أكد خبراء مغاربة أن إدماج المرأة في سوق العمل بالمغرب ما يزال يواجه تحديات بنيوية وثقافية وتشريعية، رغم التقدم المحقق على مستوى النصوص القانونية والسياسات العمومية، مشددين على أن المشاركة الاقتصادية للنساء لا تعكس حجمهن العددي في المجتمع، وأن نسبة نشاطهن ما تزال من بين الأدنى في المنطقة.
واعتبروا أن تمكين المرأة اقتصاديا يتطلب رؤية شمولية تتجاوز منطق فرص الشغل المؤقتة، نحو بيئة مهنية مستدامة قائمة على المساواة وتكافؤ الفرص، تبدأ بالاستثمار الجاد في التعليم والتكوين المستمر، وإصلاحات تشريعية تضمن أنظمة عمل مرنة وخدمات مساندة مثل الحضانات والنقل، مع إرادة سياسية وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص.
وتظهر دراسات اقتصادية أن ادماج المرأة في سوق الشغل بشكل فعال يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تترواح بين 10 و30في المائة، حسب طبيعة الاقتصاد المحلي، فالمرأة لا تمثل فقط يد عاملة، بل هي مستهلكة ومبادرة و مبتكرة، تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال مشاريعها ومساهماتها في القطاعات الفلاحية والصناعية والتجارية و الخدماتية.
كما أن الاستثمارات في تعليم المرأة وصحتها لها أثر إيجابي مضاعف على المجتمع بأسره، بحيث تساهم المرأة المتعلمة في تربية أجيال أكثر وعيا وانفتاحا، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر إنتاجية واستقرارا على المدى الطويل، وتشير تقارير التنمية الدولية إلى أن المجتمعات التي تستثمر في نسائها تعرف معدلات نمو أعلى، ومؤشرات فقر أقل، مقارنة بالمجتمعات التي تهمش المرأة.
وفي الوقت الذي تشكل فيه النساء نصف المجتمع المغربي، فإن حضورهن لا يترجم إلى مشاركة فعلية في الاقتصاد أو استفادة متساوية من الخدمات العمومية، حيث أن معظمهن يشتغلن في قطاعات هشة وغير مهيكلة تفتقر إلى شروط العمل اللائق، وأن المعاناة تتضاعف في العالم القروي مع ارتفاع نسب الهدر المدرسي بين الفتيات.
لتقليص هذه الفجوة، اعتبر خبراء أن الأمر يتطلب مراجعة جذرية للسياسات العمومية الموجهة للمرأة، وتجديد مقارباتها بما يضمن عدالة الفرص في التعليم، والصحة، والشغل، انسجاماً مع التوجيهات الملكية الأخيرة التي دعت إلى تنمية منصفة لجميع الجهات والفئات، وتجاوز الصور النمطية والعراقيل البنيوية التي تحد من إمكانات النساء في المساهمة الكاملة في التنمية الوطنية.
غياب المساواة في برامج التشغيل
في هذا السياق، يرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، أن إدماج المرأة في سوق العمل بشكل فعال يستوجب رؤية شمولية تتجاوز منطق خلق فرص شغل مؤقتة، نحو بناء بيئة مهنية مستدامة تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص.
واعتبر الغنبوري في تصريح لجريدة “العمق”، أن الأمر يبدأ بالاستثمار الجاد في التعليم والتكوين المستمر للنساء، مع التركيز على تزويدهن بالقدرات و الكفاءات المطلوبة في القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والطاقات المتجددة والخدمات الحديثة.
وأشار إلى أن إدماج المرأة يمر عبر إصلاحات تشريعية تضمن أنظمة عمل مرنة تراعي التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، إلى جانب توفير خدمات مساندة مثل حضانات الأطفال ودعم النقل، وهو ما يعزز قدرتها على الاستمرار والتطور في مسارها المهني.
ويضيف الغنبوري أنه رغم التقدم الذي أحرزه المغرب على مستوى القوانين والسياسات، فإن نسبة نشاط النساء لا تتجاوز اليوم 19 في المئة، وهي من بين الأدنى في المنطقة، وهذا يعكس فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والواقع العملي.
ولفت المتحدث إلى أن النساء يواجهن عراقيل مرتبطة بالثقافة المجتمعية والصورة النمطية للأدوار، إضافة إلى محدودية الولوج إلى بعض القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
وشدد على أن تفعيل إدماج المرأة اقتصاديا يتطلب إرادة سياسية قوية، وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، مع حملات توعية مجتمعية تغير الذهنيات وتفتح الباب أمام مساهمة النساء بشكل كامل في التنمية، بالإضافة إلى تنصيب صريح على المساواة في الاستفادة من فرص الشغل خاصة في البرامج الحكومية المعدة لهذا الغرض.
ويرى الغنبوري أن المرأة تواجه العديد من عراقيل ثقافية واجتماعية واقتصاديو وتشريعيو، قائلا: “مازالت بعض الصور النمطية تضع المرأة في أدوار تقليدية وتحد من تصور المجتمع لإمكاناتها المهنية، كما أننا نجد فجوة الأجور بين النساء والرجال، وصعوبة الولوج إلى قطاعات معينة تعتبر حكرا على قوانين تدعم المساواة، إلا أن ضعف تفعيلها ومراقبتها يجعلها أقل تأثيرا على أرض الواقع”.
وتابع قوله: “يضاف إلى ذلك نقص البنية التحتية الاجتماعية، مثل الحضانات والنقل العمومي الآمن، مما يخلق تحديات يومية أمام المرأة العاملة، خاصة في القرى والمناطق الهشة، هذا بالإضافة إلى غياب الارادة السياسة فيما يتعلق بتمكين المرأة في مجال التشغيل”.
وأشار المتحدث هنا إلى برامج التشغيل التي أطلقتها الحكومة مثل برنامج فرصة وأوراش، مشيرا إلى أن الحكومة لم تعتمد أي شروط أو أي اجراء لفرض المساواة في الاستفادة منها بين الذكور والإناث، خاصة أنها برامج ممولة من المال العام.
نصف المجتمع لا يستفيد من النمو
من جانبه، يعتبر الباحث المغربي في قانون الاعمال والاقتصاد في جامعة الحسن الثاني، بدر الزاهر الأزرق، أن الإحصاءات الأخيرة تشير أن النساء يُشكلن أكثر من نصف المجتمع المغربي، غير أن هذا الحضور العددي لا ينعكس بالضرورة على مستوى المشاركة الاقتصادية أو الاستفادة من الخدمات العمومية كالتعليم والصحة والتشغيل.
واعتبر الأزرق في تصريح لجريدة “العمق” أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو “هل تستفيد النساء بنفس النسبة من النمو الاقتصادي؟ وهل تُتاح لهن فرص متساوية في سوق الشغل والاستفادة من الخدمات الأساسية؟”.
وأضاف: “الجواب طبعا لا، فالأمر لا يزال سلبياً، إذ تُسجل نسب تشغيل النساء معدلات متدنية، فضلاً عن أن المناصب التي تشغلها النساء غالباً ما تكون هشة، وتفتقر إلى شروط العمل اللائق، معظم النساء يشتغلن في القطاع غير المهيكل، كخادمات في المنازل، وعاملات في المطاعم، ويد عاملة في الحقول الزراعية، وهي قطاعات لا توفر الحد الأدنى من الأجور، ولا تضمن لهن حقوقهن الاجتماعية الأساسية كالتغطية الصحية، أو التقاعد، أو إثبات علاقة الشغل الرسمية، مما يُقصيهن من منظومة الحماية الاجتماعية”.
واعتبر أن حدة المعاناة تزداد لدى النساء في العالم القروي، بحيث تُسجّل نسب مرتفعة من الهدر المدرسي في صفوف الفتيات، فكثيرات منهن لا يلجن المدرسة مطلقاً، أو يُجبرن على الانقطاع المبكر عنها بسبب ظروف اقتصادية أو قيود اجتماعية وثقافية، حيث لا يُسمح لهن أحياناً بمغادرة حدود قراهن طلباً للتعليم.
وأبرز المتحدث أن هذا الواقع المقلق يُحتم ضرورة مراجعة السياسات العمومية الموجهة للمرأة، والتي، رغم مرور سنوات على إطلاقها، لم تُحقق الأهداف المرجوة من حيث التمكين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي،
وأشار هنا إلى الخطاب الأخير للملك محمد السادس، والذي شدد فيه على أهمية اعتماد مقاربة جديدة في السياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار التحولات والسياقات الراهنة، بهدف تحقيق تنمية منصفة لجميع الجهات والفئات، بعيداً عن منطق الفئوية أو التفاوت في وتيرة التنمية.
ويرى المتحدث أن التمييز في معدل الاستفادة من الخدمات العمومية بين النساء والرجال، ومحدودية فرص النساء في الولوج إلى مناصب الشغل أو مراكز القرار، يطرح تساؤلات عميقة حول فعالية السياسات الحالية، كما أن هذه السياسات تحتاج إلى “تجديد دمائها”، وإعادة صياغة منطلقاتها وأهدافها وفق رؤية جديدة تضمن عدالة الفرص.
وشدد على أن العراقيل لا تكمن فقط في البنية الاجتماعية والثقافية، بل أيضاً في محدودية تأهيل المرأة ذاتها، مردفا أن المرأة التي لم تتلقَّ تعليماً كافياً، ولم تنل حظاً من التكوين المهني، تجد نفسها عاجزة عن ولوج سوق الشغل أو المطالبة بحقوقها، مما يُكرّس واقع التهميش الذاتي.
ودعا الأزرق إلى أن البداية الحقيقية يجب أن تنطلق من إصلاح المنظومة التعليمية، وضمان تعليم جيد للفتيات، بما يُمكِّنهن من تطوير كفاءاتهن وقدراتهن، لتصبح لهن القدرة على المشاركة الفاعلة والمطالبة بحقوقهن.
كما شدد على ضرورة ملاءمة السياسات الصحية والاجتماعية مع خصوصية المرأة، خاصة في ما يتعلق بطب النساء، ورعاية الأمومة والطفولة، وضمان الولوج الكريم والسريع إلى هذه الخدمات في جميع مناطق المغرب.