آخر الأخبار

الجزائر تستغل العضوية الأممية لدعم الانفصاليين قبل اجتماع مجلس الأمن

شارك

تواصل الجزائر، وهي على مشارف انتهاء عضويتها غير الدائمة داخل مجلس الأمن الدولي، استثمار موقعها الأممي لتمرير رسائل سياسية مرتبطة بنزاع الصحراء المغربية؛ وذلك عبر تحركات دبلوماسية وتصريحات تعيد إنتاج مواقفها التقليدية الداعمة للانفصال، ومحاولة لإبراز حضورها قبل إسدال الستار على ولايتها المؤقتة.

وفي هذا الصدد، استقبل أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، أمس الأربعاء، محمد يسلم بيسط، المسؤول عما يسمى “خارجية” جبهة البوليساريو الانفصالية، في لقاء بالعاصمة الجزائر خصص للتشاور حول مستجدات الملف على ضوء التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة المعروض أمام الجمعية العامة.

ووفق بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية، فإن المحادثات انصبت على التشاور والتنسيق بشأن آخر المستجدات المرتبطة بملف الصحراء على المستوى الدبلوماسي استنادا إلى التقرير السنوي الذي رفعه الأمين العام للأمم المتحدة إلى الجمعية العامة.

وأضافت الخارجية الجزائرية أن الجانبين أكدا على “دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، وهي الجهود الرامية إلى تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف وغير القابل للتقادم في تقرير المصير، وفقا لما أكدته ولا تزال تؤكده قرارات الشرعية الدولية”، في إشارة إلى الموقف التقليدي الذي تعلن عنه الجزائر في كل المناسبات.

ويأتي هذا اللقاء في سياق التفاعل مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والذي عبّر فيه عن “قلق بالغ” من استمرار تدهور الوضع في الصحراء، محذرا من خطورة التصعيد ومجددا دعوته إلى ضرورة تغيير المسار بشكل عاجل؛ من خلال الانخراط في عملية سياسية جدية تقودها الأمم المتحدة بدعم من المجتمع الدولي، وتفضي إلى حل عادل ودائم متوافق عليه.

وسجل مراقبون أن هذا الحراك الجزائري يعكس محاولة أخيرة لاستثمار ما تبقى من عضويتها غير الدائمة داخل مجلس الأمن الدولي لإبراز موقفها من نزاع الصحراء المغربية، مشددين على أن “تأثير هذه الخطوات يظل محدودا أمام ثقل التحولات الإقليمية والدولية وكذا أمام الدعوات الأممية المتكررة إلى ضرورة الانخراط الجاد في مسار سياسي واقعي يفضي إلى تسوية دائمة يقبلها الطرفان”.

مكاسب المملكة

أبا الشيخ باعلي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس)، قال إن اللقاء، الذي جمع وزير الخارجية الجزائري بمسؤول “خارجية” جبهة البوليساريو، يأتي في ظرفية دقيقة لا تفصل سوى أسابيع قليلة عن الموعد السنوي لعرض ملف القضية الوطنية على أنظار مجلس الأمن الدولي في أكتوبر المقبل، لافتا إلى أن “الاجتماع لم يكن سوى محطة للتشاور والتنسيق حول التطورات التي تعرفها قضية الصحراء على الصعيد الدبلوماسي”.

وأضاف باعلي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اللقاء يأتي بعد اجتماع مماثل احتضنته سفارة جنوب إفريقيا بالجزائر، في إطار ما يسمى “المنتدى الدبلوماسي للتضامن مع الشعب الصحراوي”؛ وهو الاجتماع السابع من نوعه.

وأشار (كوركاس) إلى أن “تزامن هذه التحركات مع صدور التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة المرفوع إلى الجمعية العامة (A/80/290) ليس سوى محاولة لتضخيم وثيقة ذات طبيعة إدارية وصفية، تفتقر إلى أي أثر سياسي أو إلزامي”.

وأوضح الخبير الصحراوي أن “التقرير المذكور، الذي يغطي الفترة ما بين يوليوز 2024 ويونيو 2025، لا يتجاوز كونه وثيقة سنوية يتضمن ملاحظات وتوصيات؛ على خلاف قرارات مجلس الأمن التي تحمل صبغة تنفيذية”، مشيرا إلى أن “محاولة الجزائر وجنوب إفريقيا الإشادة بهذا التقرير واعتباره ‘انتصارا’ تعكس فشلا سياسيا واضحا وعجزا عن مواجهة الزخم الدولي المتنامي الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي المغربي”.

وأورد المتحدث ذاته أن هذه التحركات ليست سوى “فرقعة إعلامية” للتغطية على الاجتماع المرتقب بين المغرب والاتحاد الأوروبي ببروكسيل في العاشر من شتنبر المقبل، وزاد شارحا: إن الاتحاد الأوروبي يستعد لإطلاق محادثات تجارية جديدة مع المغرب تشمل الأقاليم الجنوبية، استنادا إلى وثيقة مؤرخة في 20 غشت 2025 صادرة عن الحكومة الدنماركية، التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي.

وخلص أبا الشيخ باعلي إلى أن هذا التوجه الأوروبي، الذي يمثل اعترافا صريحا بمغربية الصحراء وتطورا استراتيجيا بالغ الأهمية، يأتي في سياق متقدم قبيل انعقاد جلسة أكتوبر لمجلس الأمن الدولي؛ الشيء الذي يعزز الموقف المغربي ويكشف محدودية المناورات الجزائرية.

لقاءات شكلية

من جانبه، سجل عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن اللقاء الذي جمع مسؤولا من جبهة البوليساريو الانفصالية بالخارجية الجزائرية يأتي في إطار الاجتماعات الدورية المعتادة بين الطرفين، والتي تصنفها الجزائر عادة ضمن المسائل السيادية.

وأوضح البلعمشي، ضمن إفادة لهسبريس، أن الهدف من هذه الاجتماعات، حسب الممارسة المعروفة، هو التشاور وتوحيد الرؤى فيما يتعلق بالتفاعل مع اجتماعات مجلس الأمن الدولي، خصوصا قبل الموعد السنوي المرتقب لعرض ملف القضية الوطنية على أنظار المجلس في أكتوبر المقبل.

وأضاف رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن “هذا الاجتماع لم يحمل أي جديد على مستوى المبادرات العملية أو المقترحات المرتبطة بالمفاوضات أو بالجلوس إلى مائدة الحوار؛ بل اقتصر على إعادة إنتاج الخطاب السياسي نفسه الذي تضمنه البلاغ الصادر عقب الاجتماع، دون أية مستجدات جوهرية تذكر”.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض أن المرحلة الحالية تتميز بالمكاسب المهمة التي يحققها المغرب في تدبير ملف الصحراء المغربية، في ظل الدعم المتواصل والمتجدد الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي من قبل المجتمع الدولي؛ وهو ما يعكس التقدير الدولي للطرح المغربي كخيار واقعي وقابل للتنفيذ.

ولفت البلعمشي إلى أن “تحركات الجزائر، سواء عبر هذا الاجتماع أو غيره، لا تعدو أن تكون محاولة للاستباق أو الاستشراف، دون أن تنجح في تغيير المعطيات الأساسية للملف أو التأثير على مواقف القوى الكبرى التي تدعم الحل المغربي”.

وكشف المحلل السياسي ذاته أن الجزائر تواجه اليوم ضعفا ملحوظا في قدرتها على إقناع المجتمع الدولي بمواقفها، خصوصا في ظل الاعتراف الدولي المتزايد بالأهمية الجيوستراتيجية للمغرب في شمال إفريقيا، سواء من منظور الأمن الإقليمي أو من ناحية الاقتصاد والتوازنات السياسية والاستراتيجية للمنطقة.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذا الواقع يعكس محدودية تأثير الجزائر، على الرغم من الاجتماعات المتكررة والتصريحات الإعلامية التي تحاول تصوير نفسها كلاعب أساسي في الملف”.

وفي هذا السياق، سجل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض أن ميزان القوة يميل بشكل واضح لصالح المغرب، وأن الحل الواقعي والعملي لنزاع الصحراء يتمثل في مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم دولي واسع.

وشدد البلعمشي على أن “الاجتماعات من هذا النوع تظل مجرد تحركات بروتوكولية وإعلامية، ولا تضيف أية قيمة فعلية لمسار النزاع؛ في حين يواصل المغرب حصد المكتسبات السياسية والدبلوماسية على الصعيدين الدولي والإقليمي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا