آخر الأخبار

بعد 7 سنوات من التوتر القضائي والنقابي.. نهاية مثيرة لمسار مدير أكاديمية بني ملال خنيفرة - العمق المغربي

شارك

في الأول من شتنبر 2025، أُسدل الستار بشكل مفاجئ على واحدة من أكثر الفترات جدلا في تاريخ الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة بني ملال-خنيفرة. بلاغ مقتضب صادر عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أعلن عن قبول طلب “التقاعد النسبي لأسباب صحية” الذي تقدم به المدير مصطفى السليفاني. هذا الإعلان لم يكن مجرد خبر إداري عابر، بل كان بمثابة الفصل الأخير في رواية طويلة من التجاذبات الحادة، والصراعات المفتوحة، والاتهامات المتبادلة التي طبعت فترة إدارته منذ تعيينه على رأس الأكاديمية سنة 2018، قادما إليها من منصب المدير الإقليمي بميدلت.

لقد كانت فترة السليفاني غنية بالبلاغات النقابية النارية والشكايات التي وجدت طريقها إلى ردهات المحاكم، أكثر منها غنى بالاستقرار والحوار الاجتماعي. ومع رحيله، تطوى صفحة مدير ترك وراءه إرثا من الأسئلة المعلقة حول أسلوب تدبيره، وعلاقته المتوترة بالفرقاء الاجتماعيين، والتحديات التي ستواجه من سيخلفه في منصب حساس بجهة ذات خصوصية سوسيو-مجالية معقدة.

بداية هادئة.. ونهاية لم تكن في الحسبان

عندما حل مصطفى السليفاني بمدينة بني ملال في عام 2018 ليتولى إدارة الأكاديمية الجهوية، كان ينظر إلى تعيينه كخطوة إدارية طبيعية في مسار مسؤول قادم من تجربة على رأس مديرية إقليمية. لم تكن هناك مؤشرات توحي بأن السنوات التالية ستتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة. بل إن الثقة في إدارته قد تجددت رسميا في 11 مايو 2023، عندما صادق المجلس الحكومي على إعادة تعيينه في نفس المنصب، وهو ما كان يمكن أن يُقرأ كتزكية لمساره واستمرارية لنهجه.

لكن ما كان يجري تحت السطح كان أكثر تعقيدا. فخلف الأبواب المغلقة وفي بيانات النقابات، كانت تتشكل صورة مغايرة تماما، صورة مسؤول يعتمد أسلوبا صداميا في مواجهة منتقديه، ولا يتردد في اللجوء إلى القضاء لحسم خلافاته مع الفاعلين النقابيين، وهو ما حول العلاقة بين الإدارة والشركاء الاجتماعيين من حوار وتفاوض إلى معارك قضائية استنزفت طاقة الجميع وحولت الأنظار عن القضايا التربوية الحقيقية للجهة.

النهاية جاءت على غير المتوقع. ففي أواخر غشت 2025، بدأت الشائعات تروج بقوة حول “إعفاء” المدير، وهو ما نفته الوزارة حينها، مؤكدة أن الرجل في عطلته السنوية. لكن الغموض الذي لف غيابه وتكليف مسؤول آخر بتدبير شؤون الأكاديمية مؤقتا، كان ينبئ بأن شيئا ما يلوح في الأفق. ثم جاء البلاغ الرسمي ليحسم الجدل، معلنا رحيل السليفاني بطلب منه “لأسباب صحية”، وهي عبارة غالبا ما تُستخدم في الأدبيات الإدارية لتغليف نهايات غير متوقعة لمسؤولين عموميين.

القضاء ساحة جديدة للصراع

لم يتأخر الصدام طويلا. ففي 7 يناير 2020، انفجرت الأوضاع بشكل علني حين أعلنت الجامعة الوطنية للتعليم (FNE) عن تنظيم وقفة احتجاجية جهوية، لم تكن للاحتجاج على ملف مطلبي تربوي، بل تنديدا بحكم قضائي صدر ضد كاتبها الجهوي، إسماعيل أمرار، بالحبس شهرين موقوفة التنفيذ وغرامة مالية، بناء على دعوى رفعها مدير الأكاديمية.

كانت هذه الحادثة نقطة تحول مفصلية، حيث انتقل الخلاف من دائرة التدافع النقابي والإداري إلى ساحة القضاء. بيان النقابة آنذاك كان شديد اللهجة، واعتبر أن “الشكايات الكيدية لمدير الأكاديمية لن تخفي الفساد المستشري بقطاع التعليم، والشطط في استعمال السلطة”. الأخطر من ذلك هو إشارة النقابة الصريحة إلى أنها كانت قد تقدمت بشكاية للنيابة العامة بخصوص “اختلالات مالية” لم يتم تحريكها بنفس السرعة التي تم بها متابعة كاتبها الجهوي. هذا الاتهام المبطن بالكيل بمكيالين أسس لقطيعة شبه تامة في الثقة بين الأكاديمية وأحد أبرز التنظيمات النقابية في الجهة.

لم تكن قضية 2020 حادثا معزولا، بل يبدو أنها تحولت إلى “تكتيك” منهجي، حسب وصف النقابات. ففي 1 دجنبر 2022، تكرر السيناريو مع تنظيم الجامعة الوطنية للتعليم (ا م ش) وقفة احتجاجية جديدة، وهذه المرة للدفاع عن كاتبها الإقليمي الذي واجه بدوره ما وصفته النقابة بـ “دعوى قضائية كيدية وباطلة”. الهدف من هذه الدعاوى، حسب بيان النقابة، لم يكن سوى “إبعاد الأنظار عن الاختلالات التدبيرية لمرفق المديرية الإقليمية”. مرة أخرى، يتم ربط اللجوء إلى القضاء بمحاولة التغطية على مشاكل في التسيير.

ووصل هذا التصعيد إلى ذروته في 14 يوليوز 2023. بيان المكتب الجهوي للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي) لم يترك مجالا للشك في عمق الأزمة. فقد ندد بما أسماه “العدوان المستمر” لمدير الأكاديمية ضد الكاتب الجهوي للنقابة، معتبرا الشكايات المرفوعة ضده “استهدافا ممنهجا” جاء مباشرة بعد فضح أساليب التسيير التي أدت، بحسب النقابة، إلى “احتلال جهة بني ملال-خنيفرة المراتب الأخيرة على مستوى الامتحانات الإشهادية”.

اللغة التي استُخدمت في هذا البيان كانت غير مسبوقة في حدتها، حيث وصفت النقابة إجراء توقيف أجرة كاتبها الجهوي بأنه “محاولة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد”، وهو وصف يحمل دلالات خطيرة تتجاوز بكثير حدود الخلاف النقابي التقليدي. لقد كشفت هذه الواقعة عن وصول العلاقة بين الطرفين إلى نقطة اللاعودة.

“اختلالات” في التدبير وتحديات المستقبل

إذا كانت المعارك القضائية قد شغلت الحيز الأكبر من المشهد، فإن جذور الصراع، كما تقدمها الرواية النقابية، تمتد إلى عمق أسلوب التدبير المتبع داخل الأكاديمية. ففي 7 يوليوز 2025، قبل أيام قليلة من رحيل السليفاني، وجهت الجامعة الوطنية للتعليم (UMT) اتهامات مباشرة للمدير بانتهاج “التدبير العشوائي والانفرادي”.

وحملت الجامعة آنذاك المسؤولية الكاملة لمدير الأكاديمية في الإخفاقات التي تعرفها المنظومة التربوية على المستوى الجهوي منذ تعيينه، وعلى رأسها تذيل الجهة لترتيب النتائج الوطنية في البكالوريا لسنوات طويلة، مما يمس بمصداقية المؤسسات التعليمية ويسيء إلى سمعتها وسمعة تلاميذها، ويضرب حقهم وأمنهم التعليمي في مقتل.

وفي هذا الصدد، دعت الجامعة إلى فتح تحقيق عاجل ومسؤول في أسباب هذا التردي المستمر، وتقييم تدبير المسؤول الجهوي في ظل عدم الاستقرار والتسلط والشطط الممارس من طرفه، والذي يتباهى بقربه من مصادر القرار بالوزارة، مستدلة على ذلك بإعفاء مديرين إقليميين ورؤساء أقسام ومصالح.

إلى جانب ذلك، انتقدت النقابة ما وصفته بصرف أموال عمومية على “أنشطة فولكلورية” لا تعود بأي فائدة تذكر على المنظومة التربوية، في وقت كانت فيه المؤسسات التعليمية بالجهة، خاصة في المناطق الجبلية والنائية، تعاني من خصاص مهول في البنيات التحتية والموارد البشرية. هذه الاتهامات رسمت صورة إدارة تهتم بالمظاهر والاحتفاليات أكثر من اهتمامها بجوهر العملية التعليمية-التعلمية، وهو ما أجج غضب الفاعلين النقابيين.

ومن غرائب التدبير بالأكاديمية أنها ظلت الأكاديمية الوحيدة التي تكتمت على نسبة النجاح الإجمالية في امتحانات البكالوريا لدورة 2025، في خطوة اعتبرت “استثنائية” انفردت بها عن باقي أكاديميات المملكة، وهو ما أشارت إليه تدوينة نشرها عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، كبير قاشا، على حسابه بموقع فيسبوك، والتي أشار فيها إلى هذا الوضع قائلا: “جميع أكاديميات المغرب أعلنت نسبة النجاح في الباكالوريا باستثناء أكاديمية بني ملال خنيفرة… نتمنى أن يكون المانع خيرا”.

ورجحت مصادر متطابقة آنذاك أن يكون السبب الرئيسي وراء هذا الصمت هو المرتبة المتأخرة التي حصلت عليها الجهة مجددا في هذا الاستحقاق الوطني، وهو ما تخشاه الأكاديمية وتسعى لتجنب الإعلان عنه رسميا لتفادي موجة جديدة من الانتقادات.

وبرحيل مصطفى السليفاني عن أكاديمية بني ملال-خنيفرة، يغلق فصل صاخب من تاريخ تدبير قطاع التعليم بالجهة. لقد كانت سنوات إدارته بمثابة دراسة حالة في كيفية تحول العلاقة بين الإدارة والشركاء الاجتماعيين إلى صراع مفتوح تكون فيه المحاكم هي الحكم، بدلا من طاولات الحوار.

يغادر السليفاني منصبه تاركا وراءه إرثا ثقيلا من الجدل. فبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لرحيله، سواء كانت صحية بالفعل أو نتيجة للضغوط المتراكمة، فإن الفترة التي قضاها على رأس الأكاديمية ستبقى مرتبطة في الأذهان بالتوتر الدائم والقطيعة مع نقابات بعينها.

أمام المدير الجديد الذي سيتم تعيينه مهمة يصفها الكثيرون بـ”الشاقة والمعقدة”، لكونها لا تقتصر فقط على معالجة الملفات التربوية العالقة وتحسين المؤشرات التعليمية المقلقة للجهة، بل تتجاوز ذلك إلى ضرورة ترميم جسور الثقة المنهارة مع الفاعلين النقابيين، وإعادة الاعتبار للحوار الاجتماعي كآلية وحيدة لتدبير الاختلافات وحل المشاكل.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا