رغم توالي سنوات الجفاف وتفاقم الأزمات الدولية، وما رافقها من ارتفاع في معدلات التضخم وتزايد منسوب اللايقين الجيوسياسي والمناخي، واصل الاقتصاد الوطني تسجيل معدلات نمو إيجابية، حيث أظهرت نتائج الحسابات الوطنية لسنة 2024 أن الناتج الداخلي الخام عرف تحسنا بنسبة 3.8 في المئة، مقابل 3.7 في المئة سنة 2023، مدفوعا بتحسن نسبي في النشاط الفلاحي، إلى جانب توسع قطاعات الصناعة والخدمات.
وتعزز هذا الأداء، وفق ما أكده الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، بمكانة المغرب كشريك اقتصادي موثوق ووجهة جاذبة للاستثمار، بالإضافة إلى انفتاحه على ما يفوق 3 مليارات مستهلك عبر اتفاقيات تبادل حر مع مجموعة من التكتلات الاقتصادية الدولية.
ورغم المؤشرات الإيجابية المسجلة على المستوى الاقتصادي، لا يزال تحقيق تنمية اجتماعية مندمجة يشكل تحديا قائما، كما يؤكد ذلك عدد من الخبراء والمحللين.
في هذا السياق، أوضح المحلل الاقتصادي رشيد أشيبان أن الاقتصاد الوطني أظهر قدرة على الصمود رغم صعوبة الظرفية، مشيرا إلى أن القطاعات غير الفلاحية لعبت دورا محوريا في الحد من آثار الجفاف على النمو، خصوصا مع التوسع الصناعي والتحول نحو أنشطة ذات قيمة مضافة.
وأشار أشيبان إلى الأداء اللافت لقطاع صناعة السيارات، الذي أصبح يتصدر قائمة الصادرات الوطنية متجاوزا الفوسفاط، بعدما تجاوزت صادراته 150 مليار درهم وفق معطيات مكتب الصرف، مؤكدا أن هذا التطور سيكون له أثر مباشر على الميزان التجاري، خصوصا في ظل تقلبات السوق العالمية وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وفيما يخص قطاع السياحة، أبرز المتحدث أن المؤشرات تعكس تعافيا واضحا بعد جائحة كورونا، حيث بلغ عدد السياح الوافدين سنة 2024 نحو 17.4 مليون سائح، وهو ما مكن القطاع من المساهمة بنسبة تتراوح بين 7 و8 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وخلق فرص شغل مهمة، وإن ظلت غير كافية لتقليص معدل البطالة، خاصة في ظل هشاشة سوق الشغل بالقطاع الفلاحي، والحاجة إلى يد عاملة مؤهلة في القطاع الصناعي.
على مستوى العلاقات التجارية، أشار أشيبان إلى أن المغرب يصدر اليوم سياراته إلى أزيد من 76 دولة، مستفيدا من شبكة واسعة من اتفاقيات التبادل الحر، وهو ما يعزز موقع المملكة كمصدر رئيسي للمنتجات الصناعية.
لكن المحلل الاقتصادي نبه إلى أن هذا التنوع لا يزال غير كاف، بحكم أن أكثر من 65 في المئة من المبادلات التجارية لا تزال متمركزة مع الاتحاد الأوروبي، داعيا إلى تسريع جهود الانفتاح على أسواق جديدة لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد التجاري المفرط على شريك واحد.
وحول العلاقة بين الأداء الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، شدد أشيبان على ضرورة معالجة اختلالين رئيسيين: الأول يتمثل في ضعف العدالة المجالية، حيث تظل بعض الجهات بعيدة عن دينامية النمو والاستثمار، والثاني يتعلق بمحدودية تأهيل الرأسمال البشري، بما لا يسمح بتحقيق اندماج فعلي في سوق الشغل.
وأشار إلى أن عددا من الجهات ما زالت تعاني من التهميش وضعف البنيات التحتية، داعيا إلى تسريع تأهيلها لتواكب جهات كبرى كطنجة-تطوان-الحسيمة، أو الدار البيضاء-سطات. كما لفت إلى إشكالية الهدر المدرسي وغياب التكوينات المهنية المبسطة، خاصة لفائدة من فقدوا وظائفهم أو يرغبون في الاندماج في قطاعات ناشئة.
وختم أشيبان تصريحه بالتأكيد على ما ورد في الخطاب الملكي من ضرورة تأهيل المناطق القروية والمعزولة، معتبرا أن غياب دينامية اقتصادية بها يهدد بتفاقم النزوح الجماعي وحرمان البلاد من إمكانيات استثمارية وتنموية واعدة.