قال المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل إن “أزمة البطالة تلتهم آمال الشباب المغربي المتعلم”، مقترحا أن تتمّ “المصادقة على مرسوم يقر تعويضات عن البطالة لا تقل عن الحد الأدنى للأجر، تخصص لحاملي الشهادات، بالإضافة إلى التعويض عن فقدان الشغل”، قبل وقوع “كارثة اجتماعية واقتصادية تتربص بالمغرب”.
وأبرزت المنظمة عينها، في تقرير توصلت به هسبريس، أن “مؤشرات البطالة تتزايد بشكل غير مسبوق بين خريجي الجامعات، في ظل ضعف ملحوظ في قدرة المشاريع الحكومية على خلق وظائف مستقرة”، معتبرة أنه بدلا من الحلول الجذرية، تتجه السلطة الحكومية نحو “برامج ترقيعية ومؤقتة لا تضمن الحد الأدنى من الكرامة والعمل اللائق”.
وأكدت الجهة النقابية ذاتها أن “هذه الأزمة، التي تؤثر بشكل خاص على الشباب المتعلم، باتت تشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة في البلاد”، مشيرة إلى وجود بيانات “مقلقة”، قائلة: “تتجاوز نسبة البطالة بين خريجي التعليم العالي 25 بالمائة، وتصل إلى 33.3 بالمائة بين النساء الحاصلات على شهادات جامعية”.
ولفتت المنظمة الانتباه إلى أن النسبة تصل إلى 19 بالمائة لدى النساء بشكل عام، مضيفة أن معدل البطالة لدى الشباب، من 15 إلى 24 سنة، ارتفع إلى 35.8 بالمائة”، وقالت: “هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي مؤشرات خطيرة على هدر طاقات بشرية هائلة. كما أن حوالي 70 بالمائة من خريجي التعليم العالي لا يجدون عملا إلا بعد خمس سنوات من تخرجهم، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى ملاءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل”.
وعددت النقابة “الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة الهيكلية”، منها “ضعف النمو الاقتصادي وهشاشته، بحيث يتركز الاقتصاد المغربي على قطاعات تقليدية مثل الفلاحة والسياحة، ولا يستوعب الأعداد الكبيرة من الخريجين، إضافة إلى هيمنة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تملك القدرة الكافية على توظيفهم”.
ونبهت الجهة عينها إلى “خلل في التكوين الجامعي”، موردة أنه “على الرغم من تعدد التخصصات، لا تزال المناهج الجامعية غير ملائمة لمتطلبات سوق العمل، وهو ما أكده تقرير للبنك الدولي يشير إلى أن 70 بالمائة من الأسر المغربية غير راضية عن جودة التعليم الجامعي”، فضلا عن “فشل سياسات التشغيل الحكومية”، من خلال “الاعتماد على برامج مؤقتة مثل ‘أوراش’ و’انطلاقة’ لا تقدم حلولا مستدامة”.
واعتبر التنظيم النقابي عينه أن برنامج “فرصة” بدوره “لم يحقّق النتائج المرجوة منه”، قائلا إن “نسبة كبيرة من الاعتمادات تم توزيعها على جمعيات ومشاريع تشغيل وهمية، تستدعي عرضها على المجلس الأعلى للحسابات ولجنة تقصي الحقائق حول صرفها”.
وفي هذا السياق، اقترحت المنظمة إصلاحا شاملا للتوظيف العمومي، عبر “خلق وظائف حقيقية ومستدامة في القطاعات العمومية لسد النقص الناتج عن إحالة عدد كبير من الموظفين على التقاعد”، وكذا “إلغاء شرط تحديد السن بـ30 سنة للتوظيف في القطاع العام، الذي يتعارض مع قانون الوظيفة العمومية ودستور المملكة”.
وأشارت الجهة نفسها إلى “إعادة العمل بنظام الخدمة المدنية لمدة سنة أو سنتين في بعض القطاعات بهدف التأهيل والتدريب، مع إمكانية الإدماج المباشر”، وكذا “دعم المقاولات والقطاعات الإنتاجية، وتوجيه الاستثمارات العمومية نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل الصناعة، الطاقات المتجددة، والرقمنة”.
وإلى ذلك، قال علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، إن “المقترحات والتوصيات الصادرة في هذا الشأن يجب التقاطها كنداء حقيقي في توقيت بالغ الدلالة، حيث تتزامن نهاية يوليوز مع لحظة إعلان نتائج خريجي الجامعات، وهي لحظة فرح عارم تعيشه الأسر المغربية بعد سنوات من التضحيات”، معتبرا أن “الفرحة لا تلبث أن تنقلب إلى خيبة”.
وأرجع لطفي، أثناء تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، هذه الخيبة إلى “عجز سوق الشغل عن استيعاب هذه الطاقات الشابة والمؤهلة”، مبرزا أن “كليات متعددة في مختلف التخصصات تُخرج آلاف الطلبة سنويا، في وقت يشهد فيه سوق الشغل الوطني ضغطا خانقا وتقلصا مستمرا في فرص العمل، ما يدفع عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب إلى الاحتجاج أمام البرلمان”.
وشدّد القيادي النقابي على أن “الحكومة لا يمكنها أن تستمر في سياسة الهروب إلى الأمام”، مطالبا بـ”فتح المجال أمام التوظيف في القطاع العام، باعتباره أحد السبل الممكنة لامتصاص البطالة في صفوف حاملي الشهادات، خصوصا أن العديد من الدول ذات التوجه الليبرالي لا تتردد في إسناد الوظائف ودعم تأهيل الأطر الجامعية”.
واعتبر المتحدث أن “خارطة الطريق الحالية لا تبشّر بخير”؛ فالحكومة ترتكب ما وصفها بـ”جريمة في حق المتعلمين”، الذين استثمرت في تعليمهم لسنوات، ثم “يبدو أنها تخلّت عنهم في لحظة المفترض أن تمد فيها لهم يد الإدماج والتشغيل”، وتابع: “الدولة وضعت استراتيجية رصدت لها نحو 15 مليارا، لكن الفئات المستهدفة فيها نقاش كبير”.
وشدد لطفي على ضرورة “وضع سياسات تشغيل حقيقية تستند إلى ما يزخر به الشباب من كفاءات وطاقات”، محذرا في هذا السياق “من تهديدات الذكاء الاصطناعي لسوق الشغل”، وقال: “هناك مهن ستندثر لا محالة، وعلى الجامعة أن تنخرط بجدية في ملاءمة التكوين مع متطلبات العصر الجديد، وإلا سنخسر جيلا آخر من خيرة أبناء هذا الوطن”.