آخر الأخبار

المغرب وروسيا يرفعان دينامية التعاون قبل رئاسة موسكو مجلس الأمن

شارك

في خضم النقاشات الأممية المتواصلة بحثا عن تسوية نهائية لنزاع الصحراء المغربية اكتست المباحثات الهاتفية بين وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، أهمية خاصة، لكونها تأتي قبل أسابيع قليلة من تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال أكتوبر المقبل، وفي سياق الاستعداد لأول قمة روسية عربية ستُعقد في موسكو يوم 15 أكتوبر المقبل، بمشاركة ممثلين عن الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى دول شرق إفريقيا الأعضاء في جامعة الدول العربية.

وشدد الوزيران خلال المكالمة على ضرورة تعزيز التعاون الثنائي بين المغرب وروسيا، والبناء على الشراكة الإستراتيجية الموقعة سنة 2016، التي أضفت بعدا جديدا للعلاقات بين البلدين، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي والثقافي، مؤكّدين الإرادة المشتركة لتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التنسيق الإستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي.

وتأتي هذه المبادرة الدبلوماسية في وقت يستعد مجلس الأمن الدولي لفتح نقاش حاسم حول مستقبل المسار السياسي للصحراء المغربية، وسط توقعات بتركيزه على سبل دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي بدأت تحظى باعتراف وإجماع متزايد من القوى الدولية، باعتبارها الإطار الأكثر واقعية وقبولا لإنهاء نزاع طال لأزيد من خمسة عقود.

ويرى مراقبون أن الموقف الروسي المتوازن يعكس الطبيعة البراغماتية التي تتبعها موسكو في سياستها الخارجية، إذ تسعى إلى حماية مصالحها في منطقة شمال غرب إفريقيا، والحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع المغرب، مع مراعاة ضرورة دعم الاستقرار الإقليمي وتجنب أي انزلاق نحو تصعيد النزاعات القديمة، وهو ما ينسجم مع التحركات الروسية المرتقبة على صعيد القمة العربية في موسكو.

ويؤكد خبراء أن هذه المحادثات تعكس نجاح الدبلوماسية المغربية في ترسيخ مكانة المملكة كشريك موثوق لدى موسكو، بما يعزز فرص صدور قرارات أممية عملية تدعم مبادرة الحكم الذاتي، وتساهم في طي صفحة نزاع طويل الأمد، وتؤكد الدور الفاعل للمغرب في معالجة القضايا الإقليمية وفق مقاربات سياسية واقعية ومستدامة، مع الاستفادة من الحوار والتنسيق الإقليمي المرتقب خلال القمة الروسية العربية.

التعاون الثنائي

عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، قال إن المحادثات الهاتفية بين وزيري خارجية المغرب وروسيا الاتحادية “تعكس عودة الدينامية إلى العلاقات الثنائية، بعدما طبعها قدر من الاستقرار خلال السنوات الأخيرة”، مشيرا إلى أن “هذا التطور يعكس رغبة واضحة في الارتقاء بمستوى الشراكة بين البلدين”.

وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الاتفاق على عقد اللجنة العليا المشتركة يمثل مؤشرا قويا على وجود إرادة متبادلة لتوسيع مجالات التعاون، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها روسيا، وهو ما يجعل للمغرب مكانة متقدمة في حسابات موسكو الإستراتيجية”.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض أن “تحسن العلاقات الثنائية ستكون له انعكاسات متعددة، ليس فقط على المستويين الاقتصادي والثقافي، وإنما كذلك على القضايا السياسية ذات البعد الإقليمي، وفي مقدمتها نزاع الصحراء المغربية”، مبرزا أن “روسيا تدرك أهمية استقرار المنطقة وضرورة تبني حلول واقعية ومتوافق عليها”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “موقف موسكو ظل متسما بالاتزان، إذ لم تعترف قط بالكيان الانفصالي رغم استقبالها وفود البوليساريو، وحرصت في المقابل على دعم جهود الأمم المتحدة في البحث عن تسوية سياسية مقبولة من الأطراف كافة”، معتبرا أن “هذا الخيار يعزز وجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي”.

وكشف المحلل السياسي نفسه أن “التواصل الدبلوماسي الراهن يعكس نجاح المملكة في ترسيخ موقعها كشريك موثوق لدى موسكو، بفضل توجيهات الملك محمد السادس، واستمرار تنويع الشراكات الدولية للمغرب”، قبل أن يختم حديثه بالتأكيد على أن “التنسيق مع روسيا في هذه المرحلة الدقيقة يعزز فرص بلورة قرار أممي أكثر واقعية، يفتح آفاقاً جديدة لتسوية نزاع الصحراء المغربية”.

واقعية موسكو

من جانبه يرى أبا شيخ باعلي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن المباحثات الهاتفية بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الروسي سيرغي لافروف تكتسي أهمية مضاعفة، بالنظر إلى السياق الدولي الراهن الذي يسبق تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال أكتوبر المقبل.

وأوضح باعلي، ضمن إفادة لهسبريس، أن هذا المعطى يضع المغرب في موقع قوة، على اعتبار أن موسكو باتت تنتهج سياسة خارجية براغماتية تُعلي من المصالح الإستراتيجية على حساب الاصطفافات الإيديولوجية، ما يجعلها حريصة على الحفاظ على توازن علاقاتها مع كل من الرباط والجزائر دون انحياز مطلق.

وأورد الخبير في نزاع الصحراء أن قوة الدعم الدولي المتزايد للمبادرة المغربية بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا يدفع روسيا إلى تكييف مواقفها بما يحفظ مصالحها في شمال غرب إفريقيا، وهي منطقة بدأت موسكو تُعزز حضورها فيها، خاصة في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وأكد المتحدث ذاته أن روسيا تدرك قوة امتداد المغرب ونفوذه في هذه الرقعة، مقابل توتر علاقات الجزائر مع عدد من هذه الدول، ما يجعل موسكو في حاجة ملحة إلى الرباط؛ وهو ما يُفسر انتظار الدبلوماسية المغربية من روسيا، كعضو دائم في مجلس الأمن، دعما واضحا وغير مشروط للمبادرة المغربية باعتبارها حلا واقعيا ودائما.

وتابع باعلي: “إن الرهان الجزائري على استمالة روسيا لإعادة طرح مقاربات قديمة داخل مجلس الأمن يصطدم بواقع جديد؛ فموسكو لم تعد تراهن على خيار الاستفتاء، وأظهرت من خلال تصويتها على القرارات الأممية منذ أواخر التسعينيات ميلا إلى دعم مقاربة سياسية متوافق عليها تراعي استقرار المنطقة وتحفظ سيادة الدول؛ كما أن تعزيز المغرب شراكته الإستراتيجية مع روسيا منذ الزيارة الملكية إلى موسكو سنة 2016 جعل الحوار الثنائي أكثر رسوخا وضمانا لتقارب المواقف حول قضايا إقليمية ودولية”.

وبخصوص تحركات الجزائر الأخيرة أكد المحلل نفسه أنها تسعى إلى استغلال رئاسة موسكو المقبلة لمجلس الأمن لإحياء أطروحة الانفصال؛ غير أن التحولات العميقة التي طرأت على السياسة الروسية تجعل هذا الطموح بعيد المنال، لافتا إلى أن “روسيا رغم استقبالها وفود جبهة البوليساريو لم تعترف قط بما تسمى ‘الجمهورية الصحراوية’؛ وهو ما يترجم إدراكها واقعية مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي يحظى بدعم متنام من قوى دولية مؤثرة ويشكل الإطار الأكثر جدية ومصداقية لتسوية النزاع”.

واسترسل عضو الكوركاس بأن رئاسة روسيا مجلس الأمن لن تفضي إلى أي تحول جوهري في موقفها المتوازن، بل ستُكرّس الحاجة إلى مقاربة عملية تستند إلى الواقعية السياسية، وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، مشددا على أن “المغرب مدعو في هذه الظرفية الدقيقة إلى تكثيف تنسيقه الدبلوماسي مع موسكو وتعزيز تحالفاته الدولية، لضمان صدور قرار أممي يُعزز الدينامية الحالية نحو طي صفحة نزاع عمر لعقود طويلة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا