آخر الأخبار

بين جدران المدرسة.. قصة التنمر التي تهدد أحلام تلاميذ المغرب - العمق المغربي

شارك

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المجتمع، أصبحت ظاهرة التنمر في المدارس تشكل هاجسا حقيقيا يؤرق أولياء الأمور والمؤطرين التربويين على حد السواء، إذ لم يعد العنف المدرسي يقتصر على أشكاله التقليدية من سخرية واعتداء جسدي، بل تطور ليشمل أبعادا نفسية واجتماعية ورقمية، انعكست سلبا على المناخ التعليمي. ومع توالي التقارير والإحصائيات التي تكشف ارتفاع نسب ضحايا التنمر بين صفوف المتعلمين، تزداد الدعوة إلى ضرورة التدخل العاجل وتكثيف الجهود للحد من هذه الظاهرة التي تهدد توازن المدرسة كفضاء آمن للتعلم والتنشئة.

في عام 2002، أطلقت منظمة الصحة العالمية مصطلح “العنف المدرسي” بشكل رسمي ضمن تقريرها العالمي، حيث تناولت العنف كقضية صحية عامة وخصصت جزءا لظاهرة العنف في المدارس. وأكد التقرير على أن المدارس يجب أن تكون بيئات آمنة، لكن الكثير من المتعلمين يتعرضون لأشكال متعددة من العنف، مما يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية. كما فرق التقرير بين العنف الذي يمارسه المتعلمون ضد بعضهم البعض وذلك الذي يمارسه المعلمون أو الموظفون ضد المتعلمين، ودعا إلى اتخاذ تدابير وقائية منها تطوير سياسات مدرسية واضحة، وتدريب المعلمين، وإشراك الأسرة والمجتمع، وتوفير خدمات دعم نفسي للضحايا.

وتجاوبا مع هذه التحديات، دعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى ضرورة وضع مقاربة استعجالية، استباقية، ووقائية وتشاركية لمواجهة التنمر والعنف في الوسط المدرسي. وفي هذا الإطار، حث وزير التربية الوطنية الأسبق، شكيب بنموسى، على أهمية إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين والتربويين، من متخصصين في علم النفس والإعلام والجرائم السيبرانية، إلى الأسر وجمعيات أولياء التلاميذ. وأوضح أن الوزارة تعتمد مقاربتين للتصدي للظاهرة، إحداهما تتعلق بإدماج قيم الحوار والتعايش في المقررات الدراسية والبرامج التعليمية.

وكشفت إحصائيات تربوية حديثة عن تفشي ظاهرة التنمر بشكل مقلق، حيث أُفيد بأن نحو ثلث تلاميذ الابتدائي تعرضوا للسخرية أو التنابز بألقاب مهينة، فيما ترتفع النسبة إلى 55.9% في المرحلة الثانوية. وأظهرت المعطيات أن 28.5% من تلاميذ الابتدائي و37.4% من الثانوي تعرضوا للدفع المتعمد. وفيما يتعلق بالتحرش والمضايقات، صرّح 15.2% من تلاميذ الابتدائي و29.7% في الثانوية بتعرضهم لها، منها ما يقارب 34% في الابتدائي و25.4% في الثانوي ذات طابع جنسي. وعلى مستوى العنف الرقمي، أكد 8.3% من تلاميذ الابتدائي و8.6% من طلاب الثانوي تعرضهم لنشر محتويات شخصية دون إذن. وفي سياق متصل، أشار تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو إلى أن 38.2% من التلاميذ المغاربة تعرضوا لشكل من أشكال التنمر.

ويتخذ التنمر أشكالا متعددة، أبرزها التنمر المدرسي الذي يشمل الاعتداءات الجسدية مثل الضرب والدفع والتخريب المتعمد لممتلكات التلميذ. كما يظهر التنمر الاجتماعي من خلال إطلاق الشائعات، والإقصاء من المجموعات، وعزل التلميذ عن أقرانه، مما ينعكس سلباً على شعوره بالانتماء والأمان داخل الفضاء المدرسي.

وفي هذا السياق، أكد نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، أن ظاهرة التنمر أضحت من أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية، لما لها من آثار سلبية عميقة على نفسية المتعلمين وسيرهم الدراسي، معتبراً أنها سبب رئيسي في تفاقم الانقطاع المبكر عن الدراسة. وأشار إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على التلاميذ فحسب، بل تمتد أحيانًا لتشمل سلوكاً ينطوي على تنمر من طرف بعض الأطر التربوية.

وأبرز عكوري ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن التنمر لا يستهدف فقط التلاميذ المتعثرين دراسيًا، بل يشمل أيضًا المتفوقين، محذراً من أن استمرارها دون تدخل قد يؤدي إلى نتائج كارثية كالهدر المدرسي والانتحار، ووجه نداءً للعمل المشترك لنشر ثقافة الاحترام والتسامح.

من جانبه، صرّح الخبير التربوي أحمد دكار بأن ظاهرة التنمر إشكالية جوهرية تم تناولها من زوايا متعددة قانونية ونفسية واجتماعية. وأوضح أنه يرفض شخصياً استعمال مصطلح “العنف المدرسي”، لأن المدرسة يجب أن تكون فضاءً لمناهضة العنف وليس بيئة حاضنة له، فالعنف سلوك دخيل عليها. وأشار إلى أن التحديد القانوني للعنف قد لا يشمل جميع سلوكيات التنمر رغم أثرها العميق، والتي تؤثر سلباً على جودة الحياة المدرسية وشعور المتعلم بالطمأنينة.

واستشهد دكار بدراسة فرنسية أظهرت أن 11% من التلاميذ في فرنسا لا يشعرون بالارتياح في مدارسهم، وهي نسبة تؤخذ بجدية. وفي السياق المغربي، أشار إلى دراسة ميدانية شارك فيها كمنسق بعنوان “إنماء السلوك المدني في الفضاء المدرسي”، كشفت أن نسبة كبيرة من المتعلمين تتراوح بين 30% و40% لا يشعرون بالراحة داخل مؤسساتهم. وأظهرت النتائج أن الأساتذة هم الأكثر احترامًا للمتعلمين، بينما سُجّلت نسبة أكبر من التنمر بين الأقران، مما يدل على ضعف ترسيخ “الذكاء الاجتماعي”. وخلصت الدراسة إلى أن الممارسات المرتبطة بالتنمر تزعج ما بين 40% إلى 80% من التلاميذ، وتؤثر سلباً على ثقتهم بأنفسهم وتحصيلهم الدراسي.

شدد دكار في تصريح لجريدة “العمق” على أن مواجهة هذه الظاهرة يتطلب العمل على عدة مداخل متكاملة. أولاً، مدخل البحث العلمي عبر إجراء دراسات ميدانية والاستجابة لنتائجها. ثانياً، مدخل التكوين الذي يشمل الأساتذة والإداريين لتمكينهم من التدخل الفعال. ثالثاً، مدخل البرامج والمناهج لتضمينها قيماً تساعد على تنشئة المتعلم على المواطنة والاحترام. وأخيراً، مدخل الدعم النفسي والاجتماعي عبر تعميم أطر الدعم وتوفير شروط العمل الملائمة لهم، وإحداث مراكز إنصات فعالة تساهم في الارتقاء بجودة الحياة المدرسية.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا