هل تكون القوة الخارقة خلاصا أم لعنة؟ وهل النبوغ العلمي يصنع الإنسان أم يبتلعه؟ وما الذي يحدث حين يجتمع الذكاء والحلم داخل عالم مفكك تتنازع فيه السلطة والمثالية؟ وهل الخلاص ممكن حين يكون الكون نفسه هو العدو في فيلم The Fantastic Four: First Steps لا تقدَّم الإجابات على أطباق جاهزة وإنما تُنثر الشكوك وتُزرع الأسئلة في التربة ذاتها التي نبتت فيها أزمات العصر الحديث؟ وما الذي يعنيه أن تكون بطلا في زمن تتحول فيه الإيديولوجيات إلى منتجات، والقيم إلى حملات تسويقية. قال ريد ريتشاردز: “عندما تسافر أسرع من الضوء، لا يمكنك أن ترى ظلك خلفك؛ لكنك حتما ستصطدم بماضيك”. منذ بدايات Marvel والسينما الجماهيرية تسعى إلى خلق توازن بين الاستعراض البصري والخطاب الفلسفي وبين المتعة والتأمل. يقدم هذا العمل، الذي يشكّل الدخول الرسمي لفريق الأربعة الخارقين إلى عالم Marvel ، فرصة لمساءلة معنى البطولة في سياق ما بعد الحداثة. تنهار الحدود بين الخير والشر، ويتحول العلم من أداة للمعرفة إلى مصدر للتهديد الكوني.
ينتمي الفيلم الأمريكي “الأربعة الخارقون.. الخطوات الأولى” (21 يونيو 2025/ المدة 115 دقيقة) للمخرج الأمريكي مات شاكمان، إلى سينما الخيال العلمي المغلّفة بثيمات القوة الخارقة بنَفَسٍ يميل إلى الرؤية البصرية الفانتازية ذات الطابع الستيني. ولا يمثل إعادة إنتاج لأصل معروف بقدر ما هو نفس تجريبي في الزمن السردي حيث تتقاطع الحقب وتتداخل الأنساق يُفتتح الفيلم من عالم بديل يدعى Earth-828 عام 1964 حيث يعيش الفريق بالفعل كأبطال لا مبتدئين. وهذا الانطلاق من لحظة ما بعد الأصل يفتح السرد على إمكانيات لا حصر لها ويُبعد الفيلم عن فخ التكرار الذي سقطت فيه نسخ سابقة. لا يعدو الزمن هنا خطيا بل دائريٌ تتكرر فيه التهديدات والاختيارات في انعكاس لمفهوم نيتشوي عن العود الأبدي يقول بين غريم: “كلما دارت الأرض وجدنا أنفسنا في نفس المكان مع اختلافات طفيفة في الندوب”. وهكذا، يخرج الفيلم من مجرد قصة خارقين إلى ما يشبه المتتالية الفلسفية حول الجبر والاختيار ودور الإنسان في الكون والحتمية والعشوائية.
ويحمل الفيلم إشارات متعددة للثقافة الشعبية الأمريكية في الستينيات من القرن العشرين، سواء في الملبس أو الموسيقى أو الديكور وتحت هذه الطبقة من الألوان والحنين هناك بنية فلسفية تتناول ثلاث قضايا كبرى: الأولى هي السلطة والمعرفة حيث إن ريد ريتشاردز أو السيد المذهل (يؤديها الممثل بيدرو باسكال)، هو انعكاس لقلق الحداثة من أن تصبح المعرفة خارجة عن سيطرة صاحبها. والقضية الثانية تتعلق بالهوية والتحول، إذ تمرّ الشخصيات الأربع بتحولات جسدية تعيد تشكيل علاقتها مع ذاتها وتعكس اضطراب الذات في عصر السيولة سو ستورم أو المرأة الخفية (أدت دورها الممثلة البريطانية فانيسا كيربي)، تصبح شفافة؛ ولكنها أكثر حضورا من أي وقت مضى. تم شخصية جوني ستورم أو الشعلة البشرية (يؤديها الممثل البريطاني جوزيف كوين)، يحترق ليضيء لكنه لا يستطيع لمس من يحب. والقضية الثالثة تتعلق بالوجود والعدم حين يظهر جالاكتوس أو الملتهم للعوالم (تم تصميمه كشخصية ضخمة وكونية عبر التحريك الرقمي)، ككائن كوني يبتلع الكواكب، لا يتعامل معه السرد كوحش بقدر ما يمثل كرمز للتلاشي الكوني وللفراغ الوجودي الذي يهدد الإنسان حين يفقد المعنى. ليس صدفة أن يكون الصوت الأول الذي يعلنه الساعي سيلفر سيرفرك: “أنتم لستم مركز الكون، أنتم ذرات في غبار”، ويضعنا هذا التصريح في مواجهة مباشرة مع العدم.
يعتمد الفيلم من الناحية البصرية على تصميم مشهدي متقن يعيد توجيه العين نحو عالم باذخ الألوان والتفاصيل. وتنبض الأزياء بمزيج من أجواء الستينيات ونبض المستقبل. ويُجسد الديكور انفجار المخيلة ضمن هندسة محكمة الإضاءة تصنع فضاء مزدوجا أحدهما داخلي، ليعكس صراعات الأنا والآخر بإيقاع خارجي يضخّم الشعور بالحتمية الكونية. ولا تُستخدم زوايا التصوير لتعزيز الإثارة وإنما لطرح أسئلة وجودية من نحن إذا كنا نُرى دوما من الأعلى من يراقبنا؟ ومن يحكم اللعبة؟ في أحد المشاهد يجلس الفريق داخل مركبة تشبه رحما تكنولوجيا محاطين بضوء أزرق خافت ويقول ريد: “لو أن هذا هو المستقبل فربما لم نكن مستعدين له أبدا”. الصورة هنا لا توضح الصورة هنا بقدر ما تربك وتُنتج نوعا من التوتر بين الرؤية والفهم؛ وهو ما يجعل الفيلم أقرب إلى السينما التأملية من أن يكون مجرّد منتج جماهيري.
وعلى الرغم من أن الفيلم يقع ضمن قلب الإنتاج الضخم فإنه يتخذ منحى سرديا وفنيا يتحدى المسلمات التجارية لا يقدم قتالات من أجل القتال وإنما كل لحظة حركة هي لحظة قرار، وكل انفجار بصري يخفي تحته سؤالا وجوديا.. ومع ذلك، فإن الفيلم يحقق حضورا قويا في السوق البوسترات مصممة بعناية الموسيقى ترتبط بعاطفة جماعية والممثلون مختارون بدقة ليخاطبوا شرائح متعددة من الجمهور. وهكذا، يثبت الفيلم أن الصناعة لا تلغي المعنى، وأن التسويق يمكن أن يكون حاملا لأسئلة عميقة.
وفي عالم يزداد اضطرابا يعود فريق Fantastic Four ليطرح من خلال خطواتهم الأولى أسئلة كونية تتجاوز لعمق الشاشة؛ فهو فيلم لا يمنح خلاصا ولا ينتج يقينا لكنه يفتح الباب لتأملات تتداخل فيها الذوات والتواريخ والانهيارات. إنه فيلم يحمل مفارقة جوهرية كيف يمكن للخيال أن يكون أكثر صدقا من الواقع، وكيف للترفيه أن يوقظ فينا دهشة الأسئلة الأولى في مشهد يهمس جوني ستورم في مشهد مؤثر وهو يرى الأرض: “من بعيد نحن نحترق لنُضيء لكن من يُضيء لنا؟”، بهذا السؤال ينهي الفيلم رحلته ويفتح داخل كلّ مشاهد رحلة أخرى لا تقل احتداما عن تلك التي تجري داخل الشاشة.
وُلِد الأبطال في هذا الفيلم من التناقض بين الجسدي والمفاهيمي بين الواقع والخيال، بين الرغبة في الفهم والخوف من التورط في المعرفة. وقد تألّف الفريق من أربعة أشخاص مختلفين في الطبيعة والطباع اجتمعوا في مركبة علمية لاستكشاف عالم مجهول، فعادوا منه محمّلين بقوى غريبة لا يمكن احتواؤها ولا إيقافها. ويقدّم ريد ريتشاردز في مقدمة المشهد بوصفه العقل المحرّك للبنية العلمية والرمز الذي حمل الحلم المعرفي نحو أبعد نقطة في الوجود. ويتميّز بقدرة على التمدد الجسدي، ليعكس امتداده الفكري وقدرته على احتواء المعادلات والفرضيات والاحتمالات دون حدود. وهو يقود الفريق بحذر وشك وظلّ طوال الفيلم. ويراجع قراراته تحت ضغط الذنب والإرادة في آن واحد معبرا عن صراعه الداخلي قائلا: “لا يمكن لعقلي أن يعود إلى حجمه القديم بعد ما رأى وسأل نفسه”، وفي مشهد آخر يقول: “هل ما زلت أنا أم أنني تحوّلت إلى فكرة لا تتوقف”.
واجهت سو ستورم التجربة من بوابة الحس الداخلي والحدس الأنثوي المُركّب، وعاشت ما بعد الانفجار بشفافية وجودية حرفية وغامضة. وتحوّلت إلى طيف قادر على الاختفاء والاختراق، وتمثلت قوّتها في تفجّر غير مرئي يعكس الصدمة والحدّ بين الحضور والغياب. كما حملت على عاتقها همّ تماسك الفريق في لحظات انكساره، وسعت إلى حماية من حولها بينما كانت تواجه انمحاءها الذاتي. وتساءلت في لحظة حزن لماذا أصبح وجودي مرئيا فقط حين أختفي وجاء حضورها ليُظهر أن الهشاشة يمكن أن تكون سلاحا عندما تنبع من فهم داخلي للزمن والمكان والذات.
وأشعل جوني ستورم نيران الفيلم من الداخل ومن الخارج عاش مغامرا بحس طفولي سريع الاشتعال مفعم بالحياة والخطر. وتحوّل إلى كتلة من اللهب تشق السماء وتضيء الظلمة عبّر عن قوته كمن لا يخشى السقوط لكنه لا يجد مكانا للثبات قال وهو يحلّق فوق المدينة: “أنا حُرّ لأني لا أملك وزنا يربطني بشيء”. وكان حضوره انفجارا دائما من الطاقة النقية التي تضيء الآخرين؛ لكنها تحرقه من الداخل، فقد واجه محنة التوازن بين من يريد أن يعيش بلا قيود ومن يحتاج أن يشعر بالارتباط.
وجسّد بين غريم مأساة التحول الجسدي الأقصى، وهو تحوّل إلى صخرة حية يحمل ملامح إنسانية مشروخة خلف سطح صلب. وكان أكثر الشخصيات وعيا بفقدان الشكل البشري وأكثرهم إحساسا بالاغتراب متجولا في المدينة يحمل جسده كعبء ويتلقى نظرات الناس كطعون ظلّ يسأل نفسه: “من أكون حين لا يراني أحد؟”، كما كنت عبّر عن جرحه بصوت منخفض وقال هذا العالم: “لا يسع قلبا داخل حجر مثلي”. ومثّل حضوره علامة استفهام حول معنى القبول والانتماء في عالم لا يتسع لِما لا يُشبهه.
وأعادت الشخصيات تعريف البطولة من موقع التجربة لا من قوالب البطولة المعتادة ظهر ريد كعالم يسير على حد السكين بين الأمل والفقدان تحرّكت سو كظل يلمّ شتات الجماعة تألق جوني كنجم يحترق ليضيء لغيره وتألم بين كصخرة تهوي ببطء نحو قلبها.
تحدّدت علاقة الأبطال بالمكان بطريقة مركبة توزعت بين مختبرات مغلقة ومجالات كونية مفتوحة تفاعلت مواقع الفيلم مع حالاتهم النفسية، وأعادت تشكيلهم مع كل انتقال شكّل المختبر نقطة الانطلاق والعودة والحيرة مكانا مملوءا بالمستقبل؛ لكنه مشبع بالندم حمل جدرانه تواريخ التجارب وارتداد الخطأ وسقفُه ظلّل معضلة المعرفة والسيطرة.
وتحرك الأبطال أيضا داخل المدينة حيث تجسّدت الفجوة بين الإنسان العادي والقدرة الخارقة عاشوا في الشوارع كغرباء، رغم كونهم منقذين تنقّلوا بين أسطح الأبنية وأنفاق البحث ومختبرات الزمن وكأنهم يبحثون عن موقع رمزي يمنحهم اسما داخل خريطة اجتماعية لا تعرف كيف تحتضنهم تحوّل المكان إلى مرآة للأفكار الكامنة والمشاعر المدفونة وتعكس تغيّره مع تغيّرهم.
وحملت أماكن المواجهة بعدا بصريا يعمّق المعنى الوجودي للحرب مع جالاكتوس وسيلفر سيرفر لم تكن المعركة تدور على أرض ملموسة وإنما في فضاء هش تتطاير فيه الجزيئات كما تتناثر القيم واجه الأبطال خصما لا يُهزم بالقوة بل بالفهم وقال ريد في لحظة حاسمة: “هذا الكائن لا يريد تدميرنا لأنه يكرهنا؛ بل لأنه لا يرى أننا موجودون”. وتم تصوير هذا الصراع كأنه صراع الوعي الإنساني ضد اللامبالاة الكوني، وضد الفراغ وضد غياب الاعتراف.
وتحوّلت مواقع الفيلم إلى رموز كل موقع يحوي شظايا من الأسئلة، وكل جدار يحمل صدى قرار، وكل بوابة تُفتح لتكشف عن مأزق جديد. ولم يكن المكان محايدا بل فاعلا يحمل الأبطال ويدفعهم ليعيدوا تقييم مواقفهم. وقد جاءت لحظة المواجهة النهائية في فضاء بين النجوم كأنها صرخة ضد التلاشي ورغبة في منح الحياة معنى أمام اتساع الفناء قال جوني وهو يتجه نحو سيلفر سيرفر: “إن احترقت لأجلكم، فلتتذكّروا أن النار كانت ضوءا لا لعنة”.
قدّم فيلم “الأربعة الخارقون.. الخطوات الأولى” رؤية للبطل بشكل يتجاوز نموذج الخارق التقليدي، حيث ركّز على هشاشته المعنوية وتعقيد دوافعه وتعامل مع القوة بوصفها محنة أكثر من كونها امتيازا. وانكشفت في مواقفه تناقضات الحداثة نفسها حيث سعى إلى تسخير التكنولوجيا للخير، فوجد نفسه يصارع تداعياتها. ولم يحاول هذا البطل فرض نفسه على زملائه؛ لكنه لم يستطع التراجع عن مكانته المركزية في الفريق. وعبّر في أكثر من موقف عن شكّه في قدرته على مواصلة المهمة حين قال: “ربما أنا المشكلة التي أحاول حلّها”.
ورافق التوتر الداخلي للبطل توتر خارجي فرضه العالَم الذي يعيش فيه. وجسّد الفيلم أبعادا اجتماعية حادة، حيث تم عرض العلاقة بين الأبطال والمجتمع من خلال عدسة مشوهة للجمهور الذي لا يعرف كيف يتعامل مع منقذيه. وأظهر الإعلام كقوة مزدوجة تحتفي بالأبطال وتدمرهم في آن واحد تحرك الفريق داخل بيئة لا تحتمل الفشل، رغم أنها غير قادرة على الفهم. وتبين أن البطل لم يكن في معركة ضد الشر فقط بقدر ما كان في مواجهة دائمة مع الوعي الجمعي المتقلب الذي يطالب بالمعجزات ويرفض ثمنها.
وتمت ملامسة الأبعاد السياسية من خلال طرح علاقة الفريق بالحكومات والسلطات، حيث وُضعت قرارات الفريق موضع مساءلة من قبل ممثلي القوة الرسمية. وصُوّرت السلطة السياسية كمؤسسة قلقة من أبطال يخرجون عن الرقابة. وقد عبّر الفيلم عن صراع واضح بين المنقذ الحر والدولة التي لا تحتمل الحرية الخارقة. وأثار هذا التوتر تساؤلات حول شرعية التدخلات الكونية والحدود الأخلاقية للعلم والتكنولوجيا. وجاءت هذه الإشكالية في حوار على لسان أحد المسؤولين حين قال: “أنتم تفعلون ما نخشاه، وندّعي أننا نريده”.
وكشف الفيلم أيضا البعد الاقتصادي من خلال التأمل في مفهوم القيمة كيف يمكن أن تصبح البطولة منتجا يُباع وتُدار قصصه عبر المنصات الإعلانية. وتم تصوير الفريق في مرحلة من الأحداث كجزء من حملة تسويقية فرضها ضغط الرأي العام. وظهر البطل متعبا من استهلاكه بوصفه رمزا تساءل في مشهد داخلي: “من يخبرنا كيف نكون أبطالا دون أن نتحول إلى علامات تجارية؟”. وشكّل هذا التساؤل محورا لانتقاد العلاقة بين الصورة والجوهر في مجتمع رأسمالي يبتلع المعاني ويعيد إنتاجها كشعارات.
وجاء البعد النفسي مركزا بعمق على التمزقات الداخلية للبطل وصراعه مع ذاته عاش قلقا دائما بين ما يتوقعه الآخرون وما يشعر به في لحظاته الخاصة انغلقت شخصيته على حوارات داخلية تغذيها الشكوك وتنخرها المسؤولية. وغلب على سلوكياته الانطواء والعزلة رغم حضوره الفاعل، واتضح أن القوة لم تمنحه الأمان؛ بل جعلته أقرب إلى الحافة. وتكررت لحظات التأمل التي تكشف انهيار صموده كقوله في لحظة شرود “أن تعيش في عاصفة لا يعني أنك تتحكم في اتجاهها”.
وتجلّت الأبعاد الجمالية في اللغة البصرية التي احتوت البطل داخل ألوان باردة مع طغيان اللون الأزق بتدرجاته وهندسة مشهدية دقيقة رُسمت زوايا التصوير بطريقة توحي بالعزلة، على الرغم من وجود الشخصيات في مجموعات أُحيط البطل بإضاءة تعكس تموجات حالته النفسية. واستُخدمت المؤثرات الخاصة لتكثيف الإحساس بالتيه واللايقين. وبدا المشهد البصري كأنما يعيد تأليف الواقع من داخل قلق البطل وصمته وحيرته وتحولاته المتكررة. وجاءت الموسيقى مرافقة إلى لحظات الشك والتشظي، وشكّلت جسدا سمعيا لحالة البطل الوجودية.
واجه الفيلم انتقادات متعددة رغم نجاحه الجماهيري، وركّزت بعض الأصوات النقدية على النغمة القاتمة التي اتسم بها العمل. واعتبرت أن الطرح الفلسفي خفف من تماسك القصة بالنسبة لجمهور يبحث عن حبكة تقليدية. ووجّهت انتقادات أخرى إلى البطء السردي في منتصف الفيلم، واعتبرت أن التعمق في بعد البطل النفسي أضعف التوازن مع الشخصيات الأخرى.. ورغم ذلك اعتبر كثيرون أن تقديم بطل معقّد ذاتيا يعد خطوة جريئة في مشهد سينمائي يميل إلى التبسيط، حيث قدّم ريد ريتشاردز نموذجا إنسانيا تتفوق هشاشته على عضلاته وتتفوق شكوكه على انتصاراته.
لامس الفيلم مفاهيم تتعلق بالبطولة في زمن الرقابة والمراقبة أظهر أن البطل لم يعد محميا من الانكشاف، وأن صورته معرضة للتشويه من الداخل والخارج أطلق الفيلم حوارات صادمة حول معنى التضحية وعبء المعرفة قال ريد في لحظة اعتراف: “لم أعد أعرف إن كنت أحمي العالم أم أُبقيه حيا ليموت بطريقة أبطأ”. وفجّرت هذه الجملة كل الهالة التي تحيط بمفهوم المنقذ، وكشفت أن البطولة لا تقوم على اليقين؛ بل على مجاهدة متواصلة في قلب الفوضى.
شكّل الفيلم حالة خاصة ضمن سينما الأبطال الخارقين لأنه لم يقدّم إنقاذا خالصا ولا نهايات مرتبة بقدر ما اختار عرض القلق الإنساني في أسمى حالاته مجسّدا في عقل عبقري وروح تائهة انطلقت الشخصية من حلم واصطدمت بواقع وتحوّلت إلى سؤال مفتوح على أزمنة متعددة.