كشفت دراسة أكاديمية جديدة، منشورة ضمن مجلة “Nature Communications”، أنجزها الباحثون يورغ شتولز وجون فيليب أنطونياتي من جامعة “لوزان”، ونان ديرك دي غراف من جامعة “أكسفورد”، وكونراد هاكيت من مركز “بيو” للأبحاث، تحت عنوان “المراحل الثلاث للانحدار الديني في العالم”، أن الشباب ما دون سن الأربعين في المغرب أقل تدينًا من الكبار من حيث مشاركتهم في طقوس العبادة وكذا أهمية الدين في حياتهم الشخصية.
واعتمدت الدراسة في إصدار نتائجها على استطلاعات شملت 111 دولة وإقليمًا في العالم، وعلى تسلسل مؤشرات “المشاركة-الأهمية-الانتماء” لقياس الفروقات بين الأجيال على هذا المستوى، الذي يفترض أن “الأجيال تتخلى أولًا عن الجوانب والممارسات الدينية التي تتطلب وقتًا وموارد أكثر، بينما يكون التخلص من الهوية الدينية أبطأ، إذ لا تكون بالضرورة مرهقة بالقدر نفسه”، بحسبها.
وأكدت الوثيقة ذاتها أن “التدين يميل إلى التراجع عبر الأجيال، ومع ذلك فإن انخفاضه يكون أكثر وضوحًا في بعض البلدان”، مردفة: “تختلف الجوانب التي يتناقص فيها الدين حسب السياق. لتفسير هذا التباين نقوم بتوسيع نموذج التحول العلماني العام، الذي يقترح أن الدول تمر بعملية علمنة مشابهة تبدأ في أوقات مختلفة، إذ يحدث هذا التحول على ثلاث مراحل: أولاً انخفاض المشاركة في الطقوس العامة، ثانيًا انخفاض أهمية الدين بالنسبة للأفراد؛ وثالثًا تخلي الناس عن الانتماء الديني”.
وأوضحت معدو الدراسة أن “الدين من المعروف أنه يتراجع في الدول الغربية، فيما يوفر نموذج التحول العلماني تفسيرًا نظريًا بارزًا لهذه الظاهرة، إذ يربط بين التحديث، وخصوصًا الابتكار المؤسسي والتكنولوجي، وانخفاض الوظائف الرمزية والاجتماعية للدين”، مضيفين: “ومع تقديم المؤسسات العلمانية حلولًا أكثر فعالية لمشكلات الحياة يفقد الدين أهميته الوظيفية. ويُفترض أن هذا التحول يحدث ليس بشكل أساسي عبر تخلي الأفراد عن الدين خلال حياتهم البالغة، بل عبر انهيار التواصل الديني بين الأجيال”.
وتابعت الوثيقة بأن “الدراسات السابقة التي اختبرت هذا النموذج ركزت على الدول الغربية ذات الأغلبية المسيحية، وأكدت أن الدول الغربية المختلفة تدخل التحول العلماني في أوقات مختلفة، وأن التدين الكلي يتراجع عبر استبدال الأجيال، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان نموذج التحول العلماني يمكن توسيعه ليشمل العالم غير الغربي والدول ذات الأغلبية غير المسيحية”.
إلى ذلك أشارت الدراسة إلى أن “الأجيال الشابة في معظم دول العالم تميل إلى أن تكون أقل تدينًا من الأجيال الأكبر سنًا، رغم وجود اختلافات لا تظهر دائمًا بشكل موثوق عند جميع مؤشرات التدين؛ فعلى سبيل المثال تظهر السنغال فجوات عمرية في المشاركة في الصلوات، لكن ليس في أهمية الدين أو الانتماء الديني، أما هولندا فلديها فجوات عمرية في الانتماء الديني فقط، والبرتغال عبر جميع المؤشرات الثلاثة، بينما لا تظهر دول مثل تنزانيا وكازاخستان أي فروق واضحة بين الأجيال في أي من هذه المؤشرات”.
وحول درجات “الانتقال العلماني” في القارات المختلفة أوضحت الورقة البحثية أن “قارات العالم تمر بمراحل زمنية مختلفة من العملية الكاملة لتسلسل مؤشرات ‘المشاركة-الأهمية-الانتماء’، فإفريقيا مازالت في البداية، وأمريكا وآسيا وأوقيانوسيا في منتصف الطريق، بينما أوروبا في مرحلة لاحقة”، مبرزة في الوقت ذاته أن “الدول الإفريقية متدينة جدًا ولا توجد دولة إفريقية تقترب من منتصف أو نهاية الانتقال العلماني؛ لذلك المستقبل وحده كفيل بالكشف عما إذا كانت هذه الدول ستخطو الخطوة الثالثة”.