اهتز الرأي العام المغربي على وقع جريمة بشعة تمثلت في الاعتداء الجنسي على طفل بمدينة اليوسفية، على هامش فعاليات “موسم” مولاي عبد الله أمغار بإقليم الجديدة. الحادث المأساوي لم يكن مجرد اعتداء فردي، بل شبهة تورط جماعي أثارت موجة غضب عارمة، وفتحت من جديد النقاش حول حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية والعقوبات الرادعة لمرتكبيها.
فور انتشار الخبر تحركت السلطات القضائية على الفور، إذ أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالجديدة بفتح بحث قضائي معمق في القضية. وفي إطار التحقيقات الأولية تم وضع شخص راشد تحت تدبير الحراسة النظرية للاشتباه في تورطه في هتك عرض الطفل؛ كما أسفرت الأبحاث عن تحديد هوية مشتبه فيهم آخرين، مازال البحث جارياً لتوقيفهم وتقديمهم للعدالة.
وفي خطوة أساسية لجمع الأدلة تم إخضاع الطفل الضحية يوم الإثنين لخبرة طبية شرعية لتحديد طبيعة الأذى الذي لحق به، كما استمعت السلطات لأقواله بحضور والدته، في محاولة لجمع أكبر قدر من المعلومات حول ملابسات الجريمة المروعة، بينما تتواصل التحقيقات لكشف جميع المتورطين.
القضية أثارت استنكاراً واسعاً من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الطفل، التي وصفت الحادث بـ”الجريمة ضد الإنسانية”.
نجاة أنور، رئيسة منظمة “ما تقيش ولدي”، عبرت عن صدمتها من هول الجريمة، قائلة: “نحن في منظمة ماتقيش ولدي نعتبر هذه الجريمة بشعة بكل المقاييس، جريمة ضد الإنسانية وضد الطفولة. أن يُغتصب طفل بريء من طرف 14 شخصًا فهذه قمة انعدام الضمير”.
وأكدت أنور، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذه الواقعة تؤكد أن المجتمع المغربي يواجه خطراً حقيقياً، وأن الصمت الذي يحيط بالاعتداءات الجنسية يجب أن يُكسر”، ووجهت نداءً قوياً للسلطة القضائية، مطالبة بإنهاء ما أسمتها “ظروف التخفيف” التي يستفيد منها بعض الجناة، موردة: “الوقت حان لنقول بصوت واحد: لا لظروف التخفيف… نعم لعقوبات صارمة ورادعة ضد مغتصبي الأطفال”.
وأعلنت منظمة “ما تقيش ولدي” أنها ستنصب نفسها طرفاً مدنياً في القضية، لمؤازرة الضحية وأسرته ومتابعة الملف أمام القضاء لضمان تحقيق أقصى العقوبات في حق الجناة؛ كما طالبت بضرورة ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية لتشديد العقوبات، بالتوازي مع إطلاق برامج وقائية وتوفير دعم نفسي واجتماعي للضحايا.
من جهتها ذهبت نجية أديب، رئيسة جمعية “ما تقيش ولادي”، إلى أبعد من ذلك في مطالبها، إذ دعت إلى عقوبات “أشد من العقوبات العادية” ضد من وصفتهم بـ”الوحوش” الذين يتربصون بالأطفال؛ وفي تصريح يعكس حجم الغضب لم تتردد في طرح حلول جذرية، قائلة في حديثها مع هسبريس: “يبقى الحل في العقوبات القاسية وربما حتى الإخصاء النهائي… كما يقول المثل الشعبي: ‘قطع هبرة تبرا'”.
وأرجعت أديب أسباب تفشي مثل هذه الجرائم إلى أزمة قيم وتربية أعمق في المجتمع، وأوضحت: “المشكلة الكبرى أنّ هذا البلد يفتقر إلى التربية على القيم والأخلاق… ما حدث هو نتيجة مباشرة لهذا الخلل، إذ أصبحنا نطبع مع مظاهر الفوضى والانحراف وكأنها أمر عادي”.
كما انتقدت المتحدثة غياب الرقابة وحماية الأطفال في التجمعات الكبرى، مثل “المواسم”، محذرة من أن العديد من الحالات قد تمر في صمت، وتساءلت: “أين هي الرقابة؟ وأين هو دور الأسرة والجهات المسؤولة؟ ما نراه هو نوع من الفوضى وغياب كامل للحماية”.
وتبقى قضية طفل اليوسفية جرحاً غائراً في جسد المجتمع، وتذكيراً مؤلماً بأن معركة حماية الطفولة مازالت طويلة وتتطلب تضافر جهود الجميع، من تشديد القوانين وتطبيقها بحزم، إلى إعادة بناء منظومة القيم والتربية التي تشكل خط الدفاع الأول عن براءة أطفال المغرب.