يواصل حلم الهجرة غير النظامية مراودة الكثير من الشباب المغاربة والمهاجرين الأفارقة الحالمين بالعبور نحو أوروبا، حيث يمثل فصل الصيف مناسبة للمغامرة بالنسبة لهم، ومحاولة لتحقيق هدفهم. فيما تشدد السلطات المغربية مراقبتها، وتقوم بمطاردة الراغبين في الهجرة انطلاقا من سواحل مدن وأقاليم الشمال.
الجهود المبذولة، وفق مصادر مسؤولة بجهة طنجة تطوان الحسيمة تحدثت إليها جريدة هسبريس الإلكترونية، أكدت تراجع محاولات “الحريك” هذا الصيف مقارنة بالسنوات السابقة.
هذا الانطباع أو التصور الذي يتشكل لدى المسؤولين يجد صداه لدى الحالمين بالعبور السري نحو الضفة الأخرى. إذ رغم تحسن الظروف الجوية بالبحر الأبيض المتوسط وسواحل المحيط الأطلسي بالشمال، لم تكن الرحلات والمحاولات بالشكل المكثف الذي كان يميز السنوات السابقة.
محمد الرويمزي، واحد من شباب إقليم العرائش الحالم بالهجرة إلى إسبانيا، ويواصل منذ مدة البحث عن سبيل للعبور عبر ركوب أمواج البحر، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بهذه المغامرة.
يقول هذا الشاب البالغ من العمر 28 سنة: “كانت لي تجارب فاشلة سابقة، لكنها لم تمنعني من الرغبة في المحاولة مرة أخرى”، مؤكدا أنه لاحظ هذه السنة “قلة العروض والفرص لأن المراقبة مشددة”.
وأضاف الشاب، الذي بدا يائسا في حديثه مع هسبريس، “هذا العام جميع “الحريفية” يقولون إن الحراسة المشددة تمنعهم من تنظيم رحلات الحريك كما في السابق”، مبرزا أن الخيارات بدأت تضيق أمام أبناء الفقراء الحالمين بالهجرة.
وسجل أن هناك طرقا آمنة للهجرة من خلال عقود عمل يسوقها مهاجرون قدامى تصل قيمتها إلى حوالي 15 مليون سنتيم، وهو رقم “خيالي” لا يمكن لأبناء الأسر الفقيرة تقديمه مقابل الهجرة “المضمونة والآمنة”، على حد قوله.
التراجع الذي يجري الحديث عنه، يراه سعيد مشاك، الخبير في مجال الهجرة، غير قابل للقياس في أشهر معدودة، مؤكدا أن الهجرة السرية فعل دينامي مستمر “لا يمكن ضبطه بالأرقام إلا على مدار سنة أو سنتين”.
وأوضح مشاك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الموضوع والتأثيرات التي تطاله لها ارتباطات بالتدابير التي يتخذها الاتحاد الأوروبي، الذي اعتمد ميثاقا جديدا للهجرة واللجوء منذ ماي 2024، والذي سيدخل حيز التنفيذ في 2026.
وأبرز أن الميثاق الجديد يرسم بعض الأدوار لما يسمى بالدول الثالثة، عبر سلسلة من الأدوات الواضحة أو عن طريق “اتفاقيات تعاون تضمن فيها بندا حول التصدي للهجرة غير النظامية والمساهمة في مكافحتها. وبالنسبة للدول التي ترفض هذه البنود، هناك أنماط من الشراكات غير الرسمية وغير الخاضعة للرقابة الرسمية، والتي وقعت مع مصر وليبيا وتونس”.
وأضاف أن المغرب “لا يزال يتوفر على هامش للمناورة”، مشيرا إلى أن الموضوع “ليس بالبساطة التي يمكن أن يتصورها البعض؛ والحملات التي يقوم بها المغرب هي رسالة تبين حسن نيته في مكافحة الهجرة غير النظامية”.
واستدرك قائلا: “لكن في الوقت نفسه يؤكد المغرب أنه غير مستعد لقبول أي إملاءات يمكن أن تمس حقوق الإنسان أو تمس سيادة البلد”، مبرزا أن هذا النهج يعزز الموقع التفاوضي للمملكة مع الاتحاد الأوروبي عند دخول الميثاق حيز التنفيذ.
واعتبر مشاك التفاوض بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول موضوع الهجرة “مسألة لا مفر منها؛ ولكن هذا التفاوض يحتاج إلى شروط، لأن التفاوض من موقع قوة ليس هو نفسه من موقع ضعف”، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي تبنى مقاربة ردعية مباشرة لإيقاف حركة المهاجرين، وهي “انقلاب على حرية التنقل ومقاربة قمعية في مواجهة الهجرة تبين استمرارية استثمار أوروبا منذ 20 سنة في أنظمة سيئة”، وفق تعبيره.