رغم المكانة المميزة التي كانت تحظى بها قوارب نهر أبي رقراق لدى السكان والسياح، باعتبارها وسيلة نقل شعبية وجذبا سياحيا بين ضفتي الرباط وسلا، يعرف هذا النشاط التقليدي تراجعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، ما ينذر باندثار إرث محلي ظل جزءا من الحياة اليومية للمدينتين، ودفع عددا من المهنيين إلى دق ناقوس الخطر بشأن مستقبله.
وترتبط قوارب أبي رقراق بتاريخ عريق يمتد لقرون، حيث شكلت وسيلة نقل حيوية قبل تشييد الجسور الحديثة، وظلت وسيلة يعتمد عليها السكان للتنقل اليومي نحو العمل والأسواق والزيارات العائلية، كما لعبت دورا محوريا في نقل البضائع بين ضفتي النهر، قبل توسع الميناء التجاري.
واستمر هذا التقليد حتى مطلع القرن الواحد والعشرين، حيث أعيد إحياء القوارب ضمن مشروع تهيئة وادي أبي رقراق، وأدرجت كعنصر جذب سياحي يعكس الطابع المحلي ويربط الزوار بجمالية النهر ومآثره التاريخية مثل قصبة الأوداية وبرج النصر وصومعة حسان.
ورغم رمزيتها الثقافية وأهميتها الاقتصادية، لم تنجح هذه القوارب في الحفاظ على مكانتها، بسبب غياب البنية التحتية المناسبة وافتقارها إلى الترويج السياحي والدعم المؤسسي، بالإضافة إلى بروز منافسة قوية من اليخوت الحديثة التي تقدم خدمات ترفيهية فاخرة، ما ساهم في تراجع الإقبال عليها وخلق مخاوف حقيقية من اندثارها، خاصة في ظل عزوف الشباب عن وراثة هذه المهنة التقليدية.
وفي تصريح لجريدة “العمق”، أكد أمين مهنيي القوارب أن الزوار باتوا يفضلون الرحلات عبر اليخوت بسبب طابعها العصري، بينما تعاني القوارب التقليدية من غياب التنظيم والدعم، ومن مرافق مهترئة وظروف اشتغال قاسية، كغياب المظلات والإنارة، ناهيك عن العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، ما زاد من تدهور هذا النشاط.
وأضاف المتحدث أن التسعيرة الرمزية التي لم تتجاوز درهمين ونصف لمدة سبع سنوات، لم تكن كافية لجذب الزبائن، في وقت أصبحت فيه المنافسة أكثر شراسة من وسائل النقل الترفيهية الحديثة.
من جهته، عبّر سعيد، أحد أقدم المهنيين، عن خيبة أمله من الوضع الحالي، مشيرا إلى تراجع كبير في الإقبال، خصوصا من مرتادي مارينا أبي رقراق، بسبب ما سماه بـ”المنافسة غير العادلة” ومحدودية المؤهلات في فضاء يعاني من انتشار النفايات وانعدام الأمن، خاصة في اتجاه مدينة سلا، مطالبا بتدخل عاجل لصيانة الأرصفة المخصصة للقوارب وتحسين ظروف العمل.
أما محمد، فشدد بدوره على أن المهنة تمر بمرحلة حرجة بسبب الإهمال المتواصل، سواء على مستوى النظافة أو البنية التحتية أو حتى الاعتراف الاجتماعي بهذا الموروث التقليدي، ما يجعل مستقبلها أكثر تهديدا من أي وقت مضى.
وتبقى قوارب أبي رقراق أكثر من مجرد وسيلة نقل أو نشاط سياحي، فهي تمثل رمزا حيا للهوية الثقافية والاجتماعية لساكنة الرباط وسلا، ومصدر عيش مباشر لعشرات العائلات، كما تساهم في تنشيط محيطها التجاري، من مقاه وأسواق تقليدية، وتوفر فرص شغل لفئة من الشباب الذين يعتمدون على هذا القطاع كمورد رئيسي.
ويطالب العاملون في هذا المجال السلطات المحلية والمؤسسات الوصية بالتدخل العاجل لإعادة الاعتبار لهذه المهنة التراثية، عبر تحسين ظروف العمل، وتوفير الدعم اللوجستي والترويجي، لضمان استمراريتها في وجه تحديات العصر وتغير الأذواق السياحية.