بمناسبة اليوم الدولي لذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين والمعتقد تتجدد الدعوات إلى تعزيز الوعي العالمي بأهمية حماية الأقليات الدينية في العالم من أي انتهاكات، وضمان مساءلة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في حقها، وعلى رأسها أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار جنوب شرقي آسيا، التي تتعرض لانتهاكات حقوقية خطيرة من طرف السلطات في ميانمار، من ضمنها الحرمان من الجنسية والاضطهاد والقتل، على غرار مقتل أكثر من 40 شخصًا منها في قصف الجيش الميانماري قرية “تشيكاوك ني ماو” يناير الماضي.
في هذا الصدد أكدت فعاليات حقوقية مغربية أن الجرائم المرتكبة ضد مسلمي الروهينغا، التي ترتقي إلى مستويات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، تستدعي تحريك آليات المساءلة القانونية الدولية لمعاقبة جميع الأطراف والجهات المتورطة في هذه الانتهاكات، معيبة في الوقت ذاته على الدول العربية والإسلامية تقصيرها في الدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة حول العالم، ما يتركها عرضة لمزيد من الانتهاكات والعنف القائم على أساس المعتقد والدين.
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن “المنظمات الحقوقية الدولية مدعوة اليوم إلى الانتقال من مجرد إصدار بيانات الإدانة إلى تفعيل آليات إنفاذ القانون الدولي بشكل فعلي”، مضيفًا: “في حالة الروهينغا بميانمار نحن أمام انتهاكات خطيرة تصل إلى مستوى التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وهذا يستوجب تحريك المساءلة عبر المحاكم الدولية، والضغط على مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات عملية ضد المتورطين”.
وأوضح الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التوثيق المستقل عبر جمع الأدلة الميدانية يبقى عنصرًا أساسيًا حتى لا تبقى هذه الجرائم دون عقاب، وبالتالي فإن المطلوب هو الانتقال من الخطاب إلى الفعل عبر فرض عقوبات، وتقديم دعم قانوني وإنساني مباشر للأقليات المستهدفة”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “البلدان العربية والإسلامية تتحمل مسؤولية خاصة تجاه قضية الروهينغا، ليس فقط انطلاقًا من البعد الديني، بل أيضًا من منطلق التضامن الإنساني، إذ يمكن لهذه الدول، بما فيها المغرب، أن تدفع باتجاه مواقف سياسية قوية وحازمة داخل منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، وتنسق من أجل مبادرات أممية أكثر جدية؛ كما يمكنها أن تدعم مباشرة اللاجئين في بنغلادش عبر إرسال مساعدات إنسانية عاجلة، وتمويل برامج التعليم والصحة”، وزاد: “في المغرب شاهدنا كيف عبرت مكونات المجتمع المدني والشعبي عن تضامنها مع أقلية الروهينغا، على سبيل المثال، وهذا التضامن يجب أن يجد صدى في المواقف الدبلوماسية والرسمية للدولة”.
وذكر الفاعل الحقوقي ذاته أن “العنف المبني على أساس الدين غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا، وذلك لكونه يتجاوز مجرد انتهاكات حقوقية فردية ليمس الهوية الجماعية للشعوب”، مردفا: “في حالات مثل ميانمار نجد أن السلطة تستعمل الدين كأداة سياسية وأيديولوجية، وتدمج بين الهوية الوطنية والانتماء الديني لتبرير الإقصاء والعنف الممنهج في حق الأقلية المسلمة المسماة الروهينغا. كما أن هذا العنف يتغذى على تراكمات تاريخية وثقافية عميقة تجعل معالجته أصعب بكثير من أنواع العنف الأخرى؛ لذلك تتطلب مواجهته مقاربة متكاملة تشمل التشريع والسياسة والتربية والثقافة، ولا يمكن الاكتفاء بالحلول الأمنية أو الإنسانية الظرفية”.
من جهته اعتبر عبد الإله بن عبد السلام، المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، أن “حماية الأقليات الدينية والعرقية في بعض الدول، ومن ضمنها أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، تمثل مسؤولية جماعية للمنظمات الدولية والمجتمع الحقوقي الدولي”، مضيفًا أنه “من واجب الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية الترافع بجرأة وفعالية، والضغط على الحكومات التي تنتهك حقوق هذه الفئات، لضمان توفير الحماية والحياة الكريمة لها، ومنع أي شكل من أشكال التمييز والعنف المبني على الدين أو المعتقد، وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة”.
وحول دور الدول العربية والإسلامية في الدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة حول العالم، وعلى رأسها مسلمو الروهينغا، أكد بن عبد السلام في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “هذه الدول مقصرة حتى في الدفاع عن قضية مركزية بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية، وبالنسبة للإنسانية جمعاء، ألا وهي القضية الفلسطينية، فبالأحرى قضية الروهينغا”.
وتابع الفاعل الحقوقي ذاته بأن “التطورات التي شهدها قطاع غزة تضع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان في موضع سؤال من حيث الفعالية، فرغم أنها مازالت صالحة في جوهرها إلا أن الذين يمسكون بالقرار في منظمة الأمم المتحدة وفي عدد من الآليات الأممية يحاولون إفراغ هذه المنظومة من مضمونها، والحيلولة دون مساءلة الحكومات المتورطة في انتهاكات حقوقية جسيمة تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية”.
واعتبر المتحدث أن “موجات العنف التي تتعرض لها الأقليات المسلمة في عدد من الدول، كميانمار أو الهند، هي نتيجة لتصاعد موجات العداء لكل ما هو إسلامي وتنامي مظاهر الكراهية تجاه المسلمين، في سياق خلل واضح تعاني منه المنظومة الدولية”، مبرزًا أن “هذه المنظومة تحتاج إلى إصلاح جذري لضمان إنصاف الأقليات وحماية الشعوب المستضعفة، التي مازالت تعاني من آثار بعض القوى الاستعمارية التي تحول دون تحررها”.