في ظل التوسع السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي عالميا، وتزايد تأثيرها على الحياة اليومية والاقتصاد والسياسة، باتت الحاجة ملحة لوضع أطر قانونية وتنظيمية واضحة لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل آمن ومسؤول. وفي هذا السياق، وجه فريق برلماني سؤالا كتابيا إلى الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، لاستيضاح استراتيجية المغرب في هذا المجال والتدابير المتخذة لمواجهة التحديات المرتبطة بها.
وأشار أحمد عبادي عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح ثورة تكنولوجية تعيد تشكيل أنماط العمل، وطبيعة الوظائف، وأساليب التعليم والتعلم، فضلا عن آليات اتخاذ القرار في مختلف القطاعات والمجالات، ما يجعل من الضروري مواكبة هذا التحول السريع بإطار قانوني وتنظيمي يضمن الاستخدام الآمن والمنصف والمسؤول لهذه التكنولوجيا الناشئة.
وأكد الفريق النيابي على أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي توفر فرصا كبيرة لتحسين الخدمات العمومية، وتجديد أساليب العيش والعمل، وتطوير الاقتصاد الرقمي، وتعزيز التنافسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. في المقابل، أوضح أن هذه التقنيات تطرح تحديات أخلاقية وقانونية مهمة، منها حماية المعطيات الشخصية، واحترام الحياة الخاصة، وضمان الأمن السيبراني، فضلا عن مخاطر التمييز الخوارزمي وفقدان مناصب الشغل، كما أظهرت تجارب دولية مقارنة.
إقرأ أيضا: ذكاء اصطناعي لا يخضع للقانون.. ليس تقدما بل تهديدا
وتساءل الفريق البرلماني، عن أبرز محاور استراتيجية الوزيرة لتطوير الذكاء الاصطناعي، والقطاعات التي تم تحديدها كأولوية، وما إذا كانت الوزارة تعتزم سن قانون إطار أو وضع إطار تنظيمي خاص بهذه التكنولوجيا لتحديد ضوابط الاستخدام وحماية المواطنين من المخاطر المرتبطة بها.
كما استفسر المصدر ذاته، عن خطط الوزارة لتعزيز الثقافة الرقمية والذكاء الاصطناعي، خصوصا في صفوف الشباب والمقاولات الناشئة، ومكانة العدالة الرقمية وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضمن الرؤية الحكومية، إضافة إلى آليات التعاون مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير نموذج مغربي آمن وأخلاقي للذكاء الاصطناعي يتلاءم مع السياق الوطني.
ويأتي هذا الاستفسار البرلماني في وقت تتسارع فيه تبني التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، في حين لا تزال العديد من الدول، بما فيها المغرب، في مرحلة وضع الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة لمواكبة هذه التحولات وتأمين تأثيراتها الإيجابية على المجتمع والاقتصاد.
وكشفت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، عن خطة وطنية طموحة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في قلب السياسات العمومية، تشمل تحسين جودة الخدمات الصحية، وتصميم محتويات تعليمية ذكية، وتحسين حركة المرور والنقل العمومي، وإدارة الموارد الحيوية لضمان الأمن المائي والغذائي والطاقي.
وأكدت الفلاح السغروشني، أن هذه الخطة تؤسس لرؤية مغربية متكاملة وأخلاقية في التعامل مع هذا المجال الحيوي، تجمع بين تعزيز السيادة الرقمية واستثمار الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي يتيحها.
وأعلنت الوزيرة أن الوزارة باشرت بالفعل وضع اللبنات الأولى لهذه الإستراتيجية من خلال توقيع تسع اتفاقيات شراكة جديدة لدعم الابتكار في التعليم والصحة والتشغيل، وإدماج الذكاء الاصطناعي في الوسط القروي، وتعزيز البنيات التحتية الرقمية، مشيرة إلى أن هذه الاتفاقيات جاءت كثمرة لأول مناظرة وطنية للذكاء الاصطناعي نظمتها الوزارة مطلع الشهر الجاري بمشاركة واسعة من خبراء ومؤسسات وطنية ودولية.
كما أبرزت الفلاح أن المغرب يضع على رأس أولوياته بناء مراكز بيانات متطورة مزودة بموارد حاسوبية قوية لدعم الأبحاث والتطبيقات، وتقوية القدرات الوطنية في الأمن السيبراني عبر حلول ذكية لرصد التهديدات وتأمين البنيات الرقمية، إلى جانب تدريب مليون شاب مغربي وإفريقي في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030 بشراكة مع البنك الدولي.
وشددت على أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة لتبسيط المساطر الإدارية، وتحليل البيانات الكبرى، وتعزيز الشفافية، وتحسين التفاعل مع المواطنين عبر منصات تواصل ذكية، مؤكدة أن الوزارة تطور حاليا نموذجا توليديا لمعالجة الشكايات وتبسيط المحتويات، وتستعد لإطلاق كتاب أبيض وفتح مديرية عامة خاصة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة.
ولفتت إلى أن توجيهات، الملك محمد السادس، الداعية إلى تسريع التحول الرقمي، تشكل الإطار المرجعي الذي نَستند إليه لِبناء تَصوُّر وطني شُمولي، يجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة في خدمة الإنسان، وأداة لترسيخ السيادة الرقمية
وأضافت أن الذكاء الاصطناعي لن يعوض كفاءة الرأسمال البشري بل سيدعمه ويزيد من فعاليته، موضحة أن الوزارة تعمل على تقليص الفجوة الرقمية في العالم القروي، وتحسين شروط العيش فيه من خلال حلول مبتكرة تستجيب لاحتياجات مختلف الفئات والمناطق، مع السعي إلى جعل المغرب مصدرا للحلول الذكية لا مستوردا لها، عبر شراكات استراتيجية مع كبريات شركات التكنولوجيا ومراكز الأبحاث العالمية.
وكشفت الوزيرة أيضا عن إنشاء مراكز “معاهد الجزري” للتميز في مختلف جهات المملكة، تبدأ في مرحلتها الأولى من جهة كلميم واد نون وجهة الشرق، لتكون جسورا إقليمية بين البحث العلمي والابتكار المحلي، فضلا عن برامج تكوين واسعة لفائدة الأطفال والناشئة في الفئة العمرية من 8 إلى 18 سنة في مهارات الرقمنة والذكاء الاصطناعي.