ابتداء من الجمعة 22 غشت الجاري تدخل “العقوبات البديلة” حيز التنفيذ بالمغرب، بعدما صادق البرلمان على الإطار القانوني المنظم لها ضمن التعديلات التي طالت مجموعة القانون الجنائي، في خطوة إصلاحية تروم “الحد من العقوبات السالبة للحرية في بعض الجنح البسيطة، وتعويضها بتدابير أكثر نجاعة وإدماجًا، وذلك وفق شروط محددة وتدابير مضبوطة”.
من شروط النجاح
نبيل ناجي، باحث في العلوم القانونية، قال إن “المغرب يستعد لتطبيق القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 22 غشت 2024 وسيدخل حيز التنفيذ في 22 غشت الجاري، وذلك ضمن مسار إصلاحي شامل يهدف إلى تحديث المنظومة العقابية وجعلها أكثر فعالية وإنسانية”، موضحا أن “اعتماد العقوبات البديلة نقلة نوعية في التشريع المغربي، إذ تعكس وعيا متزايدا بضرورة تجاوز العقوبات السالبة للحرية، خاصة في القضايا البسيطة والجنح ذات الطابع غير العنيف”.
وأشار ناجي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “واقع المؤسسات السجنية، بما يشهده من اكتظاظ وظروف صعبة للإيواء وإعادة التأهيل، يحتم البحث عن حلول بديلة تحقق الردع دون أن تمس بالكرامة الإنسانية”، مؤكدا أن “العقوبات البديلة تمثل توازنا بين متطلبات الأمن العام وحقوق الأفراد، كما تفتح الباب أمام إدماج اجتماعي فعلي بدل خلق بيئة خصبة للانحراف داخل السجون”.
ونبّه الباحث في العلوم القانونية إلى أن “نجاح هذا الورش التشريعي يظل رهينا بعدة شروط، على رأسها التنزيل الفعلي والسليم لمقتضيات القانون، وتوفير بنية تحتية ولوجيستية لتتبع تنفيذ العقوبات، وتأهيل القضاة ووكلاء الملك والمحامين لفهم فلسفة هذا التحول، وضمان الرقابة القضائية على كيفية تنفيذ هذه العقوبات، حتى لا تتحول إلى مجرد إجراء شكلي”، مشددا في السياق نفسه على أهمية “اعتماد وسائل مثل المراقبة الإلكترونية والعمل لفائدة المجتمع، وذلك لما له من وقع إصلاحي وتربوي على الجاني، وأثر إيجابي على الضحية والمجتمع كذلك”.
وشدد نبيل ناجي على أن “الوعي القضائي والمجتمعي بأهمية هذه العقوبات مازال بحاجة إلى مزيد من التحسيس، حتى لا تفهم على أنها تساهل مع الجريمة، بل كأداة إصلاحية فعالة تحفظ التوازن بين الردع والعدالة الاجتماعية”، موردًا أنه “قبل التطرق إلى الخطوات الإجرائية التي يتم من خلالها تقديم طلب الاستفادة من العقوبات البديلة تجدر الإشارة إلى أن من أهم الشروط الجوهرية التي يتعين توفرها ألّا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسا نافذا”.
وأفاد الباحث ذاته بأن “الراغب في الاستفادة من العقوبة البديلة يتعين عليه تقديم طلب إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم، مع إرفاقه بما يلزم من الوثائق، ويفضل أن يكون معللا بدوافع إنسانية أو اجتماعية أو صحية…”، وزاد: “وبعد تقديم الطلب يقوم وكيل الملك، بعد التحقق من الشروط الشكلية والموضوعية، بإحالته على قاضي تطبيق العقوبات المختص لاتخاذ القرار المناسب بشأنه، لتتم بعد ذلك دراسته من طرف قاضي تطبيق العقوبات”.
وأكّد ناجي أن “القاضي له صلاحية الاستماع إلى المحكوم عليه عند الاقتضاء، كما يقوم بمراسلة إدارة المؤسسة السجنية قصد الحصول على شهادة حسن السلوك والانضباط داخلها، وتقرير مفصل حول السيرة والسلوك العام للمحكوم عليه أثناء تنفيذه العقوبة”، مردفا: “بعد دراسة المعطيات والوثائق يتخذ قاضي تطبيق العقوبات إما قرار الموافقة على الطلب واستبدال العقوبة الأصلية بإحدى العقوبات البديلة المنصوص عليها في القانون، أو رفض الطلب مع تعليل قرار الرفض”.
وبخصوص الفئات المستثناة من الاستفادة من العقوبات البديلة ذكر الباحث في العلوم القانونية “الفئات المدانة في الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، والجرائم الإرهابية، وجرائم الرشوة، والاختلاس، واستغلال النفوذ، والغدر، وجرائم غسل الأموال، والاتجار الدولي بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، والاتجار بالأعضاء البشرية”.
وأضاف المتحدث في السياق ذاته أن “المستثنين من الاستفادة من القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة هم المدانون كذلك في جرائم الاستغلال الجنسي للقاصرين أو للأشخاص في وضعية إعاقة، والمدانون أيضا في الجرائم المرتكبة في إطار الجريمة المنظمة، إلى جانب الجرائم التي يقترفها العسكريون أثناء الخدمة، وحالات العود”.
خديجة ناصر، باحثة في العلوم الجنائية والأمنية، أكّدت أن “القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة بمثابة خطوة تشريعية متقدمة في مسار إصلاح السياسة الجنائية المغربية، إذ جاء لأول مرة بعقوبات غير سالبة للحرية كبديل للعقوبات الحبسية في الجنح التي لا تتجاوز مدتها خمس سنوات”، مضيفة أن “هذا القانون يعكس توجها نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية، تهدف إلى الحد من الاكتظاظ السجني، وتقليل التكاليف الاقتصادية، وتعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، في إطار فلسفة عقابية حديثة تراعي التوازن بين الردع والإصلاح”.
وعن التأطير التشريعي للعقوبات البديلة قالت ناصر إن القانون 43.22 ينص على مجموعة من العقوبات البديلة التي يمكن للمحكمة أن تحكم بها وفق شروط محددة، أولها “العمل لأجل المنفعة العامة، بحيث ينفذ بدون مقابل لفائدة مؤسسات عمومية أو جمعيات ذات نفع عام، ويتراوح بين 40 و3600 ساعة، ويُراعى فيه سن وجنس ومهنة المحكوم عليه، ويهدف إلى تحويل العقوبة إلى مساهمة إيجابية في المجتمع”.
وذكرت المتحدثة ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “النوع الثاني من العقوبات البديلة يتعلق بالغرامة اليومية، أي إن المحكمة تحدد مبلغا ماليا يتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية، مع مراعاة الوضع المالي للمحكوم عليه ومدى جسامة الجريمة؛ وهي عقوبة تمنح مرونة للقاضي وتُراعي العدالة الفردية، لكنها قد تثير جدلًا حول العدالة الطبقية”.
أما النوعان الثاني والثالث فأشارت الباحثة في العلوم الجنائية والأمنية إلى “السوار الإلكتروني الذي يستخدم لتتبع حركة المحكوم عليه إلكترونيا، فيما تحدد المحكمة مكان ومدة المراقبة وفق شروط صحية واجتماعية دقيقة؛ وهو إجراء يمكن اعتباره وسيلة حديثة للمراقبة، لكنه يطرح إشكالات تتعلق بالخصوصية والفعالية النفسية والاجتماعية”، و”التدابير الوقائية أو العلاجية أو التأهيلية، التي تشمل الإقامة المقيدة، والعلاج النفسي، والتعهد بعدم الاتصال بالضحايا، أو متابعة تعليم أو تدريب مهني؛ وهي تدابير تهدف إلى إصلاح الجاني بدل معاقبته، لكنها تتطلب موارد بشرية ومؤسساتية لضمان فعاليتها”.
وبخصوص شروط تطبيق العقوبات البديلة أفادت خديجة ناصر بأن “القانون يشترط أن تكون الجريمة المرتكبة جنحة لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، وألا يكون المحكوم عليه في حالة عود؛ كما يجب تنفيذ العقوبة البديلة خلال ستة أشهر من صدور الحكم، قابلة للتمديد مرة واحدة”، وزادت: “لا تطبق هذه العقوبات في الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب والاتجار بالبشر وغسل الأموال والجرائم العسكرية”.
وشددت ناصر على أن القانون 43.22 يرتكز على فلسفة عقابية تهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية المجتمع وإصلاح الجاني، من خلال “الحد من الاكتظاظ السجني الذي يعيق برامج التأهيل ويثقل كاهل الدولة”، و”تقليل التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالسجن”، و”تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، عبر إبقائهم في محيطهم الأسري والمهني”، و”تحقيق العدالة التصالحية، التي تركز على إصلاح العلاقات المتضررة بدل الاقتصار على العقاب”، موردة أن “المشرع المغربي عبر العمل لأجل المنفعة العامة يهدف إلى تحويل العقوبة إلى مساهمة إيجابية أكثر إنسانية من السجن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجرائم البسيطة، المتمثلة في الجنح”.
ونبّهت المتحدثة إلى أن “السوار الإلكتروني يعتبر من بين الوسائل الأكثر استعمالا في تنفيذ العقوبة غير السالبة للحرية على مستوى العالم، وهو بمثابة وسيلة حديثة للمراقبة، ما يشكل عائقا أمام الخصوصية، بالإضافة إلى التدابير العلاجية والتأهيلية التي تحاول التركيز على إصلاح الجاني بدل معاقبته، لكنها تتطلب موراد بشرية وإمكانيات مؤسساتية لضمان فعاليتها”.
وختمت الباحثة توضيحها بالتأكيد على أن “القانون المتعلق بالعقوبات البديلة يمثّل تحولا جوهريا في فهم وظيفة العقوبة داخل المنظومة الجنائية المغربية، إذ لم تعد العقوبة مجرد وسيلة للزجر فقط، بل أصبحت أداة للإصلاح وإعادة الإدماج داخل المجتمع”، منبهة إلى أنه “رغم أهمية هذا التوجه فإن نجاحه يظل رهينا بمدى جاهزية المؤسسات القضائية والإصلاحية والاجتماعية لتطبيقه، وتوفير الموارد اللازمة، وتغيير العقليات المجتمعية نحو قبول هذه البدائل كوسائل فعالة لتحقيق العدالة الجنائية المستدامة”.