استقبل ألكسندر إيفانكو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء ورئيس بعثة المينورسو، الاثنين، بمطار الحسن الأول بمدينة العيون، وفدا أمريكيا رفيع المستوى تابعا لوزارة الخارجية الأمريكية، يضم شخصيات محورية من مكتب عمليات حفظ السلام، في أول حضور ميداني من نوعه لمسؤولين من هذا المكتب إلى المنطقة منذ اندلاع النزاع.
وضم الوفد الأمريكي، وفق ما علمته هسبريس من مصدر أممي، كلا من غريغوري راوود كافيرت موريسون جيمس، مدير مكتب عمليات حفظ السلام بوزارة الخارجية الأمريكية، وماديسين جين غودباليه، مكلفة بالشؤون الخارجية بالمكتب ذاته، إلى جانب أنتوني جيمس دياز، المستشار السياسي بالبعثة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وآدم ميغيل ليفي، القائم بأعمال المستشار السياسي بسفارة الولايات المتحدة بالرباط.
وأوضح المصدر ذاته أن اللقاء، الذي عقده الدبلوماسي الروسي إيفانكو مباشرة بعد الاستقبال مع أعضاء الوفد الأمريكي، تطرق إلى مستقبل عمل بعثة المينورسو والتحديات المرتبطة بمهامها، خاصة ما يتعلق بآليات مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 والبحث عن صيغ جديدة لدعم الجهود الأممية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وتكتسي هذه الزيارة أهمية خاصة لكونها تعكس، حسب المصدر ذاته، تحولا نوعيا في انخراط واشنطن الميداني بملف الصحراء؛ إذ لم يسبق أن أوفدت الخارجية الأمريكية وفدا متخصصا في عمليات حفظ السلام إلى المنطقة.
وتأتي الزيارة في إطار الاستعدادات لاجتماع مجلس الأمن الدولي المقرر شهر أكتوبر المقبل، ضمن مساعي الدول الأعضاء لتكوين صورة شاملة عن الوضع السياسي والميداني قبل الشروع في المشاورات المرتقبة بشأن تمديد ولاية البعثة، ومراجعة المسار الأممي لتسوية النزاع. كما تندرج هذه الزيارة ضمن دينامية دبلوماسية تعرفها مدينة العيون خلال الأسابيع الأخيرة، مع توالي وفود من دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي على مقر بعثة المينورسو، بهدف تكوين صورة دقيقة عن الوضع الميداني والسياسي قبل الشروع في المشاورات المنتظرة بشأن النزاع.
ويظهر من تركيبة الوفد الأمريكي ومضمون اللقاءات أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية خاصة لآليات عمل المينورسو وقدرتها على مراقبة وقف إطلاق النار، فضلا عن اهتمامها بفهم التحديات التي تواجه البعثة، في إشارة إلى تحرك استراتيجي يجمع بين الجانب الميداني والتحضير لبلورة موقف دبلوماسي متكامل قبل الاجتماعات الأممية.
وللتعليق على زيارة الوفد الأمريكي إلى مدينة العيون، قال عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن حضور وفد تابع لوزارة الخارجية الأمريكية يمثل تطورا متقدما في تعاطي واشنطن مع ملف الصحراء المغربية.
وأشار البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الأمر لم يعد يقتصر على مواقف سياسية أو تصريحات دبلوماسية، سواء من الرئاسة الأمريكية أو من لدن السفير الأمريكي بالمغرب؛ بل تعداه إلى زيارات ميدانية ذات طابع تقني مرتبطة بعمل بعثة الأمم المتحدة المينورسو”.
وأضاف رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن مشاركة شخصيات من مكتب عمليات حفظ السلام بالخارجية الأمريكية تعكس اهتماما متزايدا بكل تفاصيل النزاع الإقليمي المفتعل؛ من خلال الاطلاع المباشر على كيفية اشتغال البعثة الأممية ومهامها المرتبطة بمراقبة الوضع الميداني، ومتابعة كل ما يتعلق بالذراع المالي والإداري للبعثة.
وسجل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض أن الزيارة تمثل حضورا أمريكيا لصيقا بالملف، من أجل تكوين صورة دقيقة عن الواقع واتخاذ قرارات والتعبير عن مواقف واضحة فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المخاطر المرتبطة بالنزاع ومتابعة التحولات والتطورات المهمة التي تعرفها المناطق الجنوبية.
وأكد الخبير ذاته أن هذه التحركات تندرج أيضا في إطار المساعي التي تبذلها الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لتكوين رؤية واضحة وشاملة حول الأوضاع السياسية والميدانية في المنطقة، قبيل بلورة مواقفها بشأن المسار الأممي لتسوية النزاع، وكذا في سياق الدعم المتواصل للجهود التي يقودها ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الرامية إلى استئناف العملية السياسية وإيجاد حل سياسي واقعي ومتوافق بشأنه لهذا النزاع الإقليمي.
وأوضح رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن هذه الزيارة وإن كانت ذات طبيعة تقنية، فهي أيضا فرصة للاطلاع على جوانب أخرى ربما غير معلنة، من خلال زيارة البنى الرسمية والمناطق التي شهدت تطورات مهمة، بعيدا عن المغالطات التي تروج لها بعض الأطراف المعادية للوحدة الترابية للمملكة.
وأنهى البلعمشي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن هذه الخطوة ستساعد الولايات المتحدة الأمريكية على بلورة موقف أوضح تجاه الملف أثناء مناقشة مشاريع القرار الجديدة بمجلس الأمن، وتترجم الاهتمام المتزايد بكل تفاصيل النزاع، سواء على المستوى السياسي أو المالي أو الإداري أو العملياتي للبعثة الأممية.
من جانبه، سجل عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، أن زيارة وفد رفيع المستوى مكلف بمكتب عمليات حفظ السلام التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تشكل خطوة غير مسبوقة في تدبير نزاع الصحراء المغربية، ويمكن تفسيرها في إطار جهود الولايات المتحدة الأمريكية لتسريع ترجمة التزاماتها الدولية تجاه المملكة المغربية كحليف استراتيجي في منطقة شمال إفريقيا.
وأوضح الكاين، ضمن إفادة لهسبريس، أن قرار البيت الأبيض بتأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية يستند إلى روابط تاريخية وقانونية وواقعية، معتمدا على سجل المغرب الناصع في فض النزاعات بطرق سلمية والعديد من الوثائق القانونية والحجج التاريخية التي تثبت شمول الحدود المغربية لإقليم الصحراء منذ القدم وارتباط سكانها بسلاطين المغرب.
وأكد عضو تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن حضور وفد رفيع المستوى بقيادة مدير مكتب عمليات حفظ السلام بوزارة الخارجية الأمريكية له دلالات قوية ترتبط بمساعي تفعيل الموقف الأمريكي من نزاع الصحراء المغربية على مختلف المستويات، وترجمته ميدانيا عبر زيارة للإقليم للاطلاع على التقدمات المحققة في تطبيق اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة سنة 1991، والتحديات المرتبطة بها، إضافة إلى تحديد الأطراف المنتهكة ودراسة ضمان استدامة الاتفاق لإفساح المجال أمام المسارات الدبلوماسية والتفاوضية للتوصل إلى حل سياسي عادل وقابل للتطبيق، عبر اعتماد مقترح الحكم الذاتي المغربي المقدم سنة 2007.
“التوجه الأمريكي الجديد يعكس الانتقال من سياق التصريحات والمواقف إلى اتخاذ إجراءات عملية، مستندة إلى دراسة ميدانية لمختلف تفاصيل النزاع؛ بما في ذلك عمل وفعالية بعثة المينورسو، والنظر في التعقيدات التي تعيق جاهزيتها والخطط المعدة للتعامل مع تلك التحديات مستقبلا”، سجل المصرح عينه الذي لفت إلى أن “ذلك يظهر جليا في تركيبة الوفد الأمريكي، الذي يضم مدير مكتب عمليات حفظ السلام وممثلين عن التمثيلية الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة والقائم بأعمال المستشار السياسي بالسفارة الأمريكية بالرباط”.
وأشار الكاين إلى أن تزامن زيارة الوفد مع التحضير لبدء المناقشات الرسمية بخصوص تمديد ولاية بعثة المينورسو في مجلس الأمن، وحدوث تغييرات جذرية في مواقف العديد من الدول الوازنة، يعكس عزما أمريكيا على إحداث نقلة نوعية في تدبير الملف، من الجمود المرتبط بالحفاظ على التوازنات داخل مجلس الأمن وعدم رغبة بعض الأطراف في إغضاب الجزائر إلى وضع أكثر حركية تلعب فيه الولايات المتحدة دورا رئيسيا لدعم اعتراف الدول بمغربية الصحراء، والضغط لتحييد الجمود الذي طبع عمل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حيال الملف.
وأضاف أن مناقشة طبيعة عمل بعثة المينورسو ومنجزها وكذا التحديات المرتبطة بتحركها وتنفيذ مسؤولياتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 سيمنح الأمريكيين صورة صادقة عن الوضع الحالي للنزاع، ويمكنهم من تقييم نوعية وخطورة تلك التحديات وتحديد الجهات التي تسهم في تكريس حالة الجمود واستطلاع مختلف المواقف لتكوين رأي حول عمل البعثة وإمكانيات استمرارها، والتعامل مع محاولات عرقلة نشاطها.
وبخصوص فحوى الزيارة، أكد الكاين أن هذه المعطيات ستمكن الإدارة الأمريكية من اتخاذ قرار مناسب بشأن النزاع، عبر استكمال المشهد بنهاية زيارة وفد مكتب عمليات حفظ السلام، إلى جانب المحادثات التي أجراها مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس ترامب حول إفريقيا، وزيارات لمسؤولين أمريكيين؛ مثل جوشوا هاريس، مستشار مدير مكتب الشرق الأدنى بوزارة الخارجية سابقا، وغيرها من التقييمات التي تساعد على جمع عناصر القرار لصناع السياسة الأمريكيين لاتخاذ موقف حاسم قبل أكتوبر القادم، موعد انطلاق جلسات مجلس الأمن.
وختم الكاين بالقول إن تزامن هذه الزيارة مع التحضير لمناقشات مجلس الأمن حول تمديد ولاية بعثة المينورسو وإجراء تقييمات عميقة للنزاع يحمل دلالات واضحة على جدية الخطوة الأمريكية ورغبتها في الوصول إلى خلاصة معمقة حول طبيعة النزاع والجهود المبذولة والعوائق التي تعترض التوصل إلى حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن، وربط ذلك بالموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء وإمكانية تبني مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للمشكل رسميا في أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية وتمريره في نقاشات ومقررات الأمم المتحدة، والنظر في سحب الملف من اللجنة الرابعة إلى الأبد.