مع اقتراب موعد مناقشة قضية الصحراء المغربية في مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر المقبل، تتسارع التحركات الدبلوماسية حول هذا الملف، الذي ظل سنوات محور اهتمام القوى الكبرى والأمم المتحدة، التي تسعى إلى بلورة مقاربة سياسية متوازنة تكفل الاستقرار الإقليمي وتمهد الطريق أمام تسوية دائمة للنزاع الإقليمي المفتعل.
وفي هذا السياق عقد مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية والشرق أوسطية، مسعد بولس، مباحثات ثنائية مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، جدد خلالها التأكيد على الموقف الأمريكي الثابت والداعم لمبادرة الحكم الذاتي “الحقيقي” تحت السيادة المغربية، باعتبارها الحل الواقعي والوحيد الكفيل بإنهاء النزاع.
وشكلت المحادثات بين بولس ودي ميستورا محطة أساسية لمناقشة أدوار بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، باعتبارها آلية استراتيجية لحفظ الاستقرار، إلى جانب بحث آفاق الدفع بالعملية السياسية الأممية نحو نتائج ملموسة، قبيل تقديم المبعوث الأممي إحاطته نصف السنوية أمام مجلس الأمن. وشدد بولس في هذا الصدد على أهمية التنسيق المستمر بين واشنطن والأمم المتحدة من أجل تهيئة الظروف المناسبة لسلام دائم يخدم استقرار المنطقة.
وتأتي هذه التحركات في الوقت الذي يزداد الرهان الدولي على الحل السياسي للنزاع، وسط إجماع دولي على واقعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كخيار جدي للتسوية. كما تعكس هذه المباحثات متانة التعاون بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، خصوصا مع اقتراب موعد المناقشات الأممية المرتقبة، التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة من المسار السياسي.
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، قال إن لقاء مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، يدخل في إطار عزم الولايات المتحدة على تثبيت موقفها القاضي بالاعتراف الصريح بمغربية الصحراء، وربط أي تصور للحل النهائي للنزاع المفتعل بالمقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية يتيح لسكانها تدبير شؤونهم بأنفسهم.
وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الجولة الجديدة من المبادرات الأمريكية في ملف الصحراء ما كانت لتقع لولا التزام واشنطن بالانخراط الدبلوماسي والسياسي والعملياتي في البحث عن حل سياسي عادل وقابل للتطبيق ومتفاوض بشأنه، يضمن عودة الصحراويين إلى أرضهم وإنهاء الصراع، بما يفتح الباب أمام تشجيع التعاون الإقليمي وإعادة تطبيع العلاقات بين مكونات المنطقة، في أفق دعم الحلول السلمية والتنمية المشتركة.
وأوضح أن تأكيد بولس على موقف الولايات المتحدة الثابت من النزاع، وإعلانه أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد، يدخل ضمن استراتيجية الخارجية الأمريكية الجديدة في إفريقيا، لاسيما شمالها، والرامية إلى إبداع طرائق سلمية لحل النزاعات، بالاستناد إلى قواعد القانون الدولي والممارسات الفضلى لتسوية الخلافات.
وأشار نائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية” إلى أن استقراء مسار الأمم المتحدة في قضية الصحراء المغربية يعزز قناعة المجتمع المدني باستحالة تحقيق نتائج ملموسة في ظل ضوابط عمل المنظمة الدولية والحياد السلبي الذي تنتهجه منذ عقود، مذكّرا بأن “مناورات الخصوم، وفي مقدمتهم الجزائر، ساهمت في إضعاف مسلسل التسوية عبر محاولات إغراق الجسم الانتخابي للاستفتاء، والتأثير على ساكنة الأقاليم الجنوبية، وإثارة القلاقل داخل المنتديات السياسية الدولية للنيل من الموقف المغربي القوي والمرتكز على الشرعية التاريخية والقانونية والدعم الشعبي”.
وأكد دعمه للجهود الأمريكية الرامية إلى إيجاد حل نهائي ينهي معاناة الصحراويين، منتقدا في الآن ذاته “تعنت الجزائر، واستمرار دعمها لتنظيم عسكري عنيف يرهن مستقبل الصحراويين بمصالح المؤسسة العسكرية الجزائرية”، لافتا إلى أن “التحركات الأمريكية تتجاوز مجرد إعادة التأكيد على موقفها الراسخ من النزاع لتشمل أيضاً مناقشة دور بعثة “المينورسو”، واختصاصاتها، وقدرتها على الصمود أمام التحديات الأمنية والاستراتيجية الراهنة، في الوقت الذي تبرز دعوات لبحث بدائل لهذه البعثة بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة”.
وأنهى الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن التحضيرات الجارية لمناقشة قضية الصحراء خلال شهر أكتوبر المقبل ستتطرق ليس فقط لاستمرار عمل “المينورسو” بصيغتها الحالية، بل أيضاً لبحث بدائل جديدة، خاصة في ظل تزايد مبررات الإجماع الدولي حول مبادرة الحكم الذاتي المغربية لسنة 2007، وتنامي الاعتراف بمغربية الصحراء، وانخراط المجتمع الدولي في دعم حل سياسي عادل وواقعي. واعتبر أن “تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المرتقب لا يزال يفتقر إلى التحيين والشفافية والجدية في توصيف الانتهاكات والسياقات، وفي ترتيب المسؤوليات المرتبطة بالتحديات القائمة”.
من جانبه، يرى دداي بيبوط، فاعل سياسي وباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن الاستعدادات الجارية لعقد مناقشات رفيعة المستوى بمجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء في شهر أكتوبر المقبل، وما يرتبط بها من بحث مسألة تمديد ولاية بعثة “المينورسو” لفسح المجال أمام الجهود السياسية والدبلوماسية، دفعت الولايات المتحدة إلى استباق الحدث بعقد لقاء رفيع المستوى بين مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، لتجديد التأكيد على الموقف الأمريكي من النزاع، وترسيخ الاعتراف الواضح والصريح بمغربية الصحراء، والانخراط الفعلي في البحث عن حل عادل يستند إلى مقترح الحكم الذاتي.
وأضاف بيبوط، في إفادة لهسبريس، أن أبرز مبادرة لحل النزاع المفتعل منذ اندلاعه سنة 1975 تمثلت في انحياز الولايات المتحدة للشرعية التاريخية والقانونية التي تحوزها المملكة المغربية، من خلال دفاعها عن مغربية الصحراء، وترافعها عن مصالحها العليا، في اتساق تام مع مقتضيات القانون الدولي وقواعده، مبرزا أن “هذه القناعة راسخة لدى الصحراويين منذ فترة الاستعمار الإسباني، حيث دافعوا عن أرضهم بروح الانتماء للمملكة المغربية، وعبّروا عن وفائهم وبيعتهم الشرعية للملوك العلويين، ولولا التدخلات الخارجية التي غذّت مشاريع الانفصال لما كان لهذه المحاولات أن تستمر”.
وأوضح أن الجزائر سخرت إمكانات كبيرة، رفقة دول أخرى حليفة لها، بهدف اقتطاع جزء من التراب المغربي لإنشاء كيان يمنحها التحكم في جزء من المحيط الأطلسي ويعزز طموحاتها الإقليمية؛ غير أن هذا المسعى، يضيف، بدأ يتآكل تدريجيا بفضل قوة الدبلوماسية الملكية المغربية، المبنية على احترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وتسخير موارد المملكة لبناء الإنسان والمجال. وأكد أن “إعادة صياغة الأولويات الوطنية وفتح فضاءات جديدة للتحرك السياسي والاقتصادي والحقوقي، إلى جانب دعم المشاركة السياسية وتملك الإرادة للتصالح مع الماضي، مكنت المغرب من لعب دور نموذجي في مسار الانتقال الديمقراطي”.
ولفت بيبوط، من موقعه كمنتخب محلي يمثل ساكنة الأقاليم الجنوبية، إلى أن وقف إطلاق النار شكّل محطة أساسية فتحت الباب أمام تقييم ذاتي، ومكنت مختلف فئات الساكنة من التعبير بحرية عن رؤيتها لمستقبلها وحقوقها. لكنه اعتبر أن ذلك غير كاف لحل النزاع، مؤكدا أن “التجربة الحزبية والسياسية والاجتماعية للساكنة أكدت الحاجة إلى ممارسة مزيد من الضغط على الجزائر لحملها على الانخراط بإيجابية وحسن نية في جهود مجلس الأمن، والقبول بضرورة إحصاء ساكنة المخيمات لتحديد خياراتها وحاجاتها الإنسانية”.
وخلص إلى أن مخرجات لقاء مسعد بولس مع المبعوث الأممي تعزز اعتراف واشنطن الواضح بمغربية الصحراء، واعتبار الحكم الذاتي المنطلق الوحيد للحل، مشيرا إلى أن “النقاشات المرتقبة في مجلس الأمن يجب أن تنصب على دراسة مدى ملاءمة ولاية بعثة “المينورسو” وتدخلاتها مع المستجدات السياسية، والبحث في آليات أكثر واقعية لحل النزاعات سلميا بعيدا عن مشاريع التقسيم والتشرذم، التي أثبتت التجارب أنها محكومة بالفشل، خاصة في ظل تنامي الإرادة الشعبية والوعي الجماعي بقيمة الوحدة والعيش المشترك”.