آخر الأخبار

الأبوة الغائبة.. كيف يتحول غياب الأب إلى أزمة صامتة تهز تماسك الأسرة الحديثة؟ - العمق المغربي

شارك

في مجتمعاتنا المعاصرة، بدأت تظهر بشكل متزايد ظاهرة “غياب الأب” عن الأسرة، سواء بشكل كلي نتيجة الطلاق أو الهجرة، أو بشكل جزئي عبر الحضور الجسدي والغياب العاطفي والتربوي، هذه الظاهرة، التي قد تبدو عابرة عند البعض، تحمل في طياتها انعكاسات عميقة على تماسك الأسرة ونمو الأطفال نفسيا واجتماعيا.

ويعد الأب أحد الأعمدة الأساسية في بناء الأسرة كمصدر دخل أو سلطة، بل كحاضن للقيم، ومرشد في مراحل النمو الحساسة للطفل، لكن في ظل الضغوط الاقتصادية، وساعات العمل الطويلة، والانشغال بالحياة اليومية، غاب دور الأب التربوي في كثير من البيوت، مما أحدث فجوة كبيرة في التوازن الأسري.

في بعض الحالات، يكون الغياب نفسيا فقط، إذ يعيش الأب في البيت، لكنه لا يشارك في التربية، ولا يتواصل مع أطفاله، تاركا الأم تقوم بالدورين معا.

في حالات أخرى، يغيب الأب فعليا بسبب الطلاق أو الهجرة، وتتحمل الأسرة، خاصة الأطفال تبعات هذا الغياب من انعدام الشعور بالأمان إلى مشكلات في الانضباط وضعف الثقة بالنفس.

تشير دراسة نفسية واجتماعية إلى أن الطفل الذي ينشأ في بيئة يفتقد فيها دور الأب، يكون أكثر عرضة للصعوبة في التعلم، أو السلوك العدواني، أو حتى الانحراف في بعض الحالات، كما يعاني من فراغ عاطفي يصعب تعويضه لاحقا، مهما كانت جهود الأم مضاعفة.

من جهة أخرى لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة للأب فقط، فالمجتمع الحديث ألقى بتحديات كبيرة على الأباء، منها صعوبة التوفيق بين العمل والأسرة وضغوط النجاح وتغير مفاهيم الرجولة والتربية، مما يتطلب مراجعة جماعية لطريقة تعاملنا مع دور الأب في الأسرة.

في هذا الصدد، أوضحت الدكتورة أسماء أغنضور، أستاذة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، أن للأب دورًا محوريًا في تحقيق الأمان الأسري، كما يُسهم بشكل فعّال في دعم عملية تربية الأطفال وتعزيز استقرار الأسرة ككل.

وأضافت أغنضور في حديث خصّت به جريدة “العمق المغربي”، أن الأسرة تُعدّ نواة المجتمع، واستقرارها ينعكس بشكل مباشر على استقرار المجتمع بأكمله، معتبرة أن الأب يُشكّل أحد الركائز الأساسية داخل هذه المنظومة.

وأكدت المتحدثة ذاتها أن للأب رمزية كبيرة داخل الأسرة، إذ يُنظر إليه كقدوة بالنسبة للأبناء، وكحامٍ ومصدر للأمان بالنسبة للأسرة بشكل عام، وهو من يحقق التوازن العاطفي داخل هذا الكيان.

وشدّدت أغنضور على أن وجود الأب لا يجب أن يكون مجرد وجود جسدي، بل ينبغي أن يكون وجودًا فعليًا ومؤثرًا، مشيرة إلى أن بعض الآباء، رغم تواجدهم الجسدي داخل البيت، إلا أنهم يغيبون فعليًا عن أداء أدوارهم التربوية والاجتماعية، خاصة حين يسود سلوكهم نمط سلبي، كتعاطي المخدرات أو الخمر أو ممارسة العنف والتسلط، مما يؤدي إلى اضطراب الأسرة بدل تحقيق توازنها.

وأوضحت أغنضور أن الأب قد يكون غائبًا جسديًا بحكم العمل في مدينة أو دولة بعيدة، لكنه يظل حاضرًا بقوة في حياة الأسرة، إذا حافظ على التواصل مع أبنائه، وقدّم لهم الدعم العاطفي والرعاية والحنان.

وأعطت مثالًا على ذلك بالأب الذي يشتغل في جنوب المغرب بينما تعيش أسرته في تطوان، ومع ذلك يحرص على زيارتهم بانتظام، ويظل مصدرًا للقدوة والحماية والأمان، ما يُسهم فيفي تحقيق التوازن العاطفي والنفسي للأبناء.

وفي المقابل، تحدثت أغنضور عن التأثيرات النفسية لغياب الأب، فقد بيّنت أن من أبرزها تدني احترام الذات لدى الأبناء، حيث يشعر الطفل بوجود نقص عاطفي يؤدي إلى اضطرابات متعددة مثل القلق، وانعدام الشعور بالأمان، نظرًا لغياب هذا المصدر الأساسي.

كما قد يتسبب الغياب في اضطرابات على مستوى التكيف النفسي والاجتماعي، ويؤثر سلبًا على النمو العاطفي والاجتماعي، مما يؤدي إلى تكوين علاقات غير صحية مع الآخرين، تتسم غالبًا بالتعلق المرضي، نتيجة الخوف من الهجر، كما حدث مع الأب، وهو ما ينعكس على نوعية العلاقات المستقبلية، سواء بالنسبة للذكور أو الإناث.

وأشارت أغنضور كذلك، إلى أن غياب الأب قد يُفضي إلى تراجع التحصيل الدراسي، وقد يتطور الوضع إلى ظهور اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، القلق، أو الوسواس القهري لدى الأطفال.

ورغم كل هذه التداعيات، أكدت الدكتورة أغنضور على أهمية دور الأم في هذه الحالة، مشيرة إلى أنه بمقدورها المساهمة في تحقيق استقرار الأسرة وتعويض غياب الأب من خلال بناء بيئة صحية داخل البيت، وإحاطة الأبناء بالحب والحنان والرعاية، وتلبية حاجاتهم النفسية والمادية، إضافة إلى التواصل الإيجابي معهم، والاستماع لهم، وممارسة الأدوار التي تخلّى عنها الأب.

واختتمت أغنضور تصريحها بالتأكيد على أن الأطفال هم أعظم نعمة وأهم عنصر ينبغي على الأسرة رعايته، لأنهم يشكلون جيل الغد، وتربيتهم بشكل متوازن نفسيًا هو السبيل لضمان مستقبل أفضل، فإما أن يكونوا أشخاصًا مضطربين نفسيًا نتيجة الإهمال، أو أفرادًا أسوياء يساهمون بفعالية في بناء مجتمع قوي ومتطور.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا