أكدت مصادر مسؤولة في عدد من الهيئات المهنية للممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب أن “نقاش هجرة الأطر الصحية إلى الخارج، لا سيما من الممرضين (خاصة كندا وألمانيا…)، أُثير بقوة مع مسؤولي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ضمن الاجتماع الذي جمع عددا من النقابات القطاعية مع الوزارة الوصية”، مطمئنة في السياق ذاته أنه “لا وجود لاتفاقات رسمية مع الخارج تتعلق بعمليات توظيف أو استقطاب للأطر المغربية داخل مؤسساتها الاستشفائية”.
ومع بوادر دخول اجتماعي مغاير بقطاع الصحة، مع إطلاق العمل بتجربة نموذجية لـ”المجموعات الصحية الترابية”، تأكد أن “وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قدمت، خلال الاجتماع، وعودا رسمية بتوظيف الممرضين الجدد وانتشالهم من البطالة التي ما زالت أحد أبرز الممرضين في الهجرة، فضلا عن “دعوة الجهات الرسمية إلى العمل على تحسين ظروف العمل”.
وسجلت النقابة المستقلة للممرضين، في بيان، أنه “تم خلال الاجتماع طرح جملة من الحلول العملية بهدف احتواء الوضع وإدماج الخريجين المتراكمين حاليا، مع وضع مخططات مسبقة؛ بما فيها الرفع من المناصب المالية الممنوحة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ووقف التكوين في بعض الشعب مؤقتا، مع إعادة النظر في عدد المسجلين بالمعاهد العليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة مستقبلا ليتناسب مع الحاجيات الحقيقية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية”.
وتزايدت المخاوف في الأوساط المهنية مع تداول أنباء – لم تتأكد رسميا – بشأن نية السلطات المغربية اعتماد الإجراء نفسه تجاه ألمانيا، التي تُعد بدورها من الوجهات المفضلة لدى أطر التمريض المغربية؛ غير أن مصدر الجريدة نفى ذلك، معتبرا أن “العمل جارٍ لتعزيز دور الممرضين في المنظومة الوطنية الصحية والعمل على علاج دوافع الهجرة، سواء بين الممارسين أو الخريجين الجدد”.
مصطفى جعا، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، أفاد بأن “عدد طلبات الهجرة التي يتقدم بها مهنيو القطاع يتراوح سنويا بين 800 و900 طلب، وقد يصل إلى نحو ألف أحيانا، تتجه في الغالب نحو كندا وألمانيا وبعض بلدان الخليج…”، مردفا بأن هذه فقط كانت المحصاة والمعلنة؛ فيما قد يقصد البعض دولا بعينها “تحت دواعٍ أخرى قبل أن يمارسوا التمريض هناك”.
وأكد جعا، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “8 آلاف و600 مقعد تكويني في المعاهد العليا هي التي خُصصت برسم الموسم التكويني الحالي 2025/2026 لولوج المعاهد العليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة ISPITS”، مؤكدا أن جهود رفعها قد بوشِرت بعد أن كانت 7 آلاف مقعد في الموسم الماضي؛ في أفق بلوغ وتحقيق الهدف المسطر في 2030 بـ97 ألفا ممارسا بين ممرض وتقني للصحة وطبيب؛ ما يجعل المغرب في المعايير الدولية المطلوبة”.
وأكد الفاعل المهني ذاته أن “دراسة كانت أنجزتها النقابة المستقلة للممرضين عام 2023 أثبتت استمرار أسباب رئيسية ودوافع معظمها مهنية في تحفيز نزيف الأطر الصحية إلى الخارج”.
وأضاف المتحدث عينه: “الأمر ليس فقط مشكل الأجور والتعويضات؛ بل شروط وظروف العمل في بعض التخصصات الدقيقة، خاصة تخصصات نفسية (نفساني حركي، والعلاج بالعمل وشعبة الشيخوخة…).
ودعا الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين وزارةَ الصحة إلى تسريع جهود “تأطير مهنة التمريض بالمغرب”، بما يضمن “حماية قانونية للممرضين الذين ما زال تداخل الاختصاص مع الأطباء ومسؤولياتهم يثير مشاكل ومتاعب ومسؤوليات أمام القضاء في بعض الأحيان”.
وسجل جعا أن “عدم وجود هيئة مهنية للممرضين بالمغرب أسوة ببعض الدول يجعلها مهنة عرضة لارتفاع المخاطر وقلة الحماية المهنية.
وشدد المتحدث لهسبريس على أن “الإشكال لا يكمن في رغبة الممرضين بالهجرة بقدر ما يتمثل في غياب ظروف مهنية جاذبة لعمَلِهم داخل المغرب، لافتا إلى “الزيادة في الأجور، والتحفيزات المالية، وتحسين بيئة العمل تعد رافعات أساسية للاحتفاظ بالممرضين، فالأغلبية ما زالت تفضل خدمة بلدها، لكن ليس في أي ظروف”، بتعبيره.
وشدد النقابي ذاته على “استعجالية إحداث مناصب مالية جديدة”، منبها إلى أن “الأرقام تثبت العجز الكبير؛ إذ بينما تُقدر الحاجيات بحوالي 65 ألف ممرض، لا يتجاوز العدد الحالي في المستشفيات 32 ألفا فقط”؛ وهي وضعية “تزيد”، وفقه، من “الضغط المزمن على المنظومة الصحية وتؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمرضى”.
من أبرز مطالب مهنيو التمريض المغاربة أيضا لوقف “نزيف الهجرة” الشروع في “إنهاء العمل بنظام “التعاقد” الذي يهدد استقرارهم المهني”، داعين إلى “مراجعة منصفة للتعويضات المرتبطة بالمخاطر وأعباء الحراسة والمداومة”، فضلا عن “إصلاح نظام التعويض عن المداومة”.
ومن خلال هذه المطالب، دعا الممرضون الوزارة الوصية على قطاع الصحة إلى مراجعة استراتيجيتها لضمان إنجاح الإصلاح الصحي المنشود؛ فبدلا من محاولة كبح الهجرة نحو الخارج بـ”قرارات إدارية”، أكدوا أن الحل يكمن في بلورة سياسة حقيقية لجاذبية المهنة، قادرة على استبقاء الكفاءات وحماية المرفق العمومي الاستشفائي الذي يعاني أصلا من خصاص حاد في موارده البشرية.