آخر الأخبار

"المسطرة المدنية" تجدد النقاش حول الحكامة التشريعية والفصل بين السلط

شارك

فاتحة باب نقاشات قانونية ومؤسساتية رفيعة المستوى فضلا عن ملاحظات المختصين، أكدت المحكمة الدستورية عدم دستورية مجموعة من مقتضيات ومضامين مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه، نيابيا، في يونيو المنصرم في إطار “القراءة الثانية”؛ فيما نالت المادة السابعة عشرة منه اهتماما خاصا بإثارتها الجدل لكونها تمنح النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية.

ولم يتأخر تفاعل وزارة العدل مُرحبة بقرار المحكمة الدستورية، معتبرة أنه “يعكس حيوية المؤسسات الدستورية للمملكة، ويجسد روح التفاعل الإيجابي بين السلط، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات”. كما جددت، ضمن بلاغ بالمناسبة، “التزامها بمواصلة العمل في إطار روح الحوار المؤسساتي البناء، من أجل ملاءمة النصوص القانونية مع أحكام الدستور، وتطوير تشريعات تواكب التحولات المجتمعية وتكرس مبادئ الأمن القضائي، والشفافية، والنجاعة في أداء مرفق العدالة”.

“الحكامة التشريعية”

عبد اللطيف مستكفي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق-الدار البيضاء، قال إن “قراءة قرار المحكمة، القاضي بعدم دستورية مجموعة من مواد مشروع قانون رقم 23-02 المتعلق بالمسطرة المدنية، تقتضي إدراج العديد من الملاحظات”.

وقال مستكفي معددا إياها، في تصريح خص به هسبريس، إن “الملاحظة الأولى هي إشادة وتأكيد لا بد منه على أهمية ودور المحكمة الدستورية في ترسيخ دولة الحق والقانون، وعلى نجاعتها في العديد من المحطات الدستورية”.

أما الملاحظة الثانية، التي سجلها المصرح ذاته، فهي أنه “بالنظر إلى عدد الملاحظات التي تم إدراجها والتي تتجاوز المعهود، فإنه يطرح سؤال “الحكامة التشريعية” في ارتباط بمركز نواب الأمة سواء في إطار التمثيلية المرتبطة بالهيئة الناخبة أو في إطار الخطوط العريضة المتضمنة في الخطب الملكية بمناسبة افتتاح الولايات التشريعية”.

وعن الملاحظة الثالثة، تابع الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية قائلا: “العديد من الملاحظات الوجيهة المشار إليها في التقرير لا تشكل في طبيعتها تنافيا مع روح الدستور فقط؛ بل هي في مضمونها تشكل خرقا وتجاوزا لروح الوثيقة الدستورية. ضاربا مثالا بالوقوف على “مضمون المادة السابعة عشرة من مشروع القانون، حيث يمكن الإشارة إلى نوعين من الخروقات”.

وأبرز المتحدث ذاته أن “النوع الأول مرتبط بالمس بحق الدفاع كحق دستوري مكفول بمنطوق الفصل 120 من دستور 2011؛ ذلك أن مضمون المادة 17 يخول للنيابة العامة الطعن في الأحكام بدون قيود زمنية”، لافتا إلى أن النوع الثاني من الخروقات “يمس جوهر دستور 2011 الذي تجاوز منطق فصل السلط لجون لوك في ارتباط بدساتير ما قبل 2011، ليحل محله منطق ‘مونتيسكيو’ الذي يترجمه الباب السابع من الدستور الحالي الذي يؤكد على السلطة القضائية عوض القضاء؛ فلا يمكن القبول بالتطاول على اختصاص القضاة المزاولين فعليا لمهامهم القضائية”.

وخلص الأكاديمي في تخصص القانون الدستوري والعلوم السياسية إلى “الإشارة إلى مسألة جوهرية”، حسب؛ وهي أن رد فعل الحكومة في إطار المسؤولية التضامنية ووزير العدل صاحب الاختصاص، المترجم في الترحيب بملاحظات المحكمة الدستورية – تبقى الإشارة- إلى أن رد الفعل هذا يكتسي ظاهريا، طابعا سياسيا ممزوجا بنوع من الإحراج المعبر عنه بأسلوب لبق. ولكن يحمل في طياته نوعا من الإحراج لصانعي التشريع والمصوتين عليه، ويُعيد في الوقت نفسه السؤال التالي: هل تجاوزْنا مقولة «ألان كليس» [“التمثيلية البرلمانية بالمفهوم المسرحي للكلمة]”.

“عدم الدستورية”

بسَط محمد الهيني، خبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان عضو سابق بلجنة إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية، بعض “الملاحظات بشأن نظرية الخرق الدستوري البين على ضوء قرار المحكمة الدستورية بخصوص فحص عدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية”.

وسجل الهيني، ضمن قراءة تحليلية طالعت هسبريس نصها الكامل، أن “قرار المحكمة الدستورية رقم 255/25 وتاريخ 2025/08/04 في الملف عدد: 303/25 القاضي بعدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية شكل “حدثاَ قانونيا تاريخيا بامتياز؛ لأنه حسَم نقاشا دستوريا طال انتظاره بين منتقد ومؤيد كل من موقعه لهذا التشريع المسطري الذي يعد دستور العدالة أو قانونها الإجرائي العام”.

وحسب الخبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان، يُستخلص من منطوق القرار أنها قضَت بعدم دستورية بعض المواد حصرا دون حاجة إلى فحص دستورية باقي المواد التي لم يتم الوقوف عندها بشكل صريح؛ مبرزا أن “هذا يعني أن قانون المسطرة المدنية بهذا القرار افتقد لماهيته كقانون وصار وثيقة تشريعية سابقة مما يُحتم على الحكومة وضع مشروع جديد يستجيب لقرار المحكمة الدستورية سواء المعلن عنه أو غير المعلن عنه بإعادة النظر في جميع مواد القانون احتراما للدستور كأسمى قانون في البلاد، طالما أن المحكمة الدستورية لم تَعتبر هذه المواد غير الدستورية يمكن فصلها عن القانون ويمكن الإذن بتنفيذ القانون بمعزل عنها باعتبارها تشكل وحدة متكاملة ومتجانسة ومترابطة من القانون لا يمكن تطبيق مقتضى دون غيره من النصوص أو المواد”.

وشدد الهيني على أن “المحكمة الدستورية عودَتنا دوما على قرارات رائدة تراعي فيها أهمية صيانة أحكام الدستور وعلوه باعتبارها أمينة على الشرعية وسيادة القانون وللأمن القانوني والقضائي وحامية لحقوق المتقاضين ولقواعد سير العدالة ولحرمة مؤسسة الدفاع كمرتكز دستوري نحو تحقيق المطالب المنصفة والعادلة والتي تبتغي تجويد العدالة لفائدة المتقاضين لتأمين الدفاع عن دولة الحق والقانون والمشروعية وسيادة القانون والولوج المستنير والآمن إلى العدالة من خلال قانون مسطرة مدنية منصف ودفاع قوي وقضاء مستقل ونزيه”.

وتابع معلقا أنه “لا يمكن إبداء الرأي بشأن تعليلات القرار وتوجهاته إلا بعد طرح المسائل غير الدستورية التي حسمها قرار المحكمة الدستورية، محاولا “تقييم القرار وفق أدوار واختصاصات المحكمة الدستورية ومنهجها الجديد في الرقابة (…)”.

وأجرى الخبير القانوني ذاته “قراءة في التوجهات الثمانية للمسائل غير الدستورية”، معددا إياها في: 1- عدم دستورية منح النيابة العامة سلطة طلب إلغاء الأحكام دون قيد أو شرط، 2- عدم دستورية التبليغ للأغيار دون ضوابط موضوعية تؤكد صحة التبليغ قانونا وواقعا، 3-عدم دستورية التقاضي عن بُعد دون وجود ضمانات تؤطر حقوق الدفاع 4-عدم دستورية تحصين مستنتجات المفوض الملكي من تعقيب الأطراف”.

واسترسل بأن المسألة الخامسة تتمثل في “عدم دستورية الإجراءات المتخذة حالة العثور على وصية”، ثم “عدم دستورية تحصين أي قرار من التعليل”، كمسألة سادسة، وكذا “عدم دستورية إحالة وزير العدل الطعون أمام محكمة النقض من أجل شطط القضاة في استعمال سلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع”، فيما الأخيرة “8-عدم دستورية مسك أو تدبير وزارة العدل للنظام المعلوماتي للمحاكم”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا