبط التناسب (349 مقعدا ثابتا)، مع مناصفة طوعية في القوائم. هذا النظام يمنع أي حزب من أن يحصل على مقاعد تفوق أو تقل كثيرا عن حصته الحقيقية من الأصوات، ما يضمن عدالة عددية ونوعية دون تضخيم البرلمان.

أما كندا، فتلجأ إلى إعادة توزيع دوري بعد كل إحصاء، عبر هيئات مستقلة، مع زيادات محدودة ومدروسة (من 343 إلى 338 في 2024)، ما يعزز المشروعية ويوازن بين عدد السكان والمجال.

في ألمانيا، عندما واجهت تضخما مفرطا (736 نائبا)، تم إقرار سقف عددي (630) عبر إصلاحات 2023-2024، ما يبين أن الحل قد يكون أحيانا في التقليص وضبط الصيغ الحسابية.

وبناء على ما سبق، فإن زيادة المقاعد ليست حتمية، والأجدى هو تقطيع انتخابي عادل، ومقاعد تعديلية أو سقف عددي يوازن بين العدالة السكانية والمجالية. فيما تتحقق التمثيلية النوعية غالبا من خلال أدوات مثل اللوائح الخاصة والحوافز الحزبية، وليس فقط عبر رفع العدد.

كيف تقيمون التجارب المقارنة لدول مثل السويد وكندا وألمانيا في إعادة توزيع المقاعد بناء على الكثافة السكانية والتمثيلية النوعية؟

استنادا إلى ما تقدم، أرى أن أمام صناع القرار في المغرب ثلاثة مسارات واضحة:


*

إذا كان الدافع هو النمو السكاني، فالأولوية ليست الزيادة العددية، بل إعادة توزيع المقاعد وفق معايير سكانية ومجالية تستند إلى معطيات إحصاء 2024، مع مراعاة حاجيات التنمية والاتساع الترابي.


*

إذا كان الخلل في التناسب التمثيلي، يمكن اعتماد آليات المقاعد التعديلية (النموذج السويدي) لتصحيح الاختلالات دون اللجوء إلى تضخيم البرلمان.


*

وإذا كان الإشكال في حجم المؤسسة ونجاعتها، فإن النموذج الألماني يبقى مرجعا، من خلال وضع سقف عددي وضبط الصيغ الحسابية، مع اعتماد آليات لتعزيز التمثيلية النوعية (مناصفة، شباب) عبر القوائم والحوافز الحزبية، كما هو معمول به جزئيا في التجربة المغربية عبر لوائح النساء والشباب سابقا.

لذلك، أعتقد أن الإصلاح الناجع هو الذي يوازن بين العدالة السكانية، والعدالة المجالية، وفعالية المؤسسة، وليس الذي يكتفي بزيادة عدد المقاعد دون رؤية متكاملة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا