عرفت شوارع مدينة الدار البيضاء، خلال الأيام الماضية، حالة استنفار غير مسبوقة تزامنا مع الزيارة الملكية المرتقبة، حيث سارعت مصالح الجماعة إلى إطلاق ورشات صباغة الأرصفة، وتبليط بعض المقاطع الطرقية، وتنظيف الشوارع الرئيسية في محاولة لإظهار العاصمة الاقتصادية بمظهر حضاري يليق بمكانتها.
غير أن هذه التحركات أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والمدنية، إذ اعتبر عدد من الفاعلين أن الأمر لا يعدو أن يكون “ترقيعا مؤقتا” يخفي أعطابا بنيوية أعمق، ظلت لسنوات ترهق حياة المواطنين. فالحفر الكثيرة، وضعف الإنارة العمومية، وتآكل شبكة الطرقات، هي معاناة يومية لا يمكن حلها عبر إصلاحات سطحية مرتبطة بالمناسبات الرسمية فقط.
وتوجهت أصابع الاتهام نحو طريقة تدبير الصفقات العمومية الخاصة بالبنية التحتية، حيث خصصت ميزانيات كبيرة لهذا القطاع، لكن نتائجها على أرض الواقع تبقى هزيلة، وهو ما دفع عددا من المنتخبين والفاعلين السياسيين إلى المطالبة بفتح تحقيق نزيه وشفاف حول كيفية صرف هذه الاعتمادات، والتأكد من احترام معايير الجودة في إنجاز المشاريع، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
من جهة أخرى، يرى مراقبون محليون أن الدار البيضاء، باعتبارها القلب الاقتصادي للمغرب، تحتاج إلى رؤية استراتيجية متكاملة تواكب توسعها الديمغرافي والعمراني، بدل الاعتماد على تدخلات متفرقة وطارئة.
وفي هذا الصدد، أكد عصام الگمري، الفاعل السياسي بمدينة الدار البيضاء، أن الأشغال التي تشهدها شوارع العاصمة الاقتصادية في الآونة الأخيرة لا تعدو أن تكون “حملة ترقيعية متسرعة” جاءت تزامنا مع الزيارة الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وقال إن هذه الظاهرة باتت متكررة مع كل زيارة ملكية، حيث يتم التركيز على تبليط بعض الشوارع، وصباغة الأرصفة، وتنظيف المحاور الرئيسية فقط، في محاولة لإعطاء صورة “مصطنعة” عن حركية المدينة، بينما الواقع مختلف تماما.
وأوضح الگمري، في تصريح لجريدة العمق المغربي، أن ما تقوم به جماعة الدار البيضاء وعدد من المقاطعات لا يمكن اعتباره سياسة حقيقية لإصلاح البنية التحتية، بل مجرد “عمليات تجميلية” هدفها إخفاء الأعطاب البنيوية العميقة التي تعاني منها المدينة منذ سنوات.
وأضاف أن هذه الأشغال المؤقتة تثير الكثير من التساؤلات حول نزاهة الصفقات العمومية المرتبطة بالبنية التحتية، خاصة في ظل الحديث المتكرر عن شبهات فساد تحيط بها، مشيرا إلى أن معظم المشاريع التي يتم الإعلان عنها سرعان ما تنهار بعد شهور قليلة من إنجازها، حيث تعود الحفر والتشققات إلى الشوارع، وهو ما يكشف عن ضعف الجودة وغياب المراقبة، بل ويؤكد، حسب قوله، وجود تلاعبات واضحة في طريقة تدبير هذه الصفقات.
وشدد على أن ما يحدث لا يسيء فقط إلى جمالية المدينة، بل يمس بشكل مباشر مصالح المواطنين الذين يؤدون ثمن هذا الفساد من خلال معاناتهم اليومية مع طرق مهترئة وبنية تحتية غير صالحة. وأضاف الگمري أن العاصمة الاقتصادية، بحكم رمزيتها وثقلها الاقتصادي والديمغرافي، يجب أن تكون على استعداد دائم لاستقبال الزيارات الملكية أو أي مناسبات وطنية كبرى، وألا تظل رهينة لسياسة “الترقيع اللحظي” التي تنكشف حقيقتها بمجرد انتهاء هذه الزيارات.
واعتبر أن هذا السلوك يتناقض مع المفهوم الجديد للسلطة والمنتخب، الذي يقوم على الاستمرارية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدا أن الوضع الراهن في الدار البيضاء هو نتيجة طبيعية للصفقات المشبوهة التي تغيب عنها الرقابة الجادة، داعيا إلى فتح تحقيق قضائي نزيه يكشف حقيقة ما يجري في كواليس تدبير الشأن المحلي، ويضع حدًا لممارسات وصفها بـ“غير المسؤولة” التي تشوه صورة مدينة من المفترض أن تكون واجهة المملكة.