يدعو الكاتب عبد الرحيم التوراني إلى استثمار مغاربي للفن، يتحمّل مهمة الإبداع المسؤول من أجل تحدي “الروايات السائدة حول النزاعات السياسية، من خلال تقديم وجهات نظر بديلة تُضفي طابعًا إنسانيًا على جميع الأطراف المعنية”، مردفا في تصريح لهسبريس أن “الفن له قدرة على إحداث التغيير على المستويين النفسي والاجتماعي، وهو والثقافة أداة قيّمة في مجال حل النزاعات، في سياقات دولية متنوعة، وأثبت فعاليته في تعزيز السلام والمصالحة”.
وأضاف الكاتب الصحافي المغربي: “إن ما يجمع الجزائر والمغرب كقوة ثنائية في شمال إفريقيا، يتجاوز الحدود الجغرافية، ويتعداها إلى ثقل التاريخ والهوية والمصير المشترك، والطموح التاريخي في حلم بناء مغرب عربي، (أو مغاربي) موحد، على أسس التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي، كبديل عن المواجهة والحرب الباردة المستمرة منذ نصف قرن”.
وفي هذا الإطار، قال التوراني إنه “ينبغي، بل من الواجب، الترحيب بحضور ومساهمة فناني الجزائر في بلدهم الثاني المغرب، وبالمقابل الأمر نفسه بالنسبة لحضور ومساهمة الفنانين المغاربة في الجزائر… وهو ما كان يحصل قبل اندلاع أزمة الصحراء المغربية وموقف النظام الجزائري من مغربيتها”.
وتابع صاحب “يوميات مغربي في حرب إسرائيل على لبنان”: “منذ استقلال الجزائر إلى حدود منتصف السبعينيات من القرن الماضي كانت الفرق الفنية المسرحية تقوم بجولات فنية عبر جهات ومدن الجزائر، مثل فرقة الطيب الصديقي وفرقة مسرح البدوي… كما كان المطرب عبد الوهاب الدكالي والمطرب عبد الهادي بلخياط يحظيان بجمهور جزائري واسع من عشاق أغانيهما، أضيف إليهما عشاق الأغاني الغيوانية، من ‘ناس الغيوان’ و’جيل جيلالة’ و’لمشاهب”.
كما أن “الجمهور المغربي أيضا يعشق إبداعات الفنانين الجزائريين، خصوصا فناني موسيقى الراي، والأسماء كثيرة يتقدمها الشاب خالد، والشاب مامي، وبلال، وفوضيل، ورشيد طه، والشابة الزهوانية… ويمكن أيضا أن نضيف إليهم الكوميدي الجزائري المشهور عبد القادر السيكتور، الذي أنتج سلسلة فكاهية بالاشتراك مع الكوميدي حسن الفد، تمّ بثها على القناة الثانية المغربية”.
وذكر التوراني أنه “إلى وقت قريب كان هؤلاء الفنانون الجزائريون يشاركون في حفلات ومهرجانات مغربية، ويجري استقبالهم بسخاء وكرم وبتعاطف واضح من لدن الجمهور المغربي”، ثم استرسل قائلا: “إن ما وصف في الإعلام بـ’اليد الممدودة’ لملك المغرب محمد السادس تجاه الجار الجزائري لا يخرج في اعتقادي عن هذا التصور الصحيح، الذي يسعى إلى مساعدة الجمهور والناس والشعبين في كل من المغرب والجزائر على تجاوز الخلافات، بغاية الوصول إلى مستوى أعمق من التعاطف والفهم، وبالتالي تعزيز التعافي والمصالحة، وتوطيد الشعور بالتعاون والتنسيق والوحدة والتماسك، بدلا من التفرقة وتنمية الاختلافات”.
ثم تابع: “يحظى الفن والثقافة إجمالا بامتلاك قدرة هائلة وعميقة، تلامس أعمق المشاعر لدى الجماهير والشعوب؛ إذ يجب علينا في هذا السياق استحضار مدى أهمية التأثير المحوري الذي يمارسه الإبداع الثقافي والفن على المشاعر الإنسانية”.
واستحضر الكاتب المغربي طاقة الفنون والثقافة في حل النزاعات السياسية بين الدول والبلدان، مسجلا أن استثمارها لحلّ بُعد الشّقة بين البلدين لن تكون نتيجته إلا “إسهاما مطلوبا في التخفيف من حدة المواقف المتصلبة، وإثارة التعاطف وتغيير السرديات وتقليل التوترات، وفتح آفاق جديدة للفهم والتفاهم”؛ فـ”هذا، ولا ريب، من شأنه تغيير نظرة الأفراد للآخر ممن ينعت بالخصم أو العدو، وأيضا تحطيم التصورات الجامدة التي تساهم في تضخيم النزاعات وفي تأجيج النعرات العدائية”.
وختم التوراني تصريحه لهسبريس حول الحلول الشعبية لرأب الصدع بين البلدين الجارين بقول: “إن كسر الحواجز وإصلاح العلاقات لهو الهدف المشترك؛ وهو أمر ضروري لحل النزاعات، وإنهاء التوتر الذي عمَّر أكثر مما كان يُتصور”.