تعزّز ترجمتان جديدتان بقلم الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي حضور الشعر الفلسطيني باللغة الفرنسية، إذ نقل في أحدث منشوراته للغة التي حصل بها على جائزة “غونكور”، التي تتوّج أرفعَ أدبها، ديواني الفلسطينية جمانة مصطفى “مخالب” والفلسطيني غسان زقطان “البرابرة، خاصّتي”.
عبد اللطيف اللعبي، الذي أعدّ ثلاثة مختارات للشعر الفلسطيني عبر العقود، وكان أوّل من ترجم لشاعر فلسطين الأبرز محمود درويش إلى الفرنسية، نشر الديوانين المترجمين الجديدين بتجاور في الصفحات بين الأصل العربي ومحاكاته الفرنسية.
ويأتي هذا بعد شهور من نشر عبد اللطيف اللعبي بمعية الشاعر والإعلامي ياسين عدنان مختارات باللغة العربية، ترجمها اللعبي للفرنسية، لشعر فلسطينيّي غزة بعنوان: “غزة.. أهناك حياة قبل الموت؟”، وتضم 26 شاعرة وشاعرا.
والسنة الماضية 2024 أضاف اللعبي للمكتبات الناطقة بالفرنسية مختارات من شعر الشاعر الفلسطيني والصحافي الثقافي نجوان درويش، جمعها عنوان “لستَ شاعرا بغرناطة”، وقبلها نشر مختارات القصيدة الفلسطينية الشابة في طبعتين بالعربية والفرنسية.
وعُرضت هذه الدواوين بتزامن مع استضافة “سوق الشعر بباريس”، أبرز موعد شعري في فرنسا، الشعر الفلسطيني ضيف شرف أحدث دوراته هذه السنة 2025.
هذه الاستضافة دافع عنها عبد اللطيف اللعبي بسبب سحب صفة ضيف الشرف من “الشعر الفلسطيني”؛ وهو ما كشفه، ولقي بعد ذلك تضامنا واسعا، تراجع إثره منظمو الموعد الشعري عن القرار، الذي كان مبرمجا قبل “7 أكتوبر 2023″، والإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين بغزّة.
وبعدما احتجّ اللعبي كتابة على قرار التراجع عن الاستضافة الذي وصفه بكونه “متحيزا سياسيا” و”غير مقبول أخلاقيا”، في حين كان المنتظر “بصيرة وشجاعة أكبر”، لأنه يعرف جيدا الشاعرات والشعراء الفلسطينيين، وهم “أكثر إنسانية منكم ومني، أصواتهم لا غنى عنها”، احتفى بعد ذلك بـ”هذه العودة إلى المنطق، واحترام العهد”، من طرف إحدى “التظاهرات الثمينة”، التي مكّنت الشعر “منذ عقود من أن يكرّم في مناخ سياسي وثقافي مال إلى تهميشه”.
مترجم مختارات “القصيدة المغربية من الاستقلال إلى اليوم” للغة الفرنسية سبق أن ترجم دواوين الفلسطيني سميح القاسم، المغربيّين عبد الله زريقة ومحمد بنيس، واللبناني حسن حمدان (المعروف بالمهدي عامل)، والعراقي سعدي يوسف، والسوري محمد الماغوط، والبحريني قاسم حداد، كما نقل مع رفيقة عمره الروائية جوسلين اللعبي “عائد إلى حيفا”، وهو عمل أدبي ذائع الصيت لغسان كنفاني، الأديب والصحافي والسياسي الفلسطيني البارز الذي اغتالته إسرائيل سنة 1972.
وسبق أن قال عبد اللطيف اللعبي بعد تتويجه فلسطينيّا بـ”جائزة محمود درويش للثّقافة والإبداع”، سنة 2020، إن قيمتها “تعلو عندي على كلّ الجوائز والتفاتات التّكريم التي حظيتُ بها إلى حدّ الآن”.
وسبق أن نقلت هسبريس تشبث المعتقل السياسي السابق ومؤسس أحد أبرز المجلات الثقافية بالمغرب “أنفاس” بـ”التشاؤُل” (تعبير إميل حبيبي بين التشاؤم والتفاؤل)، وذكره أن ما يستطيعُه الشاعر هو “مرافقة وضع العالم وظروفه، وظروف الوضع البشري”، وزاد: “الشاعرُ مرافِق، يمسك يدك، ويحاول نقل صداقة وثقة وأمل لك، يطرح أسئلة، يتألم، مع لحظات سعادة، وأمل”.
ومن بين ما ترجمه اللعبي إلى اللغة الفرنسية قصيدة من قصائد الفلسطينية هند جودة، التي كتبتها من غزة والقصف الإسرائيلي مسلّطٌ عليها:
ماذا يعني أن تكون شاعرًا في زمن الحرب؟
هذا يعني أن تعتذرْ،
أن تكثرَ من الاعتذارِ،
للأشجارِ المحترقةِ،
للعصافيرِ التي بلا أعشاشٍ،
للبيوتِ المسحوقةِ،
لشقوقٍ طويلةٍ في خاصرةِ الشوارعِ،
للأطفالِ الشاحبينَ قبلَ الموتِ وبعدَهُ،
ولوجهِ كلّ أمٍ حزينةٍ،
أو مقتولةٍ!
ماذا يعني أن تكونَ آمنًا في زمنِ الحربِ؟
يعني أن تخجلَ،
من ابتسامتِكَ،
من دفئِكَ،
من ثيابِكَ النظيفةِ،
من ساعاتِ مَلَلِكَ،
من تثاؤبِكَ،
من فنجانِ قهوتِكَ،
من نومِكَ المستقرْ،
من أحبائِكَ الأحياءْ،
من شبعِكَ،
من الماءِ المتاحْ،
من الماءِ النظيفْ،
من قدرتِكَ على الاستحمامْ،
ومن المصادفةِ بأنكَ مازلتَ حيًا!
يا إلهي،
لا أريدُ أن أكونَ شاعرةً في زمنِ الحربْ.