من المتوقع أن يصل وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، إلى المملكة المغربية بداية الأسبوع المقبل في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها إلى المغرب بدعوة من عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بإدارة الدفاع الوطني، حسب ما أفادت به سفارة نيودلهي في الرباط، التي أكدت أن هذا الحدث سيتخلله تدشين منشأة صناعية جديدة لشركة “تاتا” لإنتاج المدرعة ذات العجلات (WhAP 8×8) بمدينة برشيد .
وقال موقع “بهارات شاتكي” الهندي المتخصص في أخبار الدفاع إن هذه الزيارة تؤكد اهتمام نيودلهي المتزايد بتوسيع حضور صناعتها الدفاعية في القارة الإفريقية، وتعزيز الشراكات العسكرية في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية، مشيرا إلى أن شركة صناعة الأسلحة الهندية “MKU” تُعد من أوائل الفاعلين الهنود في المغرب؛ إذ تعاونت بشكل وثيق مع القوات المسلحة الملكية المغربية على مدى السنوات الأربع الماضية.
وذكر الموقع ذاته، نقلا عن مصادر مطلعة، أن الشركة سالفة الذكر زودت المغرب بالعديد من المعدات العسكرية، بما في ذلك الدروع ومناظير الرؤية الليلية وأنظمة تصويب قاذفات القنابل وأجهزة مراقبة مخصصة للقوات العملياتية، معتبرا أن زيارة وزير الدفاع الهندي إلى الرباط تأتي في سياق جيو-سياسي حساس مرتبط بـ”توسع الحضور الصيني في إفريقيا من خلال القواعد العسكرية وصادرات السلاح، إلى جانب القروض لتطوير البنية التحتية”.
وأضاف أن من المرتقب أن تركز زيارة المسؤول الهندي إلى المغرب على تعزيز التعاون الدفاعي الثنائي، وتقييم التقدم في المشاريع الجارية، واستكشاف فرص جديدة للمشاريع المشتركة والتصدير، مبرزا أن هذه الزيارة تهدف أيضا إلى التمهيد لمبادرات متعددة الأطراف في قمة منتدى الهند-إفريقيا المقبلة، مع إبراز أهمية تعزيز الروابط والتعاون الدفاعي بين الهند وشركائها.
في هذا الصدد، قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “التعاون العسكري المغربي-الهندي شهد قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، وهو ما تُوج باتفاق بين البلدين استقرت بموجبه واحدة من كبريات شركات صناعة الدفاع الهندية في المغرب، التي تصنع مدرعات من طراز “WhAP 8×8″، مضيفا أن “التعاون العسكري مع الهند يشكل بالنسبة للمغرب رافعة استراتيجية لتعزيز القدرات الدفاعية وتطوير منظومات الردع في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية”.
وأوضح مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهند، باعتبارها قوة صاعدة في الصناعات العسكرية والفضائية، تمتلك خبرة واسعة في مجالات التصنيع الحربي، خاصة ما يتعلق بالمقاتلات متوسطة الوزن والأنظمة الموجهة، وهو ما ينسجم مع توجه الرباط نحو تحديث ترسانتها الدفاعية وتنويع شراكاتها العسكرية”.
وشدد الخبير العسكري ذاته على أن “الآفاق المرتقبة للتعاون الدفاعي بين البلدين تشمل مجالات مختلفة، بما في ذلك التمارين المشتركة وتبادل الخبرات العملياتية في مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية ومختلف التحديات الأمنية، إلى جانب إنشاء خطوط إنتاج صناعية مشتركة، وهو ما يتماشى مع الهدف الاستراتيجي للمغرب لبناء صناعة عسكرية محلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة”، مبرزا أن “القوات المسلحة الملكية، التي راكمت خبرة ميدانية كبيرة، يمكن أن تشكل شريكا عمليا للجانب الهندي في تبادل التجارب العملياتية في المجالات التي تشكل أولوية في العقيدة الدفاعية للبلدين”.
وسجل مكاوي أن “الهند باعتبارها قوة نووية لديها تجربة في مجال صناعة الطائرات والعربات المزنجرة إلى جانب خبرتها في عديد التقنيات في المجال الدفاعي، ثم إن اختيار تعزيز شراكتها على هذا المستوى مع المغرب ليس اعتباطيا، بل هو فهم موضوعي واستراتيجي لأهمية موقع المملكة الذي تراهن عليه الهند للتموقع في سوق الأسلحة الإفريقي، خاصة مع وجود بدائل تنافسية، وهو ما يوفر للمغرب حرية الاختيار، خاصة في ظل سياسته الخارجية المتوازنة التي تجعله شريكا جذابا لمختلف القوى والدول”.
أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “الزيارة المرتقبة لوزير الدفاع الهندي إلى المغرب تكتسي دلالة تكتيكية بالغة الأهمية، لأنها تأتي في سياق إعادة تشكل خرائط القوة العسكرية والتكنولوجية على الصعيد العالمي. فالهند، باعتبارها قوة صاعدة وعضوا محوريا في التوازنات الآسيوية، تعرض على شركائها ليس فقط إمكانيات صناعية عسكرية واسعة، بل كذلك خبرة متقدمة في التحديث الدفاعي، خاصة في مجالات التكنولوجيات الصاروخية، الطائرات بدون طيار، والرادارات متعددة المهام”.
وأضاف المتحدث لهسبريس أن “الانفتاح المغربي على الهند يعد مكسبا في مجال تنويع الشراكات الدفاعية وتخفيف الاعتماد على مزودين تقليديين مثل فرنسا أو الولايات المتحدة. هذه المعادلة تمنح المغرب مرونة استراتيجية أوسع، وتفتح له إمكانيات الحصول على تجهيزات متطورة بأسعار تنافسية، مع إمكانية نقل التكنولوجيا عبر شراكات صناعية ميدانية”، مبرزا أن “الهند بدورها تبحث عن موطئ قدم في القارة الإفريقية، والمغرب يمثل بالنسبة لها بوابة طبيعية نحو الفضاء المغاربي وغرب إفريقيا”.
وشدد على أن “التعاون الدفاعي بين البلدين يمكن أن يتجاوز البعد التقليدي نحو مقاربة أوسع تشمل المناورات المشتركة، التكوين العسكري المتخصص، وتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الحدود. كما يمكن للمغرب أن يستفيد من التجربة الهندية في تطوير صناعات دفاعية محلية، خصوصا أن الرباط تراهن منذ سنوات على خلق نسيج صناعي دفاعي وطني يقلص من فاتورة التسلح المستورد”.
وخلص معتضد إلى أن “التعاون مع الهند يفتح آفاقا تكتيكية في مجالات حساسة مثل الأمن السيبراني وأنظمة المراقبة الذكية، وهي قطاعات باتت محورية في أي عقيدة عسكرية حديثة”، مسجلا أن “المغرب حين يوسع دائرة شركائه العسكريين نحو قوى آسيوية كالهند، فإنه يرسل إشارة واضحة بامتلاكه قدرة على التكيف مع التوازنات الجديدة، وعلى استثمار تحالفات متعددة الاتجاهات لحماية مصالحه السيادية”.