آخر الأخبار

تأهيل "القطاع الثالث" يحقّق الإدماج الاجتماعي والتنمية المستدامة بالمغرب

شارك

في سياق الدينامية التنموية التي يعرفها المغرب، يُبرز الباحث في علوم الإدارة فؤاد بوجبير أهمية إعادة التفكير في موقع ودور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ضمن السياسات العمومية.

فبالرغم من التقدم المُحرز في مجالات الاقتصاد والدولة الاجتماعية، يظل هذا القطاع محاطًا بتحديات بنيوية ومؤسساتية تعيق تحوّله إلى رافعة حقيقية للتنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي.

ويدعو بوجبير في مقاله “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب من أجل مستقبل آمن وأكثر شمولية” إلى إصلاحات عميقة تشمل الحكامة والتمويل والتشريع، إضافة إلى إحداث هيئة وطنية موحدة تُشرف على القطاع، بما يعزز نجاعة التدخلات، ويرسّخ رؤية منسجمة بين الدولة و”القطاع الثالث”.

نص المقال:

شهد المغرب في السنوات الأخيرة نموًا اقتصاديًا مطردًا وتحولًا اجتماعيًا ملحوظًا. وقد مكّنته هذه التطورات من ترسيخ مكانته كدولة ناشئة بامتياز، على المستوى الإقليمي والإفريقي والعربي والدولي. فقد عرف المغرب، في عهد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إصلاحات اقتصادية هامة منذ سنوات عديدة، تستهدف تحرير الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث مكّنت البلاد من أن تصبح مركزًا اقتصاديًا إقليميًا، ورائدًا في قطاعات السيارات والطيران والسياحة والطاقات المتجددة.

كما شهدت المملكة، بفضل توجيهات جلالة الملك، تغييرات سياسية وثقافية مهمة في السنوات الأخيرة. فقد اعتمدت دستورًا جديدًا في عام 2011، عزز حقوق الإنسان والحريات الفردية، وشرعت أيضًا في إصلاحات في مجال العدالة والحكامة. وقد ساهمت هذه التغييرات في تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية البلاد.

كما تتمتع المملكة بمجموعة من العوامل المواتية، أبرزها: مجتمع أكثر ديناميكية وحيوية وقدرة على التكيف مع التغيير، خاصة فئة الشباب، وموارد طبيعية مهمة، وكذلك مسار تراكمي قائم على الاستقرار السياسي والمؤسسي، الذي أصبح في حد ذاته ميزة نادرة في محيط إقليمي مضطرب. حيث لم تعد الدول تقاس فقط بما تنتجه، بل بما تحققه من توازن داخلي ووضوح في الرؤية والقيادة.

لقد أحرز المغرب بالفعل تقدمًا كبيرًا في مجال الدولة الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، حيث تم إطلاق برامج اجتماعية تهدف إلى تحسين رفاهية وعيش السكان، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. وقد ساهمت هذه البرامج في تعزيز التماسك الاجتماعي.

ولكن، على الرغم من الإنجازات المحققة، لابد من مواجهة بعض التحديات في مجال الدولة الاجتماعية، أبرزها الفقر. فالمغرب لا يزال بلدًا متوسط الدخل، وجزء من سكانه لا يزال يعيش تحت عتبة الفقر، وخاصة في العالم القروي. لذا، يجب الاستمرار في بذل المساعي الرامية إلى تقليص مظاهر الفقر وتأمين عيش كريم لكل الأفراد.

التحدي الآخر يتمثل في التباين الشاسع في الدخل والثروات، مما يستلزم صياغة سياسات ترمي إلى تقليص هذه الفوارق ودعم بناء مجتمع أكثر إنصافًا. وأخيرًا، يتعين على المغرب تعزيز حكامة نظامه الخاص بالدولة الاجتماعية، وضمان فعالية وعدالة برامجه الاجتماعية والمجالية.

إمكانات وحدود المفهوم الحالي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب:

في المغرب، تحتل الصناعات التقليدية، التي تعد مشغلاً رئيسيًا لليد العاملة بنحو مليوني شخص نشط، ومساهمة في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 19٪، و6.5٪ من حيث الصادرات، مكانة مهمة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وفي خلق فرص العمل والثروة، ورافعة للتنمية المستدامة والحفاظ على التراث الثقافي.

ومع ذلك، يُثير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب نقاشًا حيويًا حول فرصه وحدوده، خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، التي تؤثر على المقاربة والمفهوم نفسه. إن التفكير في اعتماده كبديل سياسي حقيقي لليبرالية الجديدة، لا سيما بسبب تطوره وظهور تحديات جديدة، يتطلب تحليل علاقاته بالسوق والسياسيين الذين يقررون السياسات العمومية في هذا المجال.

إن مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كما هو مُتعارف عليه، ليس بديلاً متجانسًا للرأسمالية، بل هو مجموعة من الممارسات التي تسعى إلى التوفيق بين النشاط الاقتصادي والأهداف الاجتماعية. ويُعد التفكير النقدي والتحليل المُتجدد ضروريين لفهم دوره وإمكانياته وحدوده بشكل أفضل في السياق الحالي للمغرب.

خوسيه لويس كوراجيو، أحد أفضل المتخصصين في أميركا اللاتينية في هذه القضية، يتساءل: “ما إذا كان هذا المفهوم مجرد مصطلح شامل بحدود غامضة؟ وهل هذا الغموض يسمح لكل طرف بأن يرى فيه ما يخدم مصالحه، حتى لو كان ذلك يتعارض مع جوهر المفهوم وتوجهه الأصلي (من حيث الأهمية والتوجه)؟”

يبدو أن الالتباس السائد حول مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يُمثل معيارًا لحالة من التشتت، وامتدادًا وانعكاسًا للعلاقات المتضاربة بين الفاعلين السياسيين. ويؤكد العديد من المتخصصين في هذا المجال أن هذا القطاع يصعب تطويره في سوق رأسمالية بحتة.

تتسم العلاقة بين الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ودولة الرفاه والليبرالية في المغرب بالتعقيد والتطور المستمر. تسعى الدولة إلى التوفيق بين النموذج الاقتصادي الليبرالي وأهداف التماسك الاجتماعي والحد من التفاوت، مع العمل في الوقت نفسه على ترسيخ دولة رفاه أكثر فعالية.

لذلك، من الضروري فتح نقاش جديد لإعادة التفكير في أسس الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب ووضعه في صميم التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة. وعلى وجه الخصوص، تشجيع التخطيط الديمقراطي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتعزيز تمويله، ومواءمة دوره بشكل أفضل مع تحديات كل قطاع.

ويمكن أن يشمل هذا الإصلاح الشامل تكييف الإطار القانوني وأساليب الحكامة وآليات التمويل لمواجهة التحديات المعاصرة بشكل أفضل وتعزيز تأثير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المجتمع.

محاور للتفكير وحلول ملموسة:

يُقرّ النموذج التنموي الجديد بالمغرب بأهمية دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في خلق فرص الشغل والثروات، ويؤكد وظيفته في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لأجل اقتصاد مستدام. وهكذا، يخصص النموذج المذكور مكانة مهمة لأنشطة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وذلك تحت تسمية “القطاع الثالث”، ويدعو إلى أن “تصبح هذه الكيانات شركاء كاملين للدولة والقطاع الخاص في مشروع التنمية، مستفيدين من خبرتهم ومعرفتهم الميدانية وقربهم من المستفيدين المستهدفين”.

كما يدعو إلى “إقامة علاقة جديدة، قائمة على الثقة والالتزام المتبادل، بين الدولة والقطاع الثالث: إن الحد من العقبات الإدارية والقانونية والمالية التي تعيق تحرر هذا القطاع الثالث سيكون له مقابل في متطلبات جديدة من الاحترافية والكفاءة والشفافية واحترام الالتزامات ومهام المصلحة العامة”.

من جانب آخر، تعتبر أهداف التنمية المستدامة (ODD) آليات اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2015. ودورها الأساسي هو تعزيز التنمية المستدامة في جميع دول العالم. وفي الواقع، تُعد هذه الأهداف وثيقة الصلة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بحيث يمكن استخدامها كإطار مرجعي لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب.

التعاونيات:

تلعب التعاونيات دورًا رئيسيًا في التنمية الاقتصادية المحلية، لكنها تواجه العديد من العقبات التي تعيق تطورها. من بين الصعوبات الرئيسية، تبرز الحكامة الداخلية كأبرز هذه الصعوبات. ففي الواقع، غالبًا ما تعاني هذه الهياكل الديمقراطية، التي يديرها أعضاؤها، من النزاعات والعوائق المتعلقة بنقص التكوين في كل ما يتعلق بالإدارة التشاركية، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير فعالة ويضر بتماسك التعاونيات.

إطار اقتصادي وقانوني غير مواتٍ: يزيد السياق الاقتصادي والقانوني المغربي من تعقيد عمل التعاونيات، حيث تواجه صعوبة في الحصول على التمويلات الأساسية اللازمة لنموها، وتُثقل كاهلها الإجراءات الإدارية المعقدة والمكلفة. علاوة على ذلك، فإن المنافسة من الشركات الخاصة، المجهزة بشكل أفضل بالموارد المالية والتكنولوجية، تزيد من ضعفها. وعلى الرغم من أن القانون 112-12 قد قام بتحديث الإطار القانوني، إلا أنه لا يزال يعاني من ثغرات، لا سيما فيما يتعلق بحماية الأعضاء في حالة الإفلاس.

عوائق ثقافية وقلة الموارد: إلى جانب القضايا القانونية والاقتصادية، يتعين على التعاونيات المغربية أيضًا تجاوز العقبات الاجتماعية والثقافية. إذ تتعارض التقاليد الفردية للمجتمع المغربي أحيانًا مع روح التضامن اللازمة لنجاح التعاونيات. علاوة على ذلك، غالبًا ما يُنظر إلى هذه الهياكل على أنها مخصصة للفئات الهشة، مما يحد من جاذبيتها. كما أن نقص المهارات والتكوين الإداري والموارد المالية يحد من إنتاجيتها وربحيتها.

إجراءات حكومية مشجعة ولكنها غير كافية: لمواجهة هذه التحديات، شرعت الحكومات المغربية المتعاقبة على تدبير الشأن العام في العديد من الإصلاحات، بهدف تعزيز حكامة التعاونيات، وتسهيل وصولها إلى التمويل، وتعزيز حضورها. وقد تم وضع برامج دعم، تشمل التكوين والاستشارة والمواكبة، بالإضافة إلى صندوق ضمان لتسهيل التمويلات. ومع ذلك، لا تزال هذه المبادرات غير كافية بالنظر إلى حجم الصعوبات التي تواجهها.

نحو إصلاح عميق ودعم أقوى لتمكين التعاونيات من لعب دور أكثر أهمية في الاقتصاد الوطني: لا بد من مراجعة عميقة للقانون 112-12، بهدف تبسيط الإجراءات، وتوضيح الالتزامات الضريبية والاجتماعية، وتعزيز حماية الأعضاء. وفي الوقت نفسه، تطوير آليات الدعم المالي والتقني، وتعزيز الثقافة التعاونية، ورفع مستوى الوعي لدى المؤسسات المالية، وتعزيز القدرات في مجالات الإدارة والتسويق. لأن من شأن هذه التدابير الملموسة أن تمهد الطريق لانطلاقة جديدة للتعاونيات المغربية.

إنشاء شبكة من المراصد الجهوية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في الجهات الـ12 للملكة:

الأهمية المتعددة لإنشاء هذه الشبكة تكمن فيما يلي:

أولاً، سيُمكّن ذلك من جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى الجهوي بشكل منهجي ومنسق. ستكون هذه البيانات قيّمة لتقييم تطور هذا القطاع، وصياغة السياسات العمومية الداعمة له، واتخاذ قرارات مستنيرة من قبل الفاعلين في هذا القطاع.

ثانيًا، من شأن ذلك أن يُسهم في تطوير الخبرة الجهوية في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. يمكن للمراصد الجهوية أن تلعب دورًا محفزًا ومسهلاً للمبادرات المحلية الداعمة له. كما يمكنها المساهمة في تكوين ومواكبة المعنيين بهذا الاقتصاد.

ثالثًا، من شأن ذلك أن يُهيئ فضاءً للحوار والتشاور بين مختلف الفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى الجهوي. ويمكن للمراصد الجهوية أن تُسهم في عملية الترويج وبناء رؤية مشتركة لتطويره على المستوى الجهوي.

وأخيرًا، سيساهم ذلك في تعزيز وضوح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى الجهوي. يمكن للمراصد الجهوية أن تساهم في رفع مستوى الوعي العام بقضاياه والترويج له لدى صانعي القرار السياسي والاقتصادي.

إحداث مراكز جهوية في المناطق المهمشة بهدف تعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للسكان والمساهمة في التنمية المستدامة لهذه المناطق:

ولتحقيق ذلك، من الضروري إنشاء 12 مركزًا جهويًا للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإدراجها ضمن مخططات التنمية الجهوية، وتوعية الفاعلين المحليين بمزايا هذا الاقتصاد، مع دعمهم من أجل إنشاء وتطوير هياكله.

صندوق الإيداع والتدبير وإنشاء بنك تعاوني:

إنشاء بنك تعاوني مخصص للاقتصاد الاجتماعي والتضامني من قبل صندوق الإيداع والتدبير له أهمية متعددة:

أولاً، سيمكن من تلبية الاحتياجات الخاصة للشركات والمشاريع التابعة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. غالبًا ما تكون لهذه الهياكل احتياجات مالية محددة، مثل القروض طويلة الأمد أو تمويل المشاريع المبتكرة. وسيكون البنك التعاوني المخصص للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أكثر قدرة على فهم هذه الاحتياجات وتقديم حلول مناسبة.

ثانيًا، سيساهم إنشاء مثل هذا البنك في تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. فمن خلال تقديم خدمات مالية مناسبة للشركات والمشاريع التابعة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، سيساهم البنك في تطويرها وتعزيز حضورها. وهذا من شأنه أن يساعد في رفع مستوى الوعي لدى شريحة أوسع من المجتمع حول تحديات ومزايا هذا الاقتصاد.

أخيرًا، سيكون إنشاء بنك تعاوني مخصص للاقتصاد الاجتماعي والتضامني متوافقًا مع استراتيجية صندوق الإيداع والتدبير في مجال التنمية المستدامة، الذي يلتزم بدعم المشاريع التي تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمغرب. وبالتالي، يُعد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قطاعًا يلبي هذه الأهداف، من خلال تعزيز الإدماج الاجتماعي، وخلق فرص الشغل.

وبالتالي، يمكن لهذا البنك التعاوني أن يقدم مجموعة من المنتجات والخدمات المالية الملائمة لتلبية الاحتياجات المخصصة لهذه المؤسسات، مثل القروض طويلة الأمد، والضمانات، والإعانات، أو الاستثمارات. يمكنه أيضًا تقديم خبرته ودعمه لأصحاب المشاريع في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لا سيما من خلال برامج المصاحبة والتكوين، والمساهمة أيضًا في تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بواسطة توعية فئة عريضة من المجتمع بقضاياه ومزاياه.

الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب والتحول الرقمي:

يواجه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تحولاً رقمياً عميقاً يطرح تحديات وفرصاً في آن واحد. فمن جهة، يمكن للرقمنة أن تعزز قيم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كالتضامن والتعاون، من خلال أدوات مبتكرة وفي المتناول. ومن جهة أخرى، تتطلب القضايا الأخلاقية المتعلقة بإدارة البيانات، والفجوة الرقمية، وتأثيرها على التوظيف، تفكيراً استراتيجياً.

الفرص التي توفرها الرقمنة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني:

يمكن للرقمنة أن تتيح الوصول إلى جمهور أوسع، وتسهيل الوصول إلى المعلومات، وتعزيز مشاركة المواطنين، وتطوير نماذج اقتصادية جديدة قائمة على التعاون والتبادل. يمكن للعديد من بنيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني استخدام الرقمنة لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية، مثل الإدماج الرقمي، ومكافحة الفقر الطاقي، أو تعزيز الزراعة الحضرية.

إن تطوير الاقتصاد الرقمي من شأنه أن يولد مهنًا جديدة وفرص تكوين جديدة للعاملين في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وخاصة الشباب والنساء.

التحديات التي تطرحها الرقمنة على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني:

تُعد إدارة البيانات الشخصية، وحماية الخصوصية، والاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي من أهم الاهتمامات الرئيسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. فمن الضروري مكافحة الفوارق في الوصول إلى الرقمنة، لا سيما بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وذلك لمنع الرقمنة من توسيع الفجوات الاجتماعية.

وفيما يتعلق بالتأثير على التشغيل، من المهم الحرص على أن لا يؤدي التحول الرقمي إلى فقدان الوظائف في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بل على العكس، يجب أن يسمح بخلق وظائف ذات جودة، تحترم قيم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

من هذا المنطلق، يمكننا القول إنَّ التحول الرقمي يُعدُّ رافعة قوية لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات جسيمة تستدعي الاستباق والتعامل الحذر. لذلك، ينبغي على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب أن يتبنى الرقمنة بشكل استراتيجي يضمن الحفاظ على قيمه الأساسية: التضامن والتعاون وأولوية الإنسان على الربح.

أهمية إنشاء هيئة جديدة مسؤولة عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني:

في سياق طموح المغرب للجمع بين النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة، يُعدّ إنشاء هيئة جديدة مسؤولة عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني ابتكارًا مؤسساتيًا هامًا. ستشكل هذه الهيئة الجديدة محورًا حقيقيًا لهيكلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتنسيقه والنهوض به، مع تعزيز التعاون الوطني في مواجهة التحديات الاجتماعية المُلحّة.

يُلاحظ بوضوح أن هذا القطاع يعاني من تشتت مؤسساتي وضعف في الرؤية. ومن شأن إنشاء هيئة جديدة أن يوفر حلاً متكاملاً لهذه التحديات من خلال تركيز الحكامة، ومواءمة السياسات العمومية، وضمان تمثيل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أعلى مستوى في الدولة.

فخلافًا لبعض التصورات الشائعة، إن إحداث هيئة جديدة مكلفة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني لا يعتبر إحداثًا لإدارة جديدة بنفس الاختصاصات ستثقل كاهل الجهاز الحكومي. بل على العكس تمامًا، إنه إعادة هيكلة ذكية لما هو موجود، هدفها ترشيد العمل العمومي في قطاع حيوي.

ستكون هذه الهيئة نتاجًا لدمج استراتيجي لعدة مؤسسات مجزأة حاليًا، وكلها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني. بتوحيد هذه المؤسسات المتفرقة تحت مظلة واحدة، ستقوم الدولة بكسر منطق التجزئة والازدواجية في الميزانيات. يتعلق الأمر بتوحيد الجهود، وتنسيق السياسات، وإنهاء تداخل المهام لخلق رؤية مشتركة وفعالة.

سيسمح هذا التقارب الهيكلي بتنسيق أفضل لدعم الفاعلين في القطاع، وخلق تآزر غير مسبوق في مبادرات التضامن، وبالطبع تخفيف الفاتورة العمومية بفضل تجميع الموارد البشرية والمالية واللوجستية.

ستكون مهمة هذه المؤسسة المقترحة تحديد وقيادة الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ويشمل ذلك وضع سياسات متكاملة، تنسيق دقيق للبرامج الجهوية، ومتابعة حثيثة لأهداف التنمية المستدامة المرتبطة بهذا القطاع. الهدف واضح، وهو تنسيق المبادرات وتحقيق الحد الأقصى من التأثير على أرض الواقع.

أيضًا، لضمان دعم فعال للتعاون الوطني، سيتجسد عمل هذه الهيئة الجديدة في تنفيذ مبادرات تضامنية موجهة، وتقديم دعم مباشر للفئات الهشة، وخاصة في العالم القروي، وتعزيز آليات المساعدة المتبادلة، خاصة في حالات الطوارئ الاجتماعية، وهو نهج استباقي للاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا.

وبالتالي، ستعمل هذه الهيئة الجديدة كجهة فاعلة متعددة الوظائف، على العمل بتناغم مع الوزارات القطاعية، والجماعات الترابية، والمجالس الجهوية والمجتمع المدني، والشركاء من القطاع الخاص. وستكون بمثابة مُحفّز بين الدولة والقطاع الثالث والقطاع الخاص، تشجع التشاور، ومشاركة الموارد، والابتكار الاجتماعي.

ومن شأن إنشائها أن يوفّر للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني هيئةً قويةً قادرةً على دفع الدينامية الوطنية والجهوية في هذا المجال، مع ضمان تماسك التدخلات على أرض الواقع.

باختصار، سيكون إحداث هيئة جديدة مكلفة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاون الوطني بمثابة إشارة قوية لالتزام المغرب من أجل اقتصاد أكثر تضامنًا، ومرونة، وشمولية، بما يتماشى مع طموحات النموذج التنموي الجديد وأهداف التنمية المستدامة.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل حماس أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا