آخر الأخبار

استصدار وثائق الأطفال.. هكذا تحاصر الإجراءات الإدارية الأمهات المطلقات والمتخلى عنهن - العمق المغربي

شارك

تظل الأسرة الركيزة الأساسية لبناء المجتمع المغربي، وعندما تتفكك هذه الوحدة، تواجه الأمهات المطلقات والمتخلى عنهن تحديات يومية جسيمة، خاصة في ما يتعلق برعاية أبنائهن وضمان حقوقهم الأساسية.

ومن أبرز هذه التحديات صعوبة استصدار الوثائق الإدارية الخاصة بالأطفال، وهي خطوة أساسية لضمان وصولهم إلى التعليم والخدمات الصحية والتنقلية، ما يجعل هذه المعاملة الإدارية أكثر من مجرد إجراء روتيني، بل مسألة حياتية وحقوقية.

معاناة الأمهات تتجلى، كذلك، في طوابير المرافق الإدارية المغربية، حيث يطلب منهن تقديم ملفات مطولة ومتابعة توقيعات وإجراءات قانونية قد لا تستطيع الأم استكمالها بسبب غياب الأب أو تخليه عن مسؤولياته.

هذا الوضع يحول الإجراءات البسيطة إلى رحلة شاقة تتطلب صبرا كبيرا، وتستنزف الوقت والجهد، وتلقي بثقل نفسي كبير على الأم، بينما يكون الأطفال المتضررون المباشرون من هذا الواقع.

وتبرز التحديات القانونية والإدارية التي تواجه الأمهات بالمغرب باعتبارها ليست حالات نادرة، بل واقع يعيشه العديد من النساء بعد الطلاق أو في حالة تخلي الأب عن مسؤولياته.

وفي ظل هذه المعطيات، يصبح الأطفال بلا سند قانوني فعال، وقد تؤخر مصالحهم التعليمية والصحية، ما يجعل المصلحة الفضلى للطفل محل جدل وتحد، خصوصا حين تتعارض نصوص مدونة الأسرة الحالية مع متطلبات العصر والواقع الاجتماعي المغربي.

الأطفال.. أدوات ضغط

نصيرة الخمليشي، نائبة رئيسة جمعية المرأة المناضلة بتطوان، اعتبرت أن النساء المطلقات، وخاصة اللواتي تم التخلي عنهن، يعانين من مجموعة من العراقيل القانونية والإدارية، لاسيما في ما يتعلق باستخراج الوثائق الرسمية الخاصة بأبنائهن أو تدبير مختلف الشؤون اليومية المتعلقة بهم.

وتشدد الخمليشي على أن هذه المعاناة تمتد إلى البعد القانوني المتجذر في نصوص مدونة الأسرة، وخصوصا المواد 230 و237 و238، التي تمنح الولاية القانونية على الأبناء للأب حصريا، وتقيد الأم في ممارسة هذه السلطة حتى بعد الطلاق، إلا في حالات محددة جدا.

وتوضح الخمليشي أن هذه المواد تجعل الأطفال أحيانا أدوات ضغط ضد الأم، أو حتى ضد الأسرة كاملة، مؤكدة أن القاعدة القانونية تنص على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، لكن الواقع اليومي لا يعكس هذه المصلحة، إذ غالبا ما تتحول الإجراءات البسيطة إلى معوقات تؤثر على حقوق الطفل في التعليم، الصحة، والتنقل.

تضرب الخمليشي أمثلة واقعية، منها صعوبة القيام بإجراءات مثل نقل الطفل بين أقسام المدرسة، تغيير المؤسسة التعليمية، أو تعديل استعمال الزمن ليناسب ظروف الأسرة، خاصة الأم العاملة، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تتطلب غالبا حضور الأب، حتى لو كان مسجونا، مريضا، أو غائبا عن البلاد.

وتضيف: “حتى إصدار وكالة قانونية من طرف الأب يستغرق وقتا ثمينا لا يتماشى مع الطابع الاستعجالي للوضع، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا على صحة الطفل وحياته في بعض الحالات”، معتبرة أن هذه التعقيدات تضرب المصلحة الفضلى للطفل، وتضع الأم أمام ضغط نفسي وقانوني مزدوج.

وترى الخمليشي أن النصوص القانونية الحالية لم تواكب تطورات المجتمع المغربي، حيث أصبحت المرأة شريكة فعلية في النفقة ورعاية الأبناء، وغالبا تتحمل المسؤولية كاملة بعد الانفصال.

وتضيف تصريحها لجريدة “العمق” قائلة: “كيف يعقل أن تحرم الأم من أبسط الحقوق القانونية تجاه أطفالها في زمن أصبحت فيه مشاركة الأم في التربية والإنفاق أمرا واقعيا؟”.

وتقترح الخمليشي ضرورة تقنين وتقوية الولاية القانونية المشتركة بين الزوجين، سواء خلال الزواج أو بعد الانفصال، مع وجود آليات مرنة وسريعة لمعالجة الخلافات أو التعقيدات الإدارية، بما يضمن حماية حقوق الطفل دون تعطيل الإجراءات الضرورية، خاصة في الحالات الطارئة أو الصحية، وفق ما يُعرف بالـ(Golden Time) أو “الوقت الذهبي”.

وتختم الخمليشي تصريحها بالتأكيد على أن القانون ينبغي أن يتطور بتطور المجتمع، وأن المصلحة الفضلى للطفل يجب أن تكون البوصلة التي توجه كل التشريعات والسياسات، بعيدا عن النصوص الجامدة التي لا تراعي التحولات العميقة التي يعرفها الواقع المغربي، وخاصة أوضاع النساء والأطفال بعد الطلاق أو في حالات التخلي عن المسؤولية.

ثغرات قانونية وتمييز اجتماعي

من جهتها، تيىر سعاد البراهمة، محامية بهيئة سطات ورئيسة الجمعية المغربية للنساء التقدميات، أن وضعية الأطفال المتخلى عنهم تطرح إشكالات متعددة، اجتماعية ونفسية وقانونية واقتصادية، خاصة الجوانب القانونية باعتبارها الإطار الناظم للحقوق والضمانات المقررة لهؤلاء الأطفال.

وأوضحت البراهمة في تصريح للجريدة أن القانون المغربي يعتبر الطفل المتخلى عنه، أو ما يصطلح عليه قانونا بـ”الطفل المهمل”، هو المولود من أبوين مجهولين، أو المعروفين اللذين تخليا عنه، أو الذي لا يتوفر على رعاية قانونية فعلية.

وأشارت إلى أن المشرع نظم هذه الوضعية بمقتضى القانون رقم 15-01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، محددا مساطر تدخل النيابة العامة وقاضي الأحداث لإثبات وضعية الإهمال وإسناد الكفالة إلى أسرة أو مؤسسة مؤهلة.

ولفتت البراهمة إلى أن القانون يخول تسجيل الأطفال المتخلى عنهم في الحالة المدنية ومنحهم اسمًا عائليًا وشخصيًا، سواء من وُلدوا من أبوين مجهولين أو وقع التخلي عنهم من قبل والديهم، حيث يتولى وكيل الملك التصريح بولادتهم تلقائيًا أو بطلب من السلطات المختصة، ويتم منحهم اسم وفقًا لمقتضيات القانون رقم 37-99 المتعلق بالحالة المدنية ونصوصه التطبيقية.

أما بالنسبة للأطفال المولودين من أب مجهول، فيسمح القانون للأم بتسجيلهم في الحالة المدنية وإنجاز كناش الحالة المدنية باسمها، إلا أن الممارسة العملية تكشف عن صعوبات ناتجة عن الوصم الاجتماعي والتمييز، وفق البراهمة.

وأضافت أن ثغرات تشريعية تجعل الأمهات العازبات يواجهن عراقيل في استصدار الوثائق الرسمية لأبنائهن، رغم أن أي رفض لمنح رسوم الولادة أو الدفاتر المدرسية أو غيرها بدعوى مجهولية النسب يُعد تعسفًا يخول الطعن والتظلم.

وأفادت المتحدثة بأنه على مستوى الحقوق الأساسية، فيفترض أن يتمتع الطفل المهمل بحقوقه في التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، على قدم المساواة مع باقي الأطفال، ودون الحاجة إلى إجراءات خاصة، إذ لا يجوز أن تشكل صفته القانونية مانعًا من الولوج إلى الخدمات الاجتماعية أو الرعاية الصحية.

وأردفت: “ومع ذلك، لا تزال هناك مظاهر حيف تمس هذه الفئة، أبرزها حرمان الأطفال من حمل اسم الأب رغم ثبوت النسب علميًا من خلال الخبرة الجينية، وغياب المساواة التامة في الحقوق بين الأبناء المولودين في إطار الزواج وخارجه، وعدم تنزيل الطفل المكفول أو بالتبني منزلة الابن الشرعي بكامل الحقوق والواجبات”.

وتشدد على أن هذه الاختلالات تقتضي مراجعة النصوص القانونية بما يضمن الاعتراف الكامل بالحقوق المدنية والاجتماعية للأطفال المتخلى عنهم أو المولودين من أب مجهول، وضمان استفادتهم من الرعاية الصحية والاجتماعية، وحمايتهم من كافة أشكال التمييز والوصم، انسجامًا مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا