عدّت دراسة حديثة أنه رغم الإرادة السياسية التي عبّر عنها المغرب للعناية بصحة المهاجرين، خاصة بعد كفل دستوره للأجانب المقيمين الحقوق الأساسية نفسها الممنوحة للمواطنين، وضمنها الحق في الرعاية الصحية، مازالت ثمّة تحديات عديدة مطروحة في هذا الجانب، في مقدمها “قصور التشريعات” ذات الصلة، و”عدم تطور” التكوين في طب المناطق المدارية والأمراض المستوردة، “بما فيه الكفاية”.
وذكرت الدراسة، المنشورة في مؤلف جماعي جديد، يحمل عنوان “دستور 2011: الحقوق والحريات الأساسية..الدولة القانونية وحدود ضماناتها الدستورية”، أن هذا الدستور شكّل “انعطافة نوعية في مجال التمكين الحقوقي للأجانب، إذ منح المشرع الدستوري للأجانب المقيمين في المغرب الحقوق والحريات الأساسية نفسها التي يمتلكها المواطنون المغاربة”، مُشيرة إلى الحق في التطبيب والاستشفاء والاندماج المهني.
ولفت الإسهام العلمي، الذي أعدته الباحثة في العلوم السياسية والقانون الدولي العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية سارة بوعزة، تحت عنوان “الدستور وصحة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى: مفتاح الاندماج الاجتماعي في المغرب”، إلى أن “الإصابة بالأمراض تكثر بين المهاجرين المنحدرين من المناطق الفقيرة أو الذين نزحوا بسبب الكوارث الطبيعية أو الذين يعانون من الضعف، أو الذين لديهم مستويات منخفضة من التعليم والقدرة اللغوية والمهارات المهنية”.
وأوضحت بوعزة أن “التسوية الاستثنائية سنة 2014 أتاحت توسيع نطاق التغطية الصحية الأساسية لتشمل الطلاب والسكان المهاجرين، بالإضافة إلى الحوار حول التغطية الصحية للعاملين لحسابهم الخاص (الحرفيون وصغار التجار)”.
“شرعت وزارة الصحة، بدعم من المنظمة الدولية للهجرة، في تطوير عمل المغرب في مجال صحة المهاجرين على النحو المبين في الخطة الإستراتيجية الوطنية للصحة والهجرة (2021-2025)”، يورد المصدر نفسه، مردفا: “كجزء من الحملة التي تهدف إلى توسيع نطاق التغطية الطبية الاساسية قامت وزارة الصحة سنة 2017 بجعل المهاجرين واللاجئين النظاميين مؤهلين للحصول على سلة من الرعاية على غرار نظام التأمين الصحي للمحرومين اقتصاديًا ‘راميد'”.
لكن رغم كل هذا مازالت ثمة “عدد من العوائق التي تحول دون حصول المهاجرين على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الصعوبات اللغوية وصعوبات التواصل، ونقص المعلومات لدى المهاجرين عن نظام الرعاية الصحية، ونقص المعرفة بين المتخصصين في الرعاية الصحية بشأن بعض الأمراض الخاصة بالمهاجرين”.
وفصّلت الباحثة، في هذا الصدد، بالإشارة إلى تسجيل “قصور التشريعات المتعلقة بصحة المهاجرين، ولاسيما أولئك الذين هم في وضع إداري غير نظامي؛ إذ لا يتضمن نظام المعلومات الصحية ضمن مكوناته مكوناً خاصاً بالمهاجرين، باستثناء بعض البرامج الصحية التي يُقبل عليها هؤلاء بشدة”.
كذلك فإن “مبادرات التكوين والإعلام والتوعية للعاملين في مجال الرعاية الصحية بشأن الهجرة وطب المناطق المدارية والأمراض المستوردة مازالت غير متطورة بما فيه الكفاية”، تردف الدراسة نفسها؛ كما نبّهت إلى “وجود صعوبات في المناطق وفي بعض المؤسسات الصحية، مع عدم كفاية الحاجيات من الأدوية والموظفين وعدم وجود المختبرات الكافية لإجراء اختبارات محددة لبعض الأمراض المستوردة”؛ فضلا عن “محدودية الانخراط والتعبئة الاجتماعية والشراكات مع منظمات المجتمع المدني أو حتى انعدامها في بعض المناطق”.
وأوصت الباحثة بضرورة “الجمع بين القطاعات الثلاثة: الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الصحي، من أجل وضع برنامج المراقبة وإدماج المهاجرين”، و”إدماج البعد المتعلق بالهجرة في خطط التدخل وإدارة المخاطر عند نقاط الدخول الحدودية”.
كما دعت الدراسة إلى “تضمين المناطق الريفية وشبه الحضرية والأحياء ذات الكثافة العالية للمهاجرين في إستراتيجية التغطية الصحية المتنقلة”، إلى جانب “تحديث الإجراءات أو المعايير المتعلقة بتشخيص الأمراض الوافدة، ولاسيما أحداث الصحة العامة”.