آخر الأخبار

اليوم الأممي للتعاون بين دول الجنوب يبرز مبادرات المغرب الأطلسية- الإفريقية

شارك

بمناسبة اليوم الأممي للتعاون بين بلدان الجنوب، الذي يُحتفل به اليوم، يبرز المغرب كفاعل محوري يسعى إلى إعادة صياغة مفهوم الشراكات جنوب–جنوب التي التزم دستورياً بتقويتها، فمبادراته المرتبطة بالفضاء الأطلسي تعكس، حسب مهتمين، إدراكًا إستراتيجيًا عميقًا لتحولات النظام الدولي وتوجهًا نحو هندسة نموذج جديد من التعاون بين دول الجنوب عبر إقران المبادرات التي يطرحها ببرامج تنموية تخدم مصالح وطموحات شعوب الجنوب، خاصة الإفريقية.

وتسعى الرباط من خلال مبادرتها ومشاريعها العديدة، ومن ضمنها مبادرة تمكين الدول الساحلية الحبيسة من الولوج إلى الفضاء الأطلسي ومشروع أنبوب الغاز الأطلسي (نيجيريا-المغرب)، إلى جعل التعاون جنوب–جنوب أداة للمساهمة في إعادة توزيع النفوذ العالمي وتشكيل موازين القوة الدولية من منظور أكثر عدالة وإنصافًا، من خلال جعل الفضاء الأطلسي أيضًا جسراً بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبالتالي تحويل أنماط التعاون التقليدي إلى مشروع إستراتيجي شامل، يضع المغرب في قلب قيادة أجندة الجنوب ويعزز دوره كقوة اقتراحية ومُبادِرة في هذا الشأن.

رؤية يعكسها ما عبر عنه المغرب على لسان وزير خارجيته، أمس الخميس، خلال افتتاح أشغال الخلوة رفيعة المستوى التي نُظمت بالرباط حول مستقبل العلاقات الأورو-متوسطية، حيث أكد المسؤول الدبلوماسي ذاته أن المملكة ترفض التعامل مع دول الجنوب بمنطق المانح والممنوح أو التلميذ والأستاذ، مشدداً على أن “المغرب لم يعد يريد أن يُعامل الجنوب كإطار هامشي ضمن برنامج أوروبي، بل كنصف ثانٍ من فضاء يجب أن يُبنى معًا”.

فهم عميق ونهج جيو-سياسي

البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “مبادرات المغرب بخصوص الفضاء الأطلسي الإفريقي تستند إلى فهم عميق للتطورات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، إذ ترى الرباط في القارة الإفريقية محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي والأمن الإقليمي، وأن تعزيز الروابط بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي يفتح آفاقًا واسعة للتكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة”، وزاد: “كما تهدف المبادرة إلى مواجهة التحديات الأمنية والإنسانية في منطقة الساحل، من خلال توفير منفذ بحري للدول غير الساحلية، ما يقلل من هشاشتها ويعزز استقرارها، ويخدم سياسة المغرب في الجنوب، خاصة في محيطه الجيوسياسي القريب”.

وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التوجه يعد تجسيدًا للدبلوماسية الاقتصادية المغربية، التي تسعى إلى بناء شراكات إستراتيجية على أساس مبادئ التعاون جنوب-جنوب، بحيث لا يقتصر الأمر على تبادل المساعدات، بل يتعداه إلى إقامة الاستثمار المباشر المشترك في البنية التحتية الحيوية، ما يؤسس لنموذج تنموي يعزز السيادة الوطنية للدول الإفريقية ويضمن لها التحكم في مسارها التنموي”، مشددًا على أن “هذا الإطار المبتكر يعزز من قدرة الدول على تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، من خلال تبادل الخبرات والممارسات الفضلى، ما يرسخ الاستقرار ويعيد تشكيل خريطة النفوذ في المنطقة لصالح شعوب الجنوب”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “هذه المبادرات المهيكلة تتجاوز البعد التنموي لتقدم تأمينًا فعليًا للمبادرات السياسية التي يطرحها المغرب، الهادفة إلى تحقيق السلام الشامل والاستقرار المستدام في المنطقة، كمقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية؛ فبناء شبكة من المصالح الاقتصادية المشتركة والترابط اللوجستي يجعل دول المنطقة أكثر وحدة ومنعة في مواجهة الأجندات الانفصالية التي تسعى إلى زعزعة الأمن الإقليمي”، مبرزًا أن “هذه المقاربة تثبت أن الرؤية الملكية، باعتبار التنمية والازدهار الاقتصادي أفضل حائط صد ضد محاولات التقسيم والتفتيت، تؤكد أن مستقبل المنطقة يكمن في التعاون والتكامل، لا في دعم مقومات الصراع وزرع بذور الانفصال”.

وأوضح الخبير الدولي ذاته أن “المبادرات الإقليمية المغربية تتميز بكونها تؤسس لنهج جيوسياسي جديد يتجاوز الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي، إذ تبتعد عن الاجتماعات الدبلوماسية والأوراق البحثية والنظريات النمطية، وتتجه نحو التطبيق العملي، على عكس المبادرات التي قد تفرضها قوى خارجية؛ إذ يقوم هذا الإطار على التعاون جنوب-جنوب الحقيقي، مستندًا إلى مبادئ الشراكة والشمولية، حيث يؤسس لنموذج تنموي يشرك كافة الدول المطلة على المحيط الأطلسي، ويمنح الأولوية أيضًا للدول غير الساحلية”.

وذكر البراق أن “المبادرات المغربية تعد نموذجًا فريدًا لتأهيل دول الجنوب، يساهم المغرب من خلالها في تحويل المحيط الأطلسي من مجال نفوذ تقليدي للقوى الشمالية إلى فضاء إستراتيجي يخدم مصالح دول الجنوب، وذلك عبر إرساء ريادة إقليمية قائمة على التعاون جنوب-جنوب، وتقديم نموذج تنموي بديل، يبتعد عن العلاقات التقليدية القائمة على التبعية ويؤسس لشراكات متكافئة”، معتبرًا أن “المملكة تعمل من خلال هذه الرؤية الشاملة على قيادة أجندة الجنوب في المنطقة الأطلسية وتوحيد الأجندات الإفريقية المشتركة”.

وخلص المتحدث إلى أن “هذه المبادرات تمكن المغرب من ترسيخ مكانته كقوة فاعلة ورائدة على الساحة الدولية؛ فمن خلال تقديم نموذج ناجح يُحتذى به يصبح البلد مرافعًا دوليًا عن قضايا الجنوب، ويعزز من قدرته على التأثير في المنظمات الدولية كصوت مؤثر يمثل مصالح القارة الإفريقية بأسرها”.

منافذ جديدة وتصور اندماجي

من جانبه أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “المبادرات المغربية في الفضاء الأطلسي تنبع من إدراك دقيق لتحولات النظام الدولي، حيث لم تعد إفريقيا مجرد هامش جغرافي، بل تحولت إلى ساحة تنافس إستراتيجي مفتوح بين القوى الكبرى”، وزاد: “من هذا المنطلق يقرأ المغرب الأطلسي باعتباره رئة جيوسياسية لإفريقيا، قادرة على إعادة توزيع النفوذ والموارد، وإيجاد منافذ جديدة للدول الحبيسة في الساحل نحو التجارة البحرية العالمية”.

وأضاف معتضد أن “خطابات الملك محمد السادس تضع هذه المبادرات في إطار رؤية متكاملة تتجاوز منطق التبعية للمنظومات التقليدية التي تدار من الشمال، إلى بناء فضاء تفاعلي يعبر عن الإرادة الإفريقية نفسها”، مبرزًا أنه “إلى جانب البعد الاقتصادي تحضر خلفية أمنية واضحة في هذه المبادرات، ذلك أن الأطلسي هو بوابة أمام تهديدات متشابكة من الإرهاب العابر للحدود والقرصنة البحرية والهجرة غير النظامية، وبالتالي فإن المبادرات المغربية تعكس فهمًا بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يُبنى دون إطار مؤسساتي للتعاون البحري والأمني والطاقي”.

وسجل المصرح لهسبريس أن “الرؤية الأطلسية المغربية لا تنطلق من منطق دفاعي أو إقليمي ضيق، بل من تصور اندماجي واسع يربط الساحل والداخل الإفريقي بالمحيط الأطلسي ككل؛ فبينما تظل أغلب الأطر الإقليمية حبيسة تقسيمات جغرافية أو لغوية (الإيكواس، الاتحاد المغاربي، الكوميسا)، يسعى المغرب إلى كسر هذه الحواجز عبر مفهوم جغرافي–إستراتيجي أكثر شمولًا، بما يجعل الأطلسي منصة للتلاقي بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية أيضًا، لا مجرد فضاء إفريقي صرف”.

وتابع المتحدث نفسه بأن “المبادرات التقليدية غالبًا ما تُدار بإملاءات مانحين خارجيين أو تظل مرتهنة بالبيروقراطية الإقليمية، بينما يطرح المغرب رؤية يقودها الجنوب لصالح الجنوب، تستند إلى شرعية سياسية (خطاب ملكي) والتزام دستوري بتعزيز التعاون الإفريقي”، مشددًا على أن “هذا البعد السيادي والاستباقي يعطي المشروع المغربي طابعًا غير تقليدي، يعكس طموحًا إلى صناعة المبادرة لا مجرد التفاعل مع ما يطرحه الآخرون”.

وأبرز الباحث عينه أن “التحول الذي يقترحه المغرب يقوم على إعادة تعريف الأطلسي بما يتجاوز مجرد خط تماس استعماري قديم بين أوروبا وإفريقيا، ليصبح مسرحًا لمصالح مشتركة جنوبية، إذ تسعى الرباط إلى تأطير هذا التحول ضمن مؤسسات وآليات جماعية، مثل الدعوة إلى إنشاء منتديات وزارية أطلسية إفريقية؛ فعبر هذه القنوات يتحول الخطاب إلى ممارسة، بحيث تصبح دول الجنوب شريكًا مؤسسًا في صياغة قواعد النظام البحري والاقتصادي في الأطلسي، أي إن الأمر يتعلق بمحاولة لكتابة قواعد اللعبة من جديد، بدل الانخراط في قواعد صيغت سلفًا من طرف القوى الشمالية”.

وشدد معتضد على أن “هذه الرؤية تمنح المغرب رأس مال دبلوماسيا جديدا، يمكنه من أن يتحدث باسم تكتل إفريقي–أطلسي قيد التشكل، لا كدولة منفردة”، موردا: “في الأمم المتحدة مثلًا، حيث الصراع على الشرعية والتمثيل في قضايا مثل التغير المناخي والهجرة أو الأمن البحري، سيكون للمغرب ثقل إضافي باعتباره وسيطًا وصوتًا جامعًا لمصالح الجنوب”، ومعتبرًا أنه “في لحظة تتسم بتراجع الثقة في مؤسسات التعددية القطبية يقدم المغرب نموذجًا ملموسًا لرؤية جنوبية قادرة على خلق فضاء إستراتيجي جامع، وهذا يرسخ صورته كفاعل في العلاقات الدولية، أي دولة تساهم في إنتاج معايير جديدة للتعاون، وهو ما يرفع وزنه داخل المنظمات متعددة الأطراف، سواء الإفريقية أو الأممية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا