آخر الأخبار

قضية الصحراء المغربية .. مناورات يائسة للجزائر وبريتوريا في الأمم المتحدة

شارك

أقحمت جنوب إفريقيا، في شخص رئيسها سيريل رامافوزا، نزاع الصحراء المغربية ضمن مداولات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بدعوى الدفاع عن “حق تقرير المصير”، حين قال: “تقع على عاتقنا، كدول أعضاء في الأمم المتحدة، مسؤولية التأكيد من جديد على حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير”، حسب تعبيره.

ويعكس هذا الموقف استمرار انحياز جنوب إفريقيا لجبهة البوليساريو والجزائر، في وقت تستمر مبادرة الحكم الذاتي في حصد المزيد من الاعترافات والدعم الدوليين، باعتبارها الحل الواقعي والوحيد لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، وهو ما أكدته المواقف المعلنة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، كأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي.

ويرى مراقبون أن إثارة جنوب إفريقيا قضية الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة لا يمكن فصلها عن سياق إقليمي ودولي أوسع؛ إذ يبدو الأمر بمثابة تبادل أدوار بينها وبين الجزائر في التعبير عن المواقف المعادية للرباط، مشيرين إلى أن “الجزائر ركزت، خلال الدورة نفسها، على الدفع بخطاب داعم للاعتراف بفلسطين، بينما تولى الرئيس رامافوزا مهمة التذكير بأطروحة ‘تقرير المصير’، في خطوة تعكس توزيع الأدوار وتؤكد استمرار التنسيق بين البلدين في هذا الملف”.

وتتزامن هذه التصريحات مع مناقشات مجلس الأمن الدولي بشأن نزاع الصحراء المغربية، وهي جلسات تُجدد خلالها القوى الكبرى مواقفها من المبادرة المغربية وتُذكّر بأهمية الحل السياسي، مقابل محاولات خصوم المغرب استغلال منابر الأمم المتحدة لترديد خطاب تقليدي لم يعد ينسجم مع التطورات التي يعرفها النزاع ميدانيا ودبلوماسيا.

في هذا الصدد قال محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن تصريح الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الصحراء لم يكن سوى إشارة عابرة لم تتجاوز بضع ثوان، صيغت بلغة عامة حول “مسؤولية الدول الأعضاء في ضمان حق تقرير المصير”.

وأوضح ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الأهم في الخطاب هو ما لم يقله رامافوزا، إذ لم يوجه أي اتهام مباشر للمغرب، ولم يُصنّفه ضمن الدول التي لا تحترم القرارات الأممية أو القانون الدولي.

وبخصوص التحولات الداخلية في جنوب إفريقيا أورد المهتم بنزاع الصحراء أن دعم جبهة البوليساريو لم يعد محل إجماع، بدليل إعلان حزب الرئيس السابق جاكوب زوما دعمه مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الواقعي والعملي للنزاع.

وأضاف المتحدث ذاته أن واقعة رفع العلم الجنوب إفريقي خلال زيارة زوما إلى المغرب، وما تلاها من احتجاج وزارة الخارجية ورد زوما باعتبار العلم “ملكا للشعب وليس حكرا على الحكومة”، كشفت بوضوح عن انقسام داخلي حول شرعية التعبير عن الموقف الوطني، وانتقال الملف من دائرة الإجماع الحزبي إلى ساحة تنازع بين مؤسسات الدولة وفاعلين سياسيين.

وأكمل محمد الغيث ماء العينين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن الرئيس رامافوزا أشار إلى الموضوع فقط لرفع العتب وتفادي الانتقاد الداخلي، دون أن يمنحه أي وزن أو أولوية ضمن القضايا الكبرى التي ركز عليها في خطابه، لافتا إلى أن “الموقف الجنوب إفريقي، وإن ظل رسميا في خانة الدفاع عن أطروحة تقرير المصير، لم يعد بالحدة السابقة؛ وهو ما يعكس تأثير المتغيرات الجيوسياسية والديناميات الداخلية على إعادة صياغة خطاب بريتوريا حول الصحراء”.

وعلى النقيض من ذلك يرى بيبوط دداي، فاعل سياسي وباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن مناورات الجزائر وحلفائها ستتضاعف قبيل البت في قرار مجلس الأمن بشأن الوضع في الصحراء المغربية، سواء تعلق الأمر بالاكتفاء بتجديد ولاية بعثة المينورسو لسنة إضافية للإبقاء على الحال كما هو عليه، أو بفتح نقاش حول بدائل لحصر مهامها في مراقبة وقف إطلاق النار فقط، أو حتى الدفع نحو صيغ أخرى تضمن إبقاء الملف مطروحا في جدول أعمال المجلس لسنوات إضافية دون تحقيق أي تقدم ملموس.

وأضاف بيبوط، في تصريح لهسبريس، أن تحركات جنوب إفريقيا على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة تندرج ضمن تبادل الأدوار بين الجزائر وحلفائها في معاداة المغرب وسيادته، موضحا أن “الجزائر آثرت هذه المرة الظهور في خانة الاصطفاف إلى جانب الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين، وأسندت مهمة التهجم على المغرب إلى الرئيس رامافوزا، كرد فعل على الاستقبال الذي خص به المغرب الرئيس الأسبق جاكوب زوما، وما أبداه من تقدير للدبلوماسية المغربية ولمقترح الحكم الذاتي باعتباره جديا وقابلا للتطبيق”.

وأكد الفاعل السياسي بالأقاليم الجنوبية أن تصريح الرئيس الجنوب إفريقي في الجمعية العامة يمكن اعتباره تعبيراً عن نزعة انتقامية من انفتاح المغرب على محيطه القاري، وسعيه الدؤوب إلى التواصل مع مختلف الفاعلين الأفارقة، من حكومات وأحزاب سياسية ومنظمات قارية، من أجل ترسيخ فهم عميق لقضية الصحراء المغربية بأبعادها السياسية والإستراتيجية والتاريخية والقانونية.

ولفت المتحدث الانتباه إلى أن هذه التصرفات العدائية لن تثني المغرب عن نهجه الدبلوماسي الرصين القائم على الترافع الدولي لتثبيت مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي وعملي، منسجم مع قواعد القانون الدولي لحل النزاعات بالطرق السلمية.

وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أن المملكة لا تحتاج إلى الانشغال بالردود على مواقف عدائية من هذا النوع، بقدر ما يتعين استثمار مواردها في حصد المزيد من الاعترافات وفتح قنصليات جديدة في الأقاليم الجنوبية، وفتح فضاءات التعاون المدني مع الدول الداعمة لمغربية الصحراء، عوض الانجرار وراء خطابات عدائية لا تحمل سوى الكراهية للمغرب وللصحراويين المغاربة أنفسهم.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا